إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما شروط وقوع الحج نفلا عن الحر البالغ فهو بعد براءة ذمته عن حجة الإسلام فحج ، الإسلام متقدم ثم القضاء لمن أفسده في حالة الوقوف ثم النذر ثم النيابة ثم النفل ، وهذا الترتيب مستحق ، وكذلك يقع وإن نوى خلافه .

وأما شروط لزوم الحج فخمسة البلوغ والإسلام ، والعقل ، والحرية ، والاستطاعة .

ومن لزمه فرض الحج لزمه فرض العمرة
(وأما شرط وقوع الحج نفلا عن الحر البالغ فهو براءة ذمته عن حجة الإسلام ، فمن عليه حجة الإسلام) ليس له أن يحج عن غيره ، وكذا من عليه حجة نذر أو قضاء . وقال مالك وأبو حنيفة : يجوز التطوع بالحج قبل أداء الفرض ، ويجوز لمن عليه الحج أن يحج عن غيره . وأظهر ما روي عن أحمد مثل مذهب الشافعي ، ودليل أصحاب الشافعي ما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة قال : من شبرمة ؟ قال : أخ لي أو قريب لي قال : أحججت عن نفسك ؟ قال : لا . قال : حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة " وفي رواية : "هذه عنك وحج عن شبرمة " دل الحديث على أنه لا بد من تقديم فرض نفسه على ما استؤجر له ، وفهم منه أنه لا بد من تقديم فرضه على ما يتطوع به ، والعمرة إذا قيل بوجوبها كالحج في جميع ذلك ، ثم أشار المصنف إلى أن الترتيب لا بد منه بقوله : (فحجة الإسلام تتقدم في حق من يتأهل لها ثم) حجة (القضاء لما أفسده في حالة الرق) وصورة اجتماعهما أن يفسد الرقيق حجه ثم يعتق فعليه القضاء ، ولا يجزئه عن حجة الإسلام ، فإن القضاء يتلو تلو الأداء (ثم) حجة (النذر) أي كذلك حجة الإسلام تقدم على حجة النذر ، ولو اجتمعا مع حجة الإسلام قدمت هي ، ثم القضاء الواجب بأصل الشرع ، ثم حجة النذر ؛ تقديما للأهم فالأهم (ثم) حجة (النيابة عن الغير ثم) حجة (النفل ، وهذا الترتيب مستحب ، وكذلك يقع وإن نوى خلافه) وتردد الإمام في تقديم القضاء على النذر ، وتابعه المصنف في الوسيط ، والصحيح ما ذكره في الوجيز وههنا ، فإذا عرفت ذلك فاعلم أنه لو أستأجر المعضوب من يحج عن نذره وعليه حجة الإسلام فنوى الأجير النذر وقع عن حجة الإسلام ، ولو استأجر من لم يحج عن نفسه وهو الذي يسمى صرورة ليحج عن المستأجر فنوى الحج عنه لغت إضافته ، ووقع عن الأخير دون المستأجر ، وفي رواية عن أحمد : لا يقع عنه ، ولا عن المستأجر ، بل يلغو ، ولو نذر صرورة أن يحج في هذه السنة ففعل وقع عن حجة الإسلام ، وخرج عن نذره ، وليس في نذره إلا تعجيل ما كان له أن يؤخره ، ولو استأجر الصرورة للحج في الذمة جاز والطريق أن يحج عن نفسه ، ثم عن المستأجر في سنة بعدها ، وإجارة العين تفسد ، فإنه يتعين لها السنة الأولى ، فإن إجارة السنة القابلة لا تجوز ، فإذا فسدت الإجارة نظر إن ظنه قد حج فبان صرورة لم يستحق أجرة لتغريره ، وإن علم أنه صرورة وقال : يجوز في اعتقادي أن يحج الصرورة عن غيره فحج الأجير يقع عن نفسه كما تقدم ، ولكن في استحقاقه أجرة المثل قولان أو وجهان ، ولو استأجر للحج من يحج ولم يعتمر أو للعمرة من يعتمر ولم يحج فقرن الأجير وأحرم بالنسكين جميعا عن المستأجر ، أو أحرم بما استؤجر له عن المستأجر وبالآخر عن نفسه ، فقد حكى صاحب التهذيب وغيره فيه قولان : الجديد : أنهما يقعان عن الأجير لأن نسكي القران لا يتفرقان لاتحاد الإحرام ، ولا يمكن صرف ما لم يأمر به المستأجر إليه . والثاني : أن ما استؤجر له يقع عن المستأجر ، والآخر عن الأجير ، وعلى القولين لو استأجر رجلان من حج واعتمر ، أحدهما ليحج عنه والآخر ليعتمر عنه فقرن عنهما ، فعلى الأول يقعان عن الأجير ، وعلى الثاني يقع عن كل واحد منهما ما استأجر له ، ولو استأجر المعضوب رجلين ليحجا عنه في سنة واحدة ، أحدهما حجة الإسلام ، والآخر حجة قضاء أو نذر ففيه وجهان : أحدهما لا يجوز ؛ لأن حجة الإسلام لا يتقدم عليها غيرها ، وأظهرهما ويحكى عن نصه في الأم الجواز ؛ لأن غيرها لا يتقدم عليها ، وهذا القدر هو المرعي ، فعلى الأول إن أحرم الأجيران معا انصرف إحرامهما لأنفسهما ، وإن يسبق إحرام أحدهما وقع ذلك عن حجة الإسلام عن المستأجر وانصرف إحرام الآخر إلى نفسه .

[ ص: 291 ] ولو أحرم الأجير عن المستأجر ثم نذر حجا نظر ، إن نذر بعد الوقوف لم ينصرف حجه إليه ووقع عن المستأجر ، وإن نذر قبله فوجهان : أظهرهما انصرافه إلى الأجير ، ولو أحرم الرجل بحج تطوع ثم نذر حجا بعد الوقوف لم ينصرف إلى النذر ، وإن كان قبله فعلى الوجهين ، ولو استأجر المعضوب من يحج عنه تلك السنة ، وأحرم الأجير عن نفسه تطوعا ، فقد روى الإمام عن شيخه أن إحرامه ينصرف إلى المستأجر ؛ لأن حجة الإجارة في هذه السنة مستحقة عليه ، والمستحق في الحج مقدم على غيره ، وعن سائر الأصحاب أنه لا ينصرف ؛ لأن استحقاقه ليس من حكم الوجوب يؤول إلى الحج ، وإنما يتقدم واجب الحج على تطوعه إذا رجع الوجوب إلى نفس الحج ، والله أعلم .

(وأما شروط لزوم الحج فخمسة : الإسلام ، والبلوغ ، والعقل ، والحرية ، والاستطاعة) فلا يلزم على الكافر والصبي والمجنون والعبد وعادم الاستطاعة (فمن لزمه فرض الحج لزمه فرض العمرة) اعلم أن في كون العمرة من فرائض الإسلام قولين : أصحهما : وبه قال أحمد ، أنها من فرائضه كالحج ، وروي عن ابن عباس أنها كقرينتها في كتاب الله عز وجل : وأتموا الحج والعمرة لله وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الحج والعمرة فريضتان " والثاني : وبه قال أبو حنيفة أنها سنة لما روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة أواجبة هي ؟ فقال : "لا وأن تعتمر خير لك " فهو أولى والأول هو القول الجديد والثاني القديم وإذا قلنا بالوجوب فهي في شرائط مطلق الصحة وصحة المباشرة والوجوب والإجزاء عن عمرة الإسلام على ما ذكر في الحج وفي قوله : فمن لزمه فرض الحج إشارة إلى أن شرائط وجوب العمرة كشرائط وجوب الحج وأن الاستطاعة الواحدة كافية لهما جميعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية