إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما محظورات الحج ، والعمرة فستة .

الأول اللبس للقميص ، والسراويل ، والخف ، والعمامة
(وأما محظورات الحج ، والعمرة فستة) ، أي : ما يحرم بسبب الإحرام بالحج ، والعمرة (الأول لبس القميص ، والسراويل ، والخف ، والعمامة) ، والكلام فيه في الرجل غير المعذور ، وقد أشار إلى البدن بقوله : لبس القميص إلى قوله : والخف ، وأشار إلى الرأس بقوله : والعمامة ، أي : ما سوى الرأس من البدن يجوز للمحرم ستره ، ولكن لا يجوز له لبس القميص ، والسراويل ، والتبان ، والخف ، ونحو ذلك من كل مخيط ، فلو لبس شيئا من ذلك مختارا لزمته الفدية ، سواء طال زمان اللبس ، أو قصر ، وقال أبو حنيفة : إنما تلزم الفدية التامة إذا استدام اللبس يوما كاملا ، فإن كان أقل فعليه صدقة . قال صاحب الهداية : وكل صدقة غير مقدرة ، فهي نصف صاع من بر ، إلا ما يجب بقتل القملة ، والجرادة . هكذا روي عن أبي يوسف ، وإنما قيده بقوله : غير مقدرة احترازا عما إذا كانت مقدرة بنص كما في حلق الرأس ، واللبس لعذر ، فإن الصدقة ثم مقدرة بثلاثة أصوع من الطعام ، واستثنى ما يجب بقتل الجرادة ، والقملة ؛ فإن التصدق فيها غير مقدر بنصف صاع ، بل ما شاء ، والله أعلم .

ولو لبس القباء تلزمه الفدية ، سواء أدخل يده في الكمين ، أو أخرجهما منهما أم لا ، وبه قال مالك ، وأحمد خلافا لأبي حنيفة في الحالة الثانية ، ولو ألقى على نفسه قباء ، أو فرجية ، وهو مضطجع قال الإمام إن أخذ من بدنه ما إذا قام عن لابسه فعليه الفدية ؛ فإن كان بحيث لو قام ، أو قعد لم يمسك عليه فلا ، ونقل من الحاوي أنه لو كان من أقبية خراسان قصير الذيل ضيق الأكمام ، وجبت الفدية ، وإن لم يدخل اليد في الكم ، وإن كان من أقبية العراق طويل الذيل ، واسع الكم ، فلا فدية حتى يدخل يديه في كميه ، ثم إن قولهم إن المحرم لا يلبس المخيط ترجمة لها جزءان لبس ، ومخيط ، فأما اللبس ، فهو مرعى في وجوب الفدية على ما يعتاد في كل ملبوس إذ به يحصل الترفه ، والتنعم فلو ارتدى بقميص ، أو قباء ، أو التحف فيهما ، أو اتزر بسراويل ، فلا فدية عليه كما لو اتزر بإزار خيط عليه رقاع ، وأما المخيط فخصوص الخياطة غير معتبر بل لا فرق بين المخيط ، والمنسوج كالدرع ، والمعقود كجبة اللبد والملزق بعضه ببعض قياسا لغير المخيط على المخيط ، والمتخذ من القطن ، والجلد ، وغيرهما سواء ، ويجوز له أن يعقد الإزار ويشد عليه الخيط ليثبت وأن يجعل له مثل الحجزة ، ويدخل فيها التكة إحكاما وأن يشد طرف إزاره في طرف ردائه ، ولا يعقد رداءه ، وله أن يغرزه في طرف إزاره ، ولو اتخذ لردائه شرجا وعراو وربط الشرج بالعرا ، فأصح الوجهين أنه تجب الفدية لأن هذه الإحاطة قريبة من الخياطة ، وقال النووي في زيادات الروضة : المذهب المنصوص أنه لا يجوز عقد الرداء ، وكذا لا يجوز يخله بخلال أو مسلة ، ولا ربط طرفه إلى طرفه بخيط ، ونحوه ، والله أعلم .

ولو شق الإزار نصفين ، ولف كل نصف مع ساق وعقده ، فالذي نقله الأصحاب وجوب الفدية ؛ لأنه حينئذ كالسراويل ، ورأى الإمام أنها لا تجب بمجرد اللف ، والعقد وإنما تجب إذا فرضت خياطة ، أو شرج ، أو عرا .

وأما ساتر الرأس ، فلا فرق بين أن يستر بمخيط كالقلنسوة ، أو بغير مخيط كالعمامة ، والإزار ، والخرقة ، وكل ما يعد ساترا ، فإذا ستر لزمته الفدية ؛ لأنه باشر محظورا [ ص: 311 ] كما لو حلق ، ولو توسد بوسادة ، فلا بأس ، وكذا لو توسد بعمامة مكورة ؛ لأن المتوسد يعد في العرف حاسر الرأس كما لو استظل ببناء ، وكذا لو انغمس في ماء ، فاستوى الماء على رأسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية