إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فضيلة المدينة الشريفة على سائر البلاد .

ما بعد مكة بقعة أفضل من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالأعمال فيها أيضا مضاعفة قال صلى الله عليه وسلم : " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وكذلك كل عمل بالمدينة بألف وبعد مدينته الأرض المقدسة فإن الصلاة فيها بخمسمائة صلاة فيما سواها إلا المسجد الحرام وكذلك سائر الأعمال .

وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " صلاة في مسجد المدينة بعشرة آلاف صلاة ، وصلاة في المسجد الأقصى بألف صلاة ، وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة " وقال صلى الله عليه وسلم : " من صبر على شدتها ولأوائها كنت له شفيعا يوم القيامة " وقال صلى الله عليه وسلم : " من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت فإنه لن يموت بها أحد إلا كنت له شفيعا يوم القيامة "
(فضيلة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم )

[ ص: 284 ] (على سائر البلاد) وهي أشهر أسمائها ، ووزنها فعيلة ؛ لأنها من مدن ، أو مفعلة ؛ لأنها من دان ، والجمع مدن ومدائن بالهمز على أصالة الميم ، ووزنها فعائل ، وبغير همز مع زيادة الميم ووزنها مفاعل ؛ لأن للياء أصلا فترد إليه ، والنسبة مدني وهو الأشهر ، ومديني ، وأما المدائني فإلى مدائن كسرى بالعراق .

وهذه أسماؤها على حروف المعجم : أثرب ، أرض الله ، أرض الهجرة ، أكالة البلدان ، أكالة القرى ، الإيمان ، البارة ، برة البحر ، البحرة ، البلاط ، بيت رسول الله ، تندر ، تندر الجبابرة ، جبار الجبابرة ، جزيرة العرب ، الحبيبة ، الحرم ، حرم رسول الله ، الخير ، الخيرة ، الدار ، دار الأبرار ، دار الأخيار ، دار الإيمان ، دار السنة ، دار السلامة ، دار الفتح ، دار الهجرة ، الدرع الحصينة ، دار الحجر ، ذات الحرار ، ذات النخل ، سيدة البلدان ، الشافية ، طابة ، طيبة ، طيابا ، العاصمة ، العذراء ، الغراء ، الفاصحة ، القاصمة ، قبة الإسلام ، القرية ، قرية الأنصار ، قرية رسول الله ، قلب الإيمان ، المؤمنة ، المباركة ، المجبورة ، المحبة ، المحبوبة ، المحربة ، المحروسة ، المحفوفة ، المحفوظة ، المختارة ، مدخل صدق ، المدينة ، المرحومة ، المرزوقة ، المسجد الأقصى ، المسكينة ، المسلمة ، مضجع رسول الله ، المطيبة ، المقدسة ، المقر ، المكينة ، مهاجر رسول الله ، الموفية ، النافية ، نبلا ، النحرا ، نيدر الهزار ، الموطن ، يثرب ، يندر .

وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى ، فإذا علمت ذلك فاعلم (ما بعد مكة حرسها الله تعالى بقعة أفضل من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالأعمال فيها مضاعفة) أي : أعمال البر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه ) من المساجد (إلا المسجد الحرام) وكذا قيل : إن الأعمال في المدينة كفضل الصلاة ، كل عمل بألف عمل . والحديث قال العراقي : متفق عليه من حديث أبي هريرة ، ورواه مسلم من حديث ابن عمر . . أهـ .

قلت : ورواه أيضا أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة ، ورواه أحمد أيضا والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عمر ، ورواه مسلم أيضا من حديث ميمونة ، وأحمد أيضا من حديث جبير بن مطعم وسعد وأرقم . ولفظهم كلهم "أفضل " بدل "خير " وزاد مسلم والنسائي في بعض روايات حديث أبي هريرة : "فإني آخر الأنبياء وإن مسجدي آخر المساجد " . وأخرجه أحمد وابن ماجه من حديث جابر بزيادة : "وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه " . وأخرجه أحمد وابن حبان من حديث ابن الزبير بزيادة : "وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة ألف صلاة " .

وأخرجه البيهقي من حديث ابن عمر بزيادة : "وصيام شهر رمضان بالمدينة كصيام ألف شهر فيما سواه وصلاة الجمعة بالمدينة كألف جمعة فيما سواها " . وعنده من حديث جابر بلفظ : "الصلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام والجمعة في مسجدي هذا أفضل من ألف جمعة فيما سواه إلا المسجد الحرام وشهر رمضان في مسجدي هذا أفضل من ألف شهر رمضان فيما سواه إلا المسجد الحرام " . (وكذلك كل عمل بالمدينة) كفضل الصلاة كل عمل (بألف) عمل (وبعد المدينة الأرض المقدسة فإن) فضل (الصلاة فيها بخمسمائة) صلاة (فيما سواه إلا المسجد الحرام وكذلك سائر الأعمال) كل عمل يضاعف بخمسمائة .

(وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "صلاة في مسجد المدينة بعشرة آلاف صلاة ، وصلاة في المسجد الأقصى بألف صلاة ، وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة " ) قال صاحب القوت : رويناه عن عطاء ، عن ابن عباس مرفوعا هكذا . وقال العراقي : الحديث غريب بجملته هكذا ، ولابن ماجه من حديث ميمونة بإسناد جيد في بيت المقدس : "ائتوه فصلوا فيه ، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره " . وله من حديث أنس : "صلاة في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة ، وصلاة في مسجدي بخمسين ألف صلاة " ليس في إسناده من يضعف . وقال الذهبي إنه منكر . . أهـ .

قلت : أخرجه ابن ماجه من حديث هشام بن عمار ، حدثنا أبو الخطاب الدمشقي ، حدثنا رزيق أبو عبد الله الألهاني ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صلاة الرجل في بيته بصلاة ، وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة ، وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة ، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة ، وصلاته في المسجد [ ص: 285 ] الحرام بمائة ألف صلاة " . رزيق الألهاني ضعفه ابن حبان ، والراوي له عنه أبو الخطاب إن كان هو معروف الخياط فقد ذكر ابن عدي هذا الحديث في ترجمته ، وإن كان هو عمار الدمشقي كما وقع عند الطبراني فهو مجهول ، وعند البيهقي من حديث جابر : "صلاة في المسجد الحرام مائة ألف صلاة ، وصلاة في مسجدي ألف صلاة ، وفي بيت المقدس خمسمائة صلاة " . وعند الطبراني في الكبير من حديث أبي الدرداء مثله إلا أنه قال : الصلاة . وفي الحلية لأبي نعيم من حديث أنس : "الصلاة في المسجد الحرام مائة ألف صلاة ، والصلاة في مسجدي عشرة آلاف صلاة ، والصلاة في مسجد الرباطات ألف صلاة " .

(وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يصبر على شدتها ولأوائها أحد إلا كنت له شفيعا يوم القيامة ") رواه مسلم من حديث أبي هريرة وابن عمر وأبي سعيد ، قاله العراقي . ولمسلم أيضا من حديث سعد : "لا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة " ، وأخرجه الترمذي بلفظ المصنف ، وأخرجه مالك نحوا من سياق مسلم ، وقال الطبري : قوله : "شهيدا أو شفيعا " ليست "أو " هنا للشك ، خلافا لمن ذهب إليه ؛ إذ قد رواه جابر وأبو هريرة وأبو سعيد وسعد وأسماء بنت عميس بهذا اللفظ ، ويبعد اتفاق الكل على الشك ، بل الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم قاله كذلك فتكون "أو " للتقسيم ، ويمكن أنه صلى الله عليه وسلم شفيعا لبعض أهل المدينة ، وشهيدا لبعضهم ، إما شهيدا للطائعين شفيعا للعاصين ، أو شهيدا لمن مات في حياته شفيعا لمن مات بعده . . . أو غير ذلك مما الله أعلم به .

وفي تخصيص هذه الشفاعة أو الشهادة تخصيص زائد بزيادة منزلة لهم ، وقد تكون "أو " بمعنى الواو ، وإن كانت "أو " للشك فإن كانت اللفظة الصحيحة الشهادة فلا إشكال ؛ إذ هي زائدة على الشفاعة المؤخرة ، وإن كانت الشفاعة فاختصاص أهل المدينة بها يدل على أنها شفاعة أخرى خاصة ؛ إما لزيادة الدرجات ، أو لتخفيف الحساب ، أو غير ذلك . . أهـ .

(وقال صلى الله عليه وسلم : "من استطاع أن يموت بالمدينة) أي : يقيم بها حتى يدركه الموت (فليمت) أي : فليقم بها حتى يموت ، فهو تحريض على الإقامة بها ، ليتأتى له أن يموت بها ؛ إطلاقا للمسبب على سببه ، كما في قوله تعالى : ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون (فإنه لم يمت بها أحد إلا كنت له شفيعا يوم القيامة ") أي : خاصة غير الشفاعة العامة .

قال العراقي : رواه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عمر ، وقال الترمذي : حسن صحيح . . أهـ .

قلت : ورواه أحمد كذلك بسند رجاله رجال الصحيح ، خلا عبد الله بن عكرمة ، ولم يتكلم فيه أحد بسوء ، قاله : الهيثمي ، وكذا رواه ابن أبي شيبة في المصنف ، وابن حبان ، والبيهقي ، ولفظهم كلهم : "من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت بها " والأقرب إلى سياق المصنف حديث صمية التيلية : "من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت ، فإنه لن يموت بها أحد إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة " . هكذا رواه الطبراني في الكبير ، والبيهقي في السنن ، ورويا مثل ذلك عن سبعية الأسلمية ، ورواه الطبراني خاصة من حديث يتيمة من ثقيف كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعند ابن حبان عن صمية المذكورة بلفظ : "من استطاع منكم أن لا يموت إلا بالمدينة فليمت بها فإنه من يمت بها تشفع وتشهد له " .

التالي السابق


الخدمات العلمية