إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ولا بأس بالمنطقة والاستظلال في المحمل
(ولا بأس بالمنطقة) ، أي : شدها على الوسط ، وكذا الهميان لحاجة النفقة ، ونحوها وقد روي الترخص فيها عن عائشة ، وابن عباس - رضي الله عنهم - أما أثر عائشة ، فرواه ابن أبي شيبة ، والبيهقي من طريق القاسم عنها أنها سئلت عن الهميان للمحرم ، فقالت : أوثق نفقتك في حقوك . وروى ابن أبي شيبة نحو ذلك عن سالم ، وسعيد بن جبير ، وطاوس ، وابن المسيب ، وعطاء ، وغيرهم .

وأما أثر ابن عباس ، فرواه ابن أبي شيبة ، والبيهقي من طريق عطاء عنه قال : لا بأس بالهميان للمحرم . ورفعه الطبراني في الكبير ، وابن عدي [ ص: 313 ] من طريق صالح مولى التوأمة عن ابن عباس ، وهو ضعيف قال الرافعي ، ونقل عن مالك المنع من شد الهميان ، والمنطقة ، ولم يثبت المثبتون في النقل الرواية عنه ، وكذا لا بأس بتقليد المصحف ، والسيف ؛ قدم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة متقلدين بسيوفهم عام عمرة القضاء (و) كذا (الاستظلال بالمحمل) لا بأس به ، والمظلة في حكم المحمل ، ولا فرق بين أن يفعل ذلك لحاجة من دفع حر ، أو برد ، أو لغير حاجة ، وخص صاحب التتمة نفي الفدية في صورة الاستظلال بما إذا لم تمس المظلة رأسه ، وحكم بوجوبها إذا كانت تمسه قال الرافعي : وهذا التفصيل لم أره لغيره ، وإن لم يكن منه بد فالوجه إلحاقه بوضع الزنبيل على الرأس ، والأصح فيه أنه لا فدية كما سيأتي .

وعن مالك ، وأحمد أنه إذا استظل بالمحمل راكبا افتدى ، وإن استظل به نازلا فلا ، وروى الإمام الخلاف عن مالك في صورة الانغماس أيضا ، وقول أصحابنا كقول أصحاب الشافعي ، والدليل عليه ما رواه مسلم ، والنسائي ، وأبو داود من حديث أم الحصين قالت : حججت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة الوداع فرأيت أسامة بن زيد ، وبلالا أحدهما آخذ بخطام ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة ، وفي رواية على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يظله من الشمس ، ولو وضع زنبيلا على رأسه ، أو حملا فقد ذكر أن الشافعي - رحمه الله - حكى عن عطاء أنه لا بأس به ، ولم يعترض عليه ؛ وذلك يشعر بأنه ارتضاه ، فإن من عادته الرد على المذهب الذي لم يرتضه .

وعن ابن المنذر ، والشيخ أبي حامد أنه نص في بعض كتبه على وجوب الفدية ؛ الأصحاب من قطع بالأول لم يثبت الثاني ، ومنهم من أطلق القولين ، وجه الوجوب ، وروي عن أبي حنيفة أنه غطى رأسه ، فأشبه ما لو غطاه بشيء آخر ، ووجه عدم الوجوب أن مقصوده نقل المتاع لا تغطية الرأس على أن المحرم وغيره ممنوع من التغطية بما لا يقصد الستر به ، ولو طين رأسه ففي وجوب الفدية وجهان ، والمذهب الوجوب . هذا إذا كان ثخينا ساترا ، وكذا حكم الحناء ، والمراهم ، ونحوهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية