إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ويستحب له المشي من مكة في المناسك إلى انقضاء حجته إن قدر عليه والمشي من مسجد إبراهيم عليه السلام إلى الموقف أفضل وآكد .

فإذا انتهى إلى منى قال : اللهم هذه منى فامنن علي بما مننت به على أوليائك وأهل طاعتك وليمكث هذه الليلة بمنى وهو مبيت منزل لا يتعلق به نسك
(ويستحب له المشي من مكة في المناسك) كلها (إلى انقضاء حجته إن قدر على ذلك) سواء فيه الآفاقي والحاضر (والمشي من مسجد إبراهيم) الذي يعرفه (إلى الموقف أفضل وآكد) لكونه أقرب إلى التواضع وقيل : الركوب أفضل مطلقا تأسيا به صلى الله عليه وسلم وليكون أعون له على الدعاء وهو المهم في هذا الموضع (فإذا انتهى إلى منى) فلينزل بالقرب من مسجد الخيف و (قال : اللهم هذه منى فامنن علي فيها بما مننت به على أوليائك وأهل طاعتك) يشير بهذا الدعاء أنه يلاحظ معنى المنة في منى ولو اختلف مأخذهما فإن منى معتل والمنة مضاعفة وإنما سمي منى لما تمنى أي : تسال وتراق فيه من الدماء وقيل : من التمني لأن جبريل -عليه السلام- لما أراد أن يفارق آدم -عليه السلام- قال له : ماذا تتمنى فقال آدم عليه السلام : الجنة وجمع بينهما ابن عباس فيما أخرجه ابن الجوزي في "مثير العزم " عن سعيد بن جبير عنه أن رجلا سأله لم سميت منى ؟ قال : لما يقع فيها من دماء الذبائح ، وشعور الناس تقربا إلى الله تعالى وتمنيا للأمان من عذابه .

(وليمكث هذه الليلة بمنى وهو مبيت منزل لا يتعلق به نسك) وعبارة الرافعي والمبيت ليلة عرفة بمنى هيئة وليس بنسك يجبر بالدم والغرض منه الاستراحة للسير من الغد إلى عرفة من غير تعب . . أهـ .

كذا قاله إمام الحرمين والقاضي أبو الطيب وصاحب الشامل وقال النووي في شرح المهذب : لا خلاف في أنه سنة ، وقول القاضي : "ليس بنسك " مراده أنه ليس بواجب ولم يريدوا أنه لا فضيلة فيه . . أهـ . وقال أصحابنا مثل هذا أنه يبيت بمنى إلى فجر يوم عرفة عملا بالسنة ولو تركه جاز وأساء ، وفي الهداية فلو بات بمكة ليلة عرفة وصلى بها الفجر ثم غدا إلى عرفات ومر بمنى أجزأه لأنه لا يتعلق بمنى في هذا اليوم إقامة نسك ولكنه أساء بتركه الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم . . أهـ . وقد اتفقت الروايات كلها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بمنى الظهر والعصر .

(تنبيه) : قال الرافعي : وما ذكر من الخروج بعد صلاة الصبح أو الظهر يوم التروية فذاك في غير يوم الجمعة فأما إذا كان يوم الجمعة فالمستحب الخروج قبل طلوع الفجر لأن الخروج إلى السفر يوم الجمعة إلى حيث لا يصلى الجمعة حرام أو مكروه وهم لا يصلون الجمعة بمنى وكذا لا يصلونها بعرفة لو كان عرفة يوم الجمعة لأن الجمعة إنما تقام في دار الإقامة قال الشافعي رحمه الله : "فإن بني بها قرية واستوطنها أربعون من أهل الكمال أقاموا الجمعة والناس معهم ". أهـ ، قال المحب الطبري : فلو وافق يوم التروية يوم الجمعة فينبغي أن يخرج قبل الفجر لئلا تلزمه الجمعة على قول بطلوع الفجر وإن أقام إلى الزوال لزمت قولا واحدا وتعينت على جميع أهل البلد إذا وجد شرطها .

التالي السابق


الخدمات العلمية