إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فضيلة المقام بمكة حرسها الله تعالى وكراهيته .

كره الخائفون المحتاطون من العلماء المقام بمكة لمعان ثلاثة .

الأول : خوف التبرم والأنس بالبيت فإن ذلك ربما يؤثر في تسكين حرقة القلب في الاحترام وهكذا كان عمر رضي الله عنه يضرب الحجاج إذا حجوا ويقول : يا أهل اليمن يمنكم ويا أهل الشام شامكم ويا أهل العراق عراقكم ولذلك هم عمر رضي الله عنه بمنع الناس من كثرة الطواف وقال : خشيت أن يأنس الناس بهذا البيت .

الثاني تهييج الشوق بالمفارقة لتنبعث داعية العودة فإن الله تعالى جعل البيت مثابة للناس وأمنا أي : يثوبون ويعودون إليه مرة بعد أخرى ولا يقضون منه وطرا .

وقال بعضهم : تكون في بلد وقلبك مشتاق إلى مكة متعلق بهذا البيت خير لك من أن تكون فيه وأنت متبرم بالمقام وقلبك في بلد آخر .

وقال بعض السلف : كم من رجل بخراسان هو أقرب إلى هذا البيت ممن يطوف به ويقال : إن لله تعالى عبادا تطوف بهم الكعبة تقربا إلى الله عز وجل .

الثالث : الخوف من ركوب الخطايا والذنوب بها ، فإن ذلك مخطر وبالحري أن يورث مقت الله عز وجل لشرف الموضع .

وروي عن وهيب بن الورد المكي قال : كنت ذات ليلة في الحجر أصلي ، فسمعت كلاما بين الكعبة والأستار يقول : إلى الله أشكو ثم إليك يا جبرائيل ما ألقى من الطائفين حولي من تفكرهم في الحديث ولغوهم ولهوهم ، لئن لم ينتهوا عن ذلك لأنتفضن انتفاضة يرجع كل حجر مني إلى الجبل الذي قطع منه .

وقال ابن مسعود رضي الله عنه ما من بلد يؤاخذ فيه العبد بالنية قبل العمل إلا مكة وتلا قوله تعالى : ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم أي أنه على مجرد الإرادة .

ويقال : إن السيئات تضاعف بها كما تضاعف الحسنات وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول : الاحتكار بمكة من الإلحاد في الحرم وقيل : الكذب أيضا وقال ابن عباس لأن أذنب سبعين ذنبا بركية أحب إلي من أن أذنب ذنبا واحدا بمكة وركية منزل بين مكة والطائف ولخوف ذلك انتهى بعض المقيمين إلى أن لم يقض حاجته في الحرم ، بل كان يخرج إلى الحل عند قضاء الحاجة .

وبعضهم أقام شهرا وما وضع جنبه على الأرض .


(فضيلة المقام بمكة وكراهيته )

أي : بيان حكم الإقامة بها فضيلة وكرامة (فاعلم أنه قد كره الخائفون من الله) تعالى (المحتاطون) لدينهم (من العلماء) بالله تعالى (المقام بمكة لمعان ثلاثة : أحدها خوف التبرم بالمقام) أي : التضجر (والأنس بالبيت فإن ذلك) أي : التبرم (ربما يؤثر في تسكين حرقة القلب في الاحترام) له (ولهذا كان عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه يضرب الحجاج إذا حجوا ويقول : يا أهل اليمن خذوا يمنكم ويا أهل الشام) خذوا (شامكم ويا أهل العراق خذوا عراقكم) أي : الحقوا بلادكم ، ولا تجاوروا بمكة . خوفا من أن يتضجروا فتسقط هيبة البيت في الأعين ، وهذا القول من عمر أورده صاحب القوت .

وفي المصنف لابن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ، عن عمر بن أبي معروف ، عن ابن أبي مليكة قال : قال عمر : لا تقيموا بعد النفر إلا ثلاثا ، وفيه أيضا حدثنا وكيع ، عن عيسى ، عن الشعبي ، عن عبد الله قال : مكة ليست بدار إقامة ولا مكث . (ولهذا أيضا هم) أي : قصد (عمر رضي الله عنه بمنع الناس) من كثرة الطواف بالبيت (وقال : خشيت أن يأنس الناس بهذا البيت) أي : ومن يأنس بالشيء كثيرا تسقط منه مهابته ، وهذا مشاهد . (الثاني تهييج الشوق) أي : إثارته (بالمفارقة لتنبعث داعية العود) إليه (فإن الله تعالى جعل البيت مثابة للناس وأمنا أي : يثوبون) أي : يرجعون (ويترددون) بالعود (إليه مرة بعد أخرى) من ثاب إليه إذا رجع (ولا يقضون منه وطرا) كذا في القوت (وقال بعضهم : لأن تكون في بلد وقلبك مشتاق إلى مكة متعلق بهذا البيت خير لك من أن تكون فيه وأنت متبرم بالمقام وقلبك في بلد أخرى) كذا في القوت . قال : روى ابن عيينة ، عن الشعبي قال : لأن أقيم بحمام أعين أحب إلي من أن أقيم بمكة .

قال سفيان : يعني إعظاما لها وتوقيا من الذنب (وقال بعض السلف : كم من رجل بخراسان ) إقليم مشهور ببلاد العجم (وهو أقرب إلى هذا البيت ممن يطوف به) كذا في القوت ، والمشهور على الألسنة قوم بخراسان ، وقلوبهم بمكة (ويقال : إن لله عبادا تطوف بهم الكعبة تقربا إلى الله تعالى) ، نقله صاحب القوت ، وزاد ما نصه : وحدثني شيخ لنا عن أبي علي الكرماني -رحمه الله تعالى- شيخنا بمكة وكان من الأبدال إلا أني ما سمعت منه هذه الحكاية قال : سمعته يقول : رأيت الكعبة ذات ليلة تطوف بشخص من المؤمنين ، وقال لي هذا الشيخ : ربما نظرت إلى السماء واقعة على سطح الكعبة قد ماستها الكعبة ولزقت بها . . أهـ .

وقال الشيخ الأكبر : ولقد نظرت يوما إلى الكعبة وهي تسألني الطواف بها ، وزمزم تسألني التضلع من مائها رغبة في الاتصال بنا ، فخفنا من الحجاب بهما لعظيم مكانتهما عما نحن عليه من حال القرب الإلهي في معرفتنا ، فقلت لهما أخاطب كل واحد منهما : يا كعبة الله ، ويا زمزمه ، كم تسألان الوصل ؟ ثم إن كان وصلي بكما واقعا فرحمة لا رغبة فيكم ، وذكر عدة أسماء على هذا النمط (الثالث : الخوف من ركوب الخطايا والذنوب ، فإن ذلك مخطر) أي : أمر خطر ، وفي بعض النسخ مخطور (وبالحري أن يورث) ذلك (مقت الله تعالى) وسخطه (لشرف الموضع) ، ورفعة قدره عند الله تعالى ، وهذه المعاني الثلاثة ذكرهن صاحب القوت عن السلف إجمالا ، وقد حكي في استحباب المجاورة ما روي عن سهل بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى قال : كان عبد الله بن صالح رجل له [ ص: 281 ] سابقة جليلة ، وكان يفر من الناس من بلد إلى بلد حتى أتى مكة فطال مقامه بها فقلت : لقد طال مقامك بها . فقال لي : ولم لا أقيم بها ولم أجد بلدا تنزل فيه الرحمة والبركة أكثر من هذا البلد ، والملائكة تغدو فيه وتروح ، وإني أرى فيه أعاجيب كثيرة ، وأرى الملائكة يطوفون به على صور شتى ، ما يقطعون ذلك ، ولو قلت لك كل ما رأيت لقصرت عنه عقول قوم ليسوا بمؤمنين ؟ فقلت : أسألك بالله إلا أخبرتني بشيء من ذلك . فقال : ما من ولي لله عز وجل صحت ولايته إلا وهو يحضر هذا البلد في كل جمعة ولا يتأخر عنه ، فمقامي ههنا لأجل من أراه منهم ، ولقد رأيت رجلا يقال له : مالك بن القاسم ، صلى وقد جاء وفي يده غمرة فقلت : إنك قريب عهد بالأكل . فقال : أستغفر الله ، فإنني منذ أسبوع لم آكل ، ولكن أطعمت والدتي وأسرعت لألحق الصلاة . وبينه وبين الموضع الذي جاء سبعمائة فرسخ ، فهل أنت مؤمن ؟ فقلت : نعم . فقال : الحمد لله رب العالمين ، أراني مؤمنا موقنا .

كذا في مثير العزم لابن الجوزي .

وعن إبراهيم قال : كان الاختلاف إلى مكة أحب إليهم من المجاورة . وعن الشعبي قال : لم يكن أحد من المهاجرين والأنصار يقيم بمكة . ذكرهما سعيد بن منصور ، وكره أبو حنيفة الجوار بها خوف الملل وقلة الاحترام لمداومة الأنس بالمكان ، وخوف ارتكاب ذنب هنالك ، وتهييجا للشوق بسبب الفراق ، قال عمرو الزجاجي : من جاور بالحرم وقلبه متعلق بشيء سوى الله تعالى فقد ظهر خسرانه . ولم يكرهها أحمد في جماعة وقالوا : إنها فضيلة ، وما يخاف من ذنب فيقابل بما يرجى لمن أحسن من تضعيف الثواب . وقد نزل بها من الصحابة أربعة وخمسون رجلا ، والله أعلم .

(وروي عن وهيب بن الورد المكي ) الزاهد ثقة ، روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، تقدمت ترجمته قريبا (قال : كنت ذات ليلة في الحجر) بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم ، هو الموضع المحجور عن البيت ، ويسمى الحطيم (أصلي ، فسمعت كلاما) خفيا (بين الكعبة والأستار يقول : إلى الله أشكو ثم إليك يا جبريل ما ألقى) هو مفعول أشكو (من الطائفين حولي من تفكههم في الحديث) أي الدنيوي ، أي انبساطهم فيه (ولغوهم) هو الكلام الباطل (ولهوهم ، لئن لم ينتهوا عن ذلك لأنتفض انتفاضة) أي : أتحرك حركة بعنف (يرجع كل حجر مني إلى الجبل الذي انقطع منه) هكذا أورده صاحب القوت ، وأخرجه الأزرقي في نحو من ذلك في تاريخ مكة تحت الميزاب بعد العشاء الأخيرة ، فسمعت من تحت الأستار : إلى الله أشكو وإليك يا جبريل ما ألقى من الناس من التفكه حولي من الكلام ، وأخرجه أبو بكر بن سدي في مسألة الطائفين بلفظ : إليك يا جبريل أشكو إلى الله ثم إليك ما يفعل هؤلاء الطائفون حولي من تفكههم في الحديث ولغطهم وسهوهم ، قال وهيب : فأولت أن البيت شكا إلى جبريل .

وأخرج أبو بكر الآجري في مسألته ، وابن الجوزي في مثير العزم ، عن علي بن الموفق يخبر عن نفسه أو عن غيره ، أنه رقد في الحجر فسمع البيت يقول : لئن لم ينته الطائفون حولي عن معاصي الله لأصرخن صرخة أرجع إلى المكان الذي جئت منه ، وقد علم من هذه السياقات أن الذي أورده المصنف تبعا لصاحب القوت ، وهو مركب من كلام وهيب وابن الموفق . وقال الشيخ الأكبر : وكانت بيني وبين الكعبة في زمان مجاورتي بها مراسلة وتوسلات ومعاتبة دائما ، وقد ذكرت ما بيني وبينها من المخاطبات في جزء سميناه "تاج الرسائل ومنهاج الوسائل " تحوي فيما أظن على سبع رسائل من أجل السبعة الأشواط لكل شوط رسالة مني إلى الصفة الإلهية التي تتجلى لي في ذلك الشوط ، ولكن ما عملت من تلك الرسائل ولا خاطبتها بها إلا لسبب حادث ، وذلك أني كنت أفضل عليها نشأتي ، وأجعل مكانتها في مجلي الحقائق دون مكانتي ، وأذكرها من حيثما هي نشأت جمادية في أول درجة من المولدات ، أعرض عما خصها الله من علو الدرجات ، وذلك لأرقى همتهما ، ولا تحجب بطواف الرسل والأكابر بذاتها وتقبيل حجرها ، فإني على بينة من ترقي العوالم علوها وسفلها مع الأنفاس ، لاستحالة ثبوت الأعيان على حالة واحدة ، فإن الأصل الذي ترجع إليه جميع الموجودات وهو الله وصف نفسه بأنه : كل يوم هو في شأن فمن المحال أن يبقى شيء في العالم على حالة واحدة زمانية ، فتختلف الأحوال عليه لاختلاف التجليات بالشؤون ، وكان ذلك مني في حقها لغلبة حال علي فلا [ ص: 282 ] شك أن الحق أراد أن ينبهني على ما أنا من سكر الحال ، فأقامني من مضجعي في حالة باردة مقمرة فيها رش مطر ، فتوضأت وخرجت إلى الصلاة بانزعاج شديد ، وليس في الطواف أحد سوى رجل واحد فيما أظن -والله أعلم- فقبلت الحجر وشرعت في الطواف ، فلما جئت مقابلة الميزاب من وراء الحجر نظرت إلى الكعبة ، فرأيتها فيما خيل لي قد شمرت أذيالها ، واستعدت إذا وصلت بالطواف إلى الركن الشامي أن تدفعني بنفسها ، وترمي بي عن الطواف بها ، فجزعت جزعا شديدا ، وأظهر الله لي فيها حرجا وغيظا بحيث لم أقدر على البراح من موضعي ذلك ، وتسترت بالحجر ليقع الضرب منها عليه ، فجعلته كالمجن بيني وبينها ، وأسمعها والله وهي تقول لي : تقدم حتى ترى ما أصنع بك ، كم تضع من قدري وترفع من قدر بني آدم وتفضل العارفين علي ؟ وعزة من له العزة لا تركتك تطوف بي . فرجعت إلى نفسي وعلمت أن الله يريد تأديبي ، فشكرت الله على ذلك ، وزال جزعي الذي كنت أجده ، وهي والله فيما تخيل لي قد ارتفعت عن الأرض بقواعدها مشمرة الأذيال كما يشمر الإنسان إذا أراد أن يثب من مكان يجمع عليه ثيابه ، هكذا خيلت لي قد جمعت ثيابها عليها لتثب علي وهي في صورة جارية لم أر أحسن منها ، ولا يتخيل أحسن ، فارتجلت أبياتا في الحال أخاطبها بها ، وأستنزلها عن ذلك الحرج الذي عانيته فيها ، فما زلت أثني عليها في تلك الأبيات وهي تتسع وتنزل بقواعدها إلى مكانها ، وتظهر السرور بما أسمعها ، إلى أن عادت على حالها كما كانت ، وأمنتني ، وأشارت لي بالطواف ، فرميت نفسي على المستجار وما في مفصل إلا وهو يضطرب من قوة الحال ، إلى أن سري عني وصالحتها وأودعتها شهادة التوحيد عند تقبيل الحجر ، فخرجت الشهادة في صورة ملك ، وانفتح في الحجر الأسود مثل الطاق ، حتى نظرت إلى قعر طول الحجر فرأيته نحو ذراع ، ولرأيت الشهادة قد صارت مثل الكبة واستقرت في قعر الحجر ، وانطبق الحجر عليها ، وانسد ذلك الطاق وأنا أنظر إليه ، فقالت لي : هذه أمانة عندي أرفعها لك يوم القيامة . وشكرتها على ذلك ، ومن ذلك الوقت وقع الصلح بيني وبينها ، وخاطبتها بتلك الرسائل السبعة ، فزادت بي فرحة وابتهاجا . والله أعلم .

ثم قال صاحب القوت : واتق الهمم الردية والأفكار الدنية ، فإنه يقال : إن العبد يؤاخذ بالهمة في ذلك البلد (وقال ابن مسعود ) رضي الله عنه : (ما من بلد يؤاخذ العبد فيه بالهمة) وفي نسخة : بالنية ، ولفظ القوت : بالإرادة (قبل العمل إلا مكة) ولفظ القوت : إلا بمكة ، وقال أيضا : لو هم العبد بعدن أبين أن يعمل سوءا بمكة عاقبه الله ، (وتلا) ولفظ القوت : ثم تلا (قوله عز وجل : ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم أي أنه على مجرد الإرادة) ولفظ القوت يعني أنه علق العذاب بالإرادة دون الفعل ، وقوله الثاني : لو هم العبد بعدن أبين أخرجه ابن أبي شيبة ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن السدي ، عن عبد الله قال : من هم بسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها ، وإن هم بعدن أبين أن يقتل عند المسجد الحرام أذاقه الله من عذاب أليم . ثم تلا قوله تعالى : . . . ، ثم قال صاحب القوت : (ويقال : إن السيئات تضاعف بها كما تضاعف الحسنات) وإن السيئات التي تكتب هنالك .

قلت : ونقل ذلك عن ابن عباس ، ونقله ابن الجوزي عن مجاهد (وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : الاحتكار بمكة من الإلحاد بالحرم ) وهو حبس الطعام إرادة الغلاء ، والاسم الحكرة بالضم .

وأخرج أبو داود من حديث يعلى بن أمية مرفوعا "احتكار الطعام بمكة إلحاد بها " ، ونقل الطبري عن أهل العلم : الإلحاد في الحرم القتل والمعاصي (وقيل : الكذب أيضا) من الإلحاد .

كذا في القوت .

وروي عن ابن عمر أنه أتى ابن الزبير وهو جالس في الحجر فقال : يا ابن الزبير ، إياك والإلحاد في حرم الله ، فإني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "يحلها رجل من قريش " ، وفي رواية : "إنه سيلحد فيه رجل من قريش لو وزنت ذنوبه ذنوب الثقلين لوزنتها " فانظر أن لا تكون .

أخرجه أحمد ، (وقال ابن عباس) رضي الله عنهما (لأن أذنب سبعين ذنبا بركية أحب إلي من أن أذنب ذنبا واحدا بمكة) . نقله صاحب القوت . قال : (وركية) أي بالضم ممنوعا (منزل بين مكة والطائف) قلت : وهي من قرى الطائف ، كان ينزلها ابن عباس ، ولذلك خصها بالذكر ، وقال ذلك الكلام لما قيل له : ما لك لا تمكث بمكة كثيرا ؟ فقال : ما لي والبلد الذي تضاعف فيه السيئات كما تضاعف فيه الحسنات ، لأن أذنب . . . إلخ . (ولخوف [ ص: 283 ] ذلك انتهى بعض المقيمين) بها (إلى أنه لم يقض حاجته) من البول والغائط (في الحرم ، بل كان يخرج إلى الحل عند قضاء الحاجة ، وبعضهم أقام شهرا وما وضع جنبه فيه على الأرض) وفي القوت : وقد كان الورعون من السلف منهم عبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز وغيرهما يضرب أحدهم فسطاطين : فسطاطا في الحرم ، وفسطاطا في الحل ، فإذا أراد أن يصلي أو يعمل شيئا من الطاعات دخل فسطاط الحرم ليدرك فضل المسجد الحرام ؛ لأن المسجد الحرام عندهم في جميع ما نذكر إنما هو الحرم كله ، وإذا أراد أن يأكل أو يكلم أهله أو يتغوط خرج إلى فسطاط الحل .

ويقال : إن الحجاج في سالف الدهر كانوا إذا قدموا مكة خلعوا نعالهم بذي طوى تعظيما للحرم ، وقد سمعنا من لم يتغوط ولا يبول في الحرم من المقيمين بمكة ، ورأينا بعضهم لا يتغوط ولا يبول حتى يخرج إلى الحل ؛ تعظيما لشعائر الله تعالى ، وتنزيها لحرمه .

قلت : وفعل عبد الله بن عمرو من اتخاذ الفسطاطين .

أخرجه أبو ذر الهروي ، وخلع النعال بذي طوى نقله الطبري عن ابن الزبير ، قال : إذا كانت الأمة من بني إسرائيل لتقدم مكة ، فإذا بلغت ذا طوى خلعت نعالها تعظيما للحرم .

وأخرج ابن الحاج في منسكه ، عن عياش بن ربيعة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا تزال هذه الأمة بخير ما عظمت هذه الحرمة حق تعظيمها لله عز وجل ، يعني : الكعبة والحرم . فإن ضيعوا هلكوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية