إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فمنها : أن لا يطلب الدنيا بعلمه فإن أقل درجات العالم أن يدرك حقارة الدنيا وخستها وكدورتها وانصرامها وعظم الآخرة ودوامها وصفاء نعيمها وجلالة ملكها ويعلم أنهما متضادتان وأنهما كالضرتين مهما أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى وأنهما ككفتي الميزان مهما رجحت إحداهما خفت الأخرى وأنهما كالمشرق والمغرب مهما قربت من أحدهما بعدت عن الآخر وأنهما كقدحين أحدهما مملوء والآخر فارغ فبقدر ما تصب منه في الآخر حتى يمتلئ يفرغ الآخر .


ذكر المصنف اثني عشر علامة ( فمنها: أن لا يطلب الدنيا بعلمه) والدنيا أعم من أن تكون مالا أو جاها ( فأقل درجات العالم) المتبين في أمره ( أن يدرك) بفهمه ( حقارة الدنيا) عند الله عز وجل ( وخستها) ودناءتها ( وانصرامها) وانصرام لذتها ( و) أن يدرك ( عظم) أمر ( الآخرة) وما أعد الله فيها ( ودوامها وصفاء نعيمها) من الكدر ( وجلالة ملكها) الأبدي ( و) أن ( يعلم أنهما) أي: الدنيا والآخرة ( متضادتان) يستحيل اجتماعهما كالخير والشر والسواد والبياض وشرط المتضادين أن يكونا تحت جنس واحد وينافي كل الآخر في أوصافه الخاصة ثم بين ذلك بقوله: ( وإنهما كالضرتين) ومن شأنهما أنك إن ( أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى) أخرج أبو نعيم في الحلية في ترجمة وهب بن منبه بسنده إليه قال: مثل الدنيا والآخرة كمثل ضرتين إن أرضيت إحداهما سخطت الأخرى، ثم زاد إيضاحا فقال: ( وإنهما ككفتي الميزان مهما رجحت إحداهما خفت الأخرى وإنما كالمشرق والمغرب مهما قربت من أحدهما بعدت من الآخر) وهذه الثلاثة الأمثال في الدنيا من كلام علي رضي الله عنه، كما قاله الراغب في الذريعة ( وإنهما كقدحين أحدهما مملوء) من الماء مثلا ( والآخر فارغ) منه ( فبقدر ما تصبه في الآخر حتى يمتلئ يفرغ الآخر) .

وهذه الجملة الأخيرة وجدتها في القوت في آخر المجلد الأول ما لفظه وكان ابن عمر يقول: إذا ذكر الدنيا والآخرة والله إنهما بمنزلة قدحين ملئ أحدهما فما هو إلا أن تفرغ أحدهما في الآخر قال صاحب القوت يعني أنك إن امتلأت بالدنيا تفرغت من الآخرة وإن امتلأت بالآخرة فرغت من الدنيا وإن كان لك ثلث قدح الآخرة أدركت ثلثي قدح الدنيا وإن كان لك ثلث قدح الآخرة يكون لك ثلثه في الدنيا وحينئذ قال وهذا تمثيل حسن وتعديل صحيح اهـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية