إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما الخروج من البلد فليعلم عنده أنه فارق الأهل والوطن متوجها إلى الله عز وجل في سفر لا يضاهي أسفار الدنيا فليحضر في قلبه أنه ماذا يريد وأين يتوجه وزيارة من يقصد ، وأنه متوجه إلى ملك الملوك في زمرة الزائرين له الذين نودوا فأجابوا وشوقوا فاشتاقوا واستنهضوا فنهضوا وقطعوا العلائق وفارقوا الخلائق وأقبلوا على بيت الله عز وجل الذي فخم أمره وعظم شأنه ورفع قدره تسليا بلقاء البيت عن لقاء رب البيت إلى أن يرزقوا منتهى مناهم ويسعدوا بالنظر إلى مولاهم وليحضر في قلبه رجاء الوصول والقبول لا ادلالا بأعماله في الارتحال ومفارقة الأهل والمال ولكن ثقة بفضل الله عز وجل ورجاء لتحقيق وعده لمن زار بيته
(وأما الخروج من البلد فليعلم عنده أنه فارق الأهل والوطن متوجها إلى الله عز وجل في سفر لا يضاهى) ، أي: لا يشابه (أسفار الدنيا) من وجوه عديدة، (فليحضر في قلبه أنه ماذا يريد) من هذه الحركة، (وأين يتوجه) في سفره هذا، (وزيارة من يقصد، وأنه متوجه إلى ملك الملوك) جل جلاله (في زمرة الزائرين له الذين نودوا) على لسان خليله إبراهيم عليه السلام بعد فراغه من بناء البيت، (فأجابوا) نداءه من الأصلاب، وشوقوا فاشتاقوا (واستنهضوا) ، أي: طلبوا النهضة، (فقطعوا العلائق) المعيقة، (وفارقوا الخلائق) من الإخوان والخلان، (وأقبلوا على بيت الله عز وجل الذي فخم أمره وعظم شأنه ورفع قدره) تعريفا لهم على لسان أنبيائه ورسله (تسليا بلقاء البيت) ، ومشاهدته (عن لقاء رب البيت إلى أن يرزقوا منتهى مناهم) ، وأقصى مقاصدهم، (ويسعدوا بالنظر إلى مولاهم) في الكثيب الأبيض يوم الزور الأعم، (وليحضر في قلبه رجاء الوصول والقبول) منه سبحانه (لا إدلالا بأعماله) التي صدرت منه، (بل) مدة (الارتحال) عن وطنه (ومفارقة الأهل والمال) والعيش المترف، فإن الإدلال بالأعمال وبال، ومضار للإقبال، (ولكن ثقة) واعتمادا (بفضل الله عز وجل) وإحسانه وكرمه، (ورجاء لتحقيق وعده) الكريم الذي لا يخلف (لمن زار بيته) من رجوعه كيوم ولدته، ورفع الدرجات بكل خطوة، وتكفير السيئات والأخلاق في النفير، وغير ذلك مما تقدم ذكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية