إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الثاني أن لا يعاون أعداء الله سبحانه بتسليم المكس وهم الصادون عن المسجد الحرام من أمراء مكة والأعراب المترصدين في الطريق .

فإن تسليم المال إليهم إعانة على الظلم ، وتيسير لأسبابه عليهم فهو كالإعانة بالنفس فليتلطف في حيلة الخلاص فإن لم يقدر فقد قال بعض العلماء : ولا بأس بما قاله إن ترك التنفل بالحج والرجوع عن الطريق أفضل من إعانة الظلمة فإن هذه بدعة أحدثت ، وفي الانقياد لها ما يجعلها سنة مطردة ، وفيه ذل وصغار على المسلمين ببذل جزية .

ولا معنى لقول القائل : إن ذلك يؤخذ مني وأنا مضطر فإنه لو قعد في البيت أو رجع من الطريق لم يؤخذ منه شيء ، بل ربما يظهر أسباب الترفه فتكثر مطالبته فلو كان في زي الفقراء لم يطالب فهو الذي ساق نفسه إلى حالة الاضطرار .


(الثاني أن لا يعاون أعداء الله عز وجل بتسليم المكس ) هو في الأصل الجباية، وغلب استعماله فيما يأخذه أعوان السلطان ظلما عند البيع والشراء، قال الشاعر:


وفي كل أسواق العراق إفادة وفي كل ما باع امرؤ مكس درهم

(وهم الصادون عن المسجد الحرام ) أي: المانعون عنه، (من أمراء مكة ) ، وقوادها وذوي شوكتها، (والأعراب المترصدين في الطريق) من قبائل شتى (فإن تسليم المال إليهم) بالطريق المذكور (إعانة على الظلم، وتيسير لأسبابه عليهم فهو كالإعانة بالنفس فليتلطف في حلية الخلاص) ، أصله في القوت حيث قال : ومن فضائل الحج أن لا يقوي أعداء الله الصادين عن المسجد الحرام بالمال فإن المعونة والتقوية بالمال يضاهي المعونة بالنفس والصد عن المسجد الحرام يكون بالمنع والإحصار ويكون بطلب المال فليحتل في التخلص من ذلك، (فإن لم يقدر فقد قال بعض العلماء: ولا بأس بما قاله إن) ولفظ القوت: فإن بعض علمائنا كان يقول: (ترك التنقل بالحج والرجوع عن الطريق أفضل من إعانة الظلمة) ، ولفظ القوت: ترك التنقل بالحج والرجوع عنه أفضل من تقوية الظالمين بالمال، (فإن هذه بدعة أحدثت، وفي الانقياد لها ما يجعلها سنة مطردة، وفيه ذل وصغار على المسلمين ببذل جزية) ، ولفظ القوت: لأن ذلك عنده دخيلة في الدين، ووليجة في طريق المؤمنين، وإقامة وإظهار لبدعة أحدثت في الآخذ والمعطي فهما شريكان في الإثم والعدوان، وهذا كما قال; لأن جعل بدعة سنة ودخلا في صغار وذلة ومعاونة على وزر أعظم في الجرم من تكلف حج نافلة، وقد سقط فرضه، كيف وفي ذلك إدخال ذلة وصغار على المسلمين والإسلام مضاهاة للجزية .

وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن واحدا من المسلمين على ثغر من ثغور الإسلام، فإن ترك المسلمون فأشد ولا يؤتى الإسلام من قبلك وفي الخبر المشهور: المسلمون كرجل واحد ومثل المسلمين كمثل الرأس من الجسد يألم الجسد كما يألم الرأس، ويألم الرأس كما يألم الجسد (ولا معنى لقول القائل: إن ذلك يؤخذ مني وأنا مضطر فإنه لو قعد في البيت أو رجع من الطريق لم يؤخذ منه شيء، بل ربما يظهر أسباب الترفه فتكثر مطالبته فلو كان في زي الفقراء لم يطالب فهو الذي ساق نفسه إلى الاضطرار) ، ولفظ القوت، وقد يترخص القائل في ذلك بتأويل إنه مضطر إليه، وليس كما يظن; لأنه لو رجع لما أخذ منه شيء، ولو خرج في غير زي المترفهين مما أحدث من المحامل لما أخذ منه شيء فقد زال الاضطرار وحصل منه بالطوع والشهوة والاختيار، ولعل هذا الذنب عقوبة ما حملوا على الإبل فوق طاقتها فجعلوا يحمل مقدار أربعة وزيادة وأدى ذلك إلى تلفها ولعله ذنب ما خرجوا به من التجارات وفضول الأسباب وشبهات الأموال أو لسوء النيات، وفساد المقاصد، أو لغير ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية