إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الباب السادس .

في آفات العلم .

وبيان علامات علماء الآخرة والعلماء السوء .

قد ذكرنا ما ورد من فضائل العلم والعلماء وقد ورد في العلماء السوء تشديدات عظيمة دلت على أنهم أشد الخلق عذابا يوم القيامة .

فمن المهمات العظيمة معرفة العلامات الفارقة بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة ونعني بعلماء الدنيا علماء السوء الذين قصدهم من العلم التنعم بالدنيا والتوصل إلى الجاه والمنزلة عند أهلها قال صلى الله عليه وسلم : إن أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يكون المرء عالما حتى يكون بعلمه عاملا وقال صلى الله عليه وسلم العلم علمان علم على اللسان فذلك حجة الله تعالى على خلقه وعلم في القلب فذلك العلم النافع وقال صلى الله عليه وسلم يكون في آخر الزمان عباد جهال وعلماء فساق وقال صلى الله عليه وسلم : لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولتماروا به السفهاء ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم فمن فعل ذلك فهو في النار وقال صلى الله عليه وسلم : من كتم علما عنده ألجمه الله بلجام من نار وقال صلى الله عليه وسلم : لأنا من غير الدجال أخوف عليكم من الدجال فقيل : وما ذلك ؟ فقال : من الأئمة المضلين وقال صلى الله عليه وسلم : من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلا بعدا .

وقال عيسى عليه السلام إلى متى تصفون الطريق للمدلجين وأنتم مقيمون مع المتحيرين .

فهذا وغيره من الأخبار يدل على عظيم خطر العلم فإن ، العالم إما متعرض لهلاك الأبد أو لسعادة الأبد وإنه ، بالخوض في العلم قد حرم السلامة إن لم يدرك السعادة .


( الباب السادس في آفات العلم)

والعلماء ( وبيان علامات) فارقة بين ( علماء الآخرة و) بين ( العلماء السوء) وهم علماء الدنيا فاعلم أنه ( قد ذكرنا) فيما سبق بعض ( ما ورد) في الآيات والأحاديث والآثار ( في فضائل العلم والعلماء) بالله بما فيه مقنع للطالب المجد ( و) الآن عن لنا أن نذكر شيئا مما يتعلق بعلماء الدنيا فاعلم أنه ( قد ورد في) حق ( العلماء السوء تشديدات) وتهديدات ( عظيمة) فالآيات والأحاديث والآثار ( دلت على أنهم أشد الخلق عذابا يوم القيامة) ، كما سيأتي بيانه ( فمن المهمات العظيمة معرفة العلامة الفارقة) المميزة ( بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة) ; ليكون السامع لما يتلى عليه من ذلك على بصيرة تامة فلا يحمل ما ورد في علماء الآخرة من الفضائل على علماء الدنيا ( ونعني بعلماء الدنيا علماء السوء) وصفهم بذلك لخسة منزلتهم عند الله تعالى ودناءة همتهم; حيث استعملوا ما به يمدح فيما يذم وهم ( الذين قصدهم من) تحصيل ( العلم التنعم بالدنيا) والترفه بزخارفها بتزيين المنازل بالفرش الطيبة وتعليق الستور عليها، وتزيين الملابس الفاخرة والتجمل بالمراتب الفارهة ( والتوصل) بذلك ( إلى الجاه والمنزلة) الرفيعة ( عند أهلها) أي: الدنيا ( قال صلى الله عليه وسلم: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه) قد تقدم في خطبة الكتاب الكلام على تخريج هذا الحديث، وأنه رواه أبو هريرة رضي الله عنه وما يتعلق به من المعنى وهو أول حديث ذكره في الخطبة، وقد كرره في ثلاثة مواضع هذا ثالثها .

( ويروى عنه صلى الله عليه وسلم: لا يكون المرء عالما حتى يكون بعلمه عاملا) قال العراقي في التخريج الكبير: لم أجده مرفوعا ورواه ابن حبان في كتاب روضة العقلاء والبيهقي في المدخل موقوفا على أبي الدرداء له بزيادة في أوله أنك لن تكون عالما حتى تكون متعلما ولن [ ص: 349 ] تكون عالما حتى تكون لما علمت عاملا اللفظ للبيهقي وفيه انقطاع اهـ .

قلت: وأخرج الخطيب في كتاب الاقتضاء من رواية هشام الدستوائي عن برد عن سليمان قاضي عمر بن عبد العزيز قال: قال أبو الدرداء: لا تكون عالما حتى تكون متعلما ولا تكون بالعلم عالما حتى تكون به عاملا، وأما ما عزاه العراقي لابن حبان والبيهقي فقد أخرجه الخطيب في الكتاب المذكور من رواية وكيع عن جعفر بن برقان عن فرات بن سلمان عن أبي الدرداء ( وقال صلى الله عليه وسلم العلم علمان علم على اللسان فذلك حجة الله عز وجل على ابن آدم وعلم في القلب فذلك العلم النافع) أورده صاحب القوت في خلال كلامه فقال: روينا عن الحسن البصري يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العلم علمان فعلم باطن في القلب فذاك هو النافع وعلم ظاهر على اللسان فذلك حجة الله على خلقه اهـ .

وقد رواه الديلمي في مسند الفردوس من طريق أبي نعيم من رواية قتادة عن أنس رفعه: العلم علمان، فعلم ثابت في القلب، فذلك العلم النافع، وعلم في اللسان فذلك حجة الله على عباده، وفي إسناده أبو الصلت الهروي، اسمه عبد السلام بن صالح، اتهمه الدارقطني بالوضع، وبنحو هذا أخرجه الخطيب في تاريخه بإسناد جيد من رواية الحسن عن جابر رفعه، وأعله ابن الجوزي برواية يحيى بن اليمان، قال أحمد: ليس بحجة، ولكن قال العراقي في تخريجه: احتج به مسلم وقال يحيى بن معين: ثقة، وقال ابن المديني صدوق، قال العراقي: وقد جاء من حديث الحسن مرسلا دون ذكر جابر بإسناد صحيح رواه الحكيم الترمذي في النوادر وابن عبد البر في العلم من رواية هشام عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت: وكذلك ابن أبي شيبة في المصنف، قال: وفي الباب عن علي وعائشة رضي الله عنها ( وقال صلى الله عليه وسلم يكون في آخر الزمان عباد جهال وعلماء فساق) هكذا أخرجه أبو نعيم في الحلية من رواية يوسف بن عطية عن ثابت عن أنس رفعه، ثم قال: هذا حديث ثابت لم نكتبه إلا من حديث يوسف بن عطية عن ثابت وهو قاض بصري، في حديثه نكارة اهـ .

وأخرجه كذلك من طريقه الحاكم في الرقاق من المستدرك وابن عدي في الكامل ولفظهما وعلماء فسقة وابن النجار في تاريخه كما في الكبير للسيوطي ولفظه وقراء فسقة وقال الحاكم صحيح وشنيع عليه الذهبي والعراقي قال الأول يوسف بن عطية الصفار هالك، وقال الثاني: مجمع على ضعفه، وفي الميزان عن البخاري منكر الحديث وساق له هذا الخبر وفي الديوان قال أبو زرعة، والدارقطني ضعيف، ورواه البيهقي في الشعب، من هذا الوجه وقال يوسف: كثير المناكير ومن شواهده ما أخرجه الحكيم الترمذي في النوادر من رواية أبان عن أنس رفعه يكون في آخر الزمان ديوان القراء فمن أدرك ذلك الزمان فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهو الأنتنون .

وأخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أسامة رفعه: إلا أنه قال ذئبان القراء بدل ديوان، وقال غريب من حديث سليمان أفادناه الدارقطني الحافظ، ونقل القرطبي عن مكحول يأتي على الناس زمان يكون عالمهم أنتن من جيفة حمار، وأخرج الخطيب عن أبي هريرة يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة، ووزراء فسقة، وقضاة خونة وفقهاء كذبة، فمن أدركهم فلا يكونن لهم عريفا ولا جابيا ولا خازنا ولا شرطيا ( وقال صلى الله عليه وسلم: لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء وتماروا به السفهاء ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم فمن فعل فهو في النار) أخرجه ابن ماجه من رواية بشير بن ميمون عن أشعث بن سوار عن ابن سيرين عن حذيفة رضي الله عنه رفعه ولفظه: لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء أو لتماروا به السفهاء أو لتصرفوا والباقي سواء قال العراقي: وبشير بن ميمون الخراساني متهم بالوضع قاله البخاري وأشعث بن سوار مختلف فيه، ولكن أخرج ابن ماجه أيضا من رواية ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر رفعه لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء ولا لتجترئوا به في المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار.

قال العراقي: وإسناده على شرط مسلم قلت: وأخرجه كذلك الحاكم وابن حبان والضياء المقدسي في المختارة وبه يتقوى حديث حذيفة السابق قال العراقي: وفي الباب عن عبد الله بن عمر و كعب بن مالك وأبي هريرة ومعاذ وأنس وأم سلمة، رضي الله عنه من حديث ابن عمر رواه ابن ماجه من رواية أبي كرب [ ص: 350 ] الأزدي عن نافع عنه رفعه من طلب العلم ليماري به السفهاء أو ليباهي به العلماء أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار وأبو كرب مجهول وروى الترمذي من حديث خالد بن دريك عن ابن عمر رفعه: من تعلم علما لغير الله وأراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار، وإسناده جيد، وأما حديث كعب بن مالك فرواه الترمذي من رواية إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله قال: حدثني ابن كعب بن مالك عن أبيه رفعه: من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف وجوه الناس إليه أدخله الله النار. وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسحاق بن يحيى تكلم فيه من قبل حفظه .

قلت: وأخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، والطبراني من هذا الطريق ولفظهما: من طلب العلم لإحدى ثلاث ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف وجوه الناس إليه أدخله الله النار، وأما حديث أبي هريرة فرواه ابن ماجه أيضا من رواية عباد بن سعيد المقبري عن جده عنه رفعه: من تعلم العلم ليباهي به العلماء ويباري به السفهاء ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله جهنم، وعباد بن سعيد المقبري ضعيف قاله العراقي، وأما حديث معاذ فرواه الطبراني من رواية شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عنه رفعه: من طلب العلم ليباهي به العلماء ويباري به السفهاء في المجالس لم يرح رائحة الجنة، وشهر بن حوشب مختلف فيه، وأما حديث أنس فرواه أبو بكر البزار والطبراني في الأوسط، من رواية سليمان بن زياد بن عبد الله، حدثنا سفيان أبو معاوية، عن قتادة عن أنس رفعه: من طلب العلم ليباهي به العلماء ويماري به السفهاء ويصرف به وجوه الناس إليه فهو في النار قال البزار لا نعلمه يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد تفرد به سليمان ولم يتابع عليه ورواه عنه غير واحد قاله العراقي.

قلت: وأخرجه أيضا ابن عساكر في تاريخه وأبو نعيم في المعرفة من هذا الطريق إلا أنهما قالا: ليماري به السفهاء أو يكاثر به العلماء أو يصرف وجوه الناس إليه فليتبوأ مقعده من النار، وأخرجه ابن أبي عاصم في الوجدان، والدارقطني في الأفراد والديلمي في مسند الفردوس من هذا الوجه ولفظهم: من تعلم العلم والباقي سواء، وأخرج ابن عساكر أيضا من رواية نافع بن مالك أبي سهل عم مالك بن أنس قال: قلت للزهري: أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من طلب شيئا من هذا العلم الذي يراد به وجه الله ليطلب به شيئا من عرض الدنيا دخل النار، فقال الزهري: لا ما بلغني فساقه وفيه قصة تقدمت في خاتمة الفصول، قال العراقي: وأما حديث أم سلمة فرواه الطبراني من رواية عبد الخالق ابن زيد عن أبيه عن محمد بن عبد الملك بن مروان، عن أبيه عنها رفعته: من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء فهو في النار وعبد الخالق بن زيد بن واقد منكر الحديث قاله البخاري وعبد الملك بن مروان أورده الذهبي في الميزان، وقال أنى له العدالة وقد سفك الدماء، وفعل الأفاعيل .

قلت: عبد الخالق المذكور قال الذهبي في الديوان: قال النسائي ليس بثقة، وقوله أنى له العدالة إلخ، صحيح ولكن قد يقال يحتمل أنه تحمل هذا الحديث في حال استقامته قبل أن تصدر منه الأفاعيل، وهكذا أخرجه تمام الرازي في فوائده أيضا، وأخرج ابن النجار في تاريخه عن أم سلمة: من طلب علما ليباهي به العلماء فهو في النار وأخرج ابن عساكر أيضا ولكن عنده من طلب علما يباهي به الناس والباقي سواء .

وأخرجه الدارمي في مسنده من رواية مكحول عن ابن عباس رفعه: من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء أو يريد أن يقبل بوجوه الناس إليه أدخله الله جهنم ( وقال صلى الله عليه وسلم: من كتم علما عنده ألجم بلجام من نار) تقدم هذا الحديث قريبا وفي الباب الأول من هذا الكتاب دون قوله عنده قال العراقي: وهذه اللفظة في بعض طرق حديث أبي هريرة رواها ابن الجوزي في العلل المتناهية، وأعلها بإسماعيل بن عمرو، وذكر قول الدارقطني فيه أنه ضعيف، إلا أن ابن حبان ذكره في الثقات ( وقال صلى الله عليه وسلم: لأنا من غير الدجال أخوف عليكم من الدجال فقيل: وما ذاك؟ فقال: من الأئمة المضلين) وفي نسخة فقال: أئمة مضلون، أخرجه الإمام أحمد من رواية أبي تميم الجيشان واسمه عبد الله بن مالك، قال: سمعت أبا ذر يقول: كنت محاضر النبي صلى الله عليه [ ص: 351 ] وسلم إلى منزله فسمعته يقول غير الدجال أخوف على أمتي من الدجال فلما خشيت أن يدخل قلت: يا رسول الله أي شيء أخوف على أمتك من الدجال؟ قال الأئمة المضلون، قال العراقي: في إسناده عبد الله بن لهيعة مختلف فيه ورواه أبو يعلى من رواية جابر عن عبد الله بن يحيى عن علي بن أبي طالب رفعه: غير الدجال أخوف عليكم أئمة مضلون وجابر هو أبو يزيد الجعفي ضعفه الجمهور وروى أحمد من طريق أبي المخارق زهير بن سالم عن عمير بن سعد الأنصاري، أن عمر قال لكعب: ما أخوف شيء تخوفه على أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال: أئمة مضلون وجابر هو أبو يزيد الجعفي ضعفه الجمهور وروى أحمد من طريق أبي المخارق زهير بن سالم عن عمير بن سعد الأنصاري أن عمر قال لكعب ما أخوف شيء تخوفه على أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: أئمة مضلون قال عمر: صدقت قد أسر إلي ذلك وأعلمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو المخارق ذكره ابن حبان في الثقات، وعمير بن سعد معدود في الصحابة والظاهر أنه منقطع بينه وبين أبي المخارق، وأخرج مسلم وأصحاب السنن من رواية جبير بن نفير عن النواس بن سمعان في حديثه الطويل في الدجال وفيه فقال غير الدجال أخوفني عليكم .

وأخرج الإمام أحمد والطبراني في الكبير، عن أبي الدرداء رفعه: إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون، قال الهيثمي فيه راويان لم يسميا، وأخرج العلائي بسنده إلى ابن عمر قيل له ما يهدم الإسلام قال زلة عالم وجدال منافق وحكم الأئمة المضلين، وأخرج أبو نعيم في الحلية من رواية صفوان بن عمر وعن أبي المخارق عن كعب عن عمر رفعه: أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون فقال كعب: فقلت والله ما أخاف على هذه الأمة غيرهم قال الشيخ غريب من حديث كعب تفرد به صفوان رواه عنه بقية بن الوليد والقدماء ( وقال صلى الله عليه وسلم: من ازداد علما ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلا بعدا) أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من طريق موسى بن إبراهيم عن موسى بن جعفر الصادق عن آبائه عن علي رضي الله عنه رفعه إلا أنه قال: ولم يزدد في الدنيا زهدا مكان هدى، كذا في الجامع الكبير للسيوطي وأشار له العراقي وقال: وقد روينا من طريق إبراهيم بن عبد الله عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده رفعه: من ازداد بالله علما ثم ازداد بالدنيا حبا ازداد الله عليه غضبا.

قال: والمشهور أن هذا الحديث من قول الحسن البصري رواه ابن حبان في روضة العقلاء وابن عبد البر في بيان العلم بلفظ: من ازداد علما ثم ازداد على الدنيا حرصا لم يزدد من الله إلا بعدا لفظ ابن حبان، وقال ابن عبد البر بغضا يدل بعدا وزاد ولم يزدد من الدنيا إلا بعدا قال وقد روي مثل قول الحسن هذا مرفوعا، وكأنه أشار إلى حديث علي المتقدم قلت: وحديث علي المتقدم سنده ضعيف; لأن موسى بن إبراهيم قال الذهبي قال الدارقطني: متروك، كذا قاله المناوي، وعندي في ذلك نظر; لأن الذي قال فيه الدارقطني: متروك وهو مروزي يروي عن ابن لهيعة، كما هو نص الديوان للذهبي، والذي يروي عن موسى بن جعفر رجل من أهل البيت فتأمل .

والحديث الذي بعده رواه أبو الفتح الأزدي في الضعفاء، ومن الشواهد ما أخرجه أبو نعيم في الحلية حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا الحسن بن إبراهيم بن يسار حدثنا سليمان بن داود حدثنا ابن عيينة قال: كان يقال: إن العاقل إذا لم ينتفع بقليل الموعظة لم يزدد على الكثير منها إلا شرا وفي معنى ذلك قول مالك بن دينار من لم يؤت من العلم ما يقمعه فما أوتي من العلم ما ينفعه ( وقال عيسى عليه السلام) فيما أخرجه الخطيب في اقتضاء العلم العمل له حدثنا محمد بن أحمد بن رزقويه، حدثنا جعفر بن محمد الخلدي، حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا عباس العنبري، حدثني عبد الصمد قال: سمعت سعيد بن عطارد، وكان بكى حتى فرح قال: قال عيسى ابن مريم ( إلى متى تصفون الطريق) ، أي إلى الله تعالى ( إلى المدلجين) ، ولفظ الخطيب إلى الداجلين، أي لهم وهم السائرون بالليل، والمراد بهم الزهاد السالكون إلى الله تعالى، ( وأنتم مقيمون) أي: بأعمالكم ( مع المتحيرين) الواقفين، أي فلا يصح وصف الطريق إلا من المتصف بالسير والسلوك في طريق الحق، زاد الخطيب بعد قوله: المتحيرين إنما ينبغي من العلم القليل، ومن العمل الكثير ( فهذا) الذي ذكرناه لك ( وغيره من الأخبار) الكثيرة ( يدل على عظيم خطر العلم، و) على ( أن العالم) من حيث هو هو ( متعرض) بعلمه ( إما لهلاك الأبد) ، فيكون أشقى الأشقياء ( أو لسعادة الأبد،) فيكون أسعد السعداء ( وأنه بالخوض) والاشتغال ( في العلم قد حرم) منع ( السلامة) من [ ص: 352 ] الهلاك ( إن لم يدرك السعادة) بمنة من الله تعالى وتوفيق منه وتحقيق هذا المقام أن أصل العلم الرغبة وثمرته السعادة، وأصل الزهد الرهبة، وثمرته العبادة، فإذا اقترن العلم والزهد فقد تمت السعادة وعمت الفضيلة، وإن افترقا فيا بويح مفترقين ما أضر افتراقهما وأقبح انفرادهما وقد فصل المصنف في ذلك تفصيلا حسنا يأتي في أثناء كتابه: الناس في طلب العلم ثلاثة; رجل طلبه ليتخذه زاده إلى المعاد لم يقصد إلا وجه الله فهذا من الفائزين، ورجل طلبه ليستعين به على حياته العاجلة، وينال به الجاه والمال، ومع ذلك يعتقد خسيسة مقصده وسوء فعله، فهذا من المخاطرين فإن عاجله أجله قبل التوبة خيف عليه سوء الخاتمة، وإن وفق لها فهو من الفائزين، ورجل استحوذ عليه الشيطان فاتخذ علمه ذريعة إلى التأثر بالمال، والتفاخر بالجاه والتعزز بكثرة الأتباع وهو مع ذلك يضمر أنه عند الله بمكان لاتسامه بسمة العلماء، فهذا من الهالكين المغرورين إذا الرجاء منقطع عن توبته لظنه أنه من المحسنين .

التالي السابق


الخدمات العلمية