إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وكلما زاد إلى طرف القلة ميله ازداد من الله قربه وارتفع في علماء الآخرة حزبه .

ويشهد لذلك ما حكي عن أبي عبد الله الخواص وكان من أصحاب حاتم الأصم قال دخلت مع حاتم إلى الري ومعنا ثلثمائة وعشرون رجلا يريد الحج وعليهم الزرمانقات وليس معهم جراب ولا طعام فدخلنا على رجل من التجار متقشف يحب المساكين فأضافنا تلك الليلة فلما كان من الغد قال لحاتم : ألك حاجة ، فإني أريد أن أعود فقيها لنا هو عليل قال حاتم : عيادة المريض فيها فضل والنظر إلى الفقيه عبادة وأنا أيضا أجيء معك .

وكان العليل محمد بن مقاتل قاضي الري فلما جئنا إلى الباب فإذا قصر مشرف حسن فبقي حاتم متفكرا يقول يا رب ، عالم على هذه الحالة ، ثم أذن لهم فدخلوا فإذا دار حسناء فوراء واسعة نزهة وإذا بزة وستور فبقي حاتم متفكرا ثم دخلوا إلى المجلس الذي هو فيه وإذا ، بفرش وطيئة وهو راقد عليها وعند رأسه غلام وبيده مذبة فقعد الزائر عند رأسه وسأل عن حاله وحاتم قائم فأومأ إليه ابن مقاتل أن اجلس فقال لا أجلس فقال لعل لك حاجة فقال نعم ، قال وما هي قال مسألة : أسألك عنها قال سل قال قم فاستو جالسا حتى أسألك .

فاستوى جالسا قال حاتم علمك هذا من أين أخذته فقال من الثقات حدثوني به قال : عمن قال ، عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عمن قال : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم عمن ، قال : عن جبرائيل عليه السلام عن الله عز وجل .

قال حاتم ففيما أداه جبرائيل عليه السلام عن الله عز وجل ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأداه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى أصحابه وأصحابه إلى الثقات ، وأداه الثقات إليك هل سمعت فيه من كان في داره إشراف وكانت سعتها أكثر كان له عند الله عز وجل المنزلة أكبر ، قال : لا قال : فكيف سمعت ، قال سمعت أنه : من زهد في الدنيا ، ورغب في الآخرة ، وأحب المساكين ، وقدم لآخرته كانت له عند الله المنزلة ، قال له حاتم فأنت بمن اقتديت أبالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه رضي الله عنهم والصالحين رحمهم الله ، أم بفرعون ، ونمروذ أول من بنى بالجص والآجر يا علماء السوء مثلكم يراه الجاهل المتكالب على الدنيا الراغب فيها ، فيقول العالم ، على هذه الحالة أفلا ، أكون أنا شرا منه وخرج من عنده ، فازداد ابن مقاتل مرضا وبلغ أهل الري ما جرى بينه وبين ابن مقاتل ، فقالوا له إن الطنافسي بقزوين أكثر توسعا منه .

فسار حاتم متعمدا فدخل عليه فقال : رحمك الله أنا رجل أعجمي ، أحب أن تعلمني مبتدأ ديني ، ومفتاح صلاتي ، كيف أتوضأ للصلاة ، قال : نعم وكرامة يا غلام هات إناء فيه ماء .

فأتى به فقعد الطنافسي ، فتوضأ ثلاثا ، ثلاثا ، ثم قال : هكذا فتوضأ فقال ، حاتم : مكانك حتى أتوضأ بين يديك ، فيكون أوكد لما أريد فقام الطنافسي وقعد حاتم فتوضأ ثم غسل ذراعيه أربعا أربعا ، فقال الطنافسي : يا هذا أسرفت ، قال له حاتم فبماذا : قال : غسلت ذراعيك أربعا ، فقال حاتم يا سبحان الله العظيم أنا في كف من ماء أسرفت ، وأنت في جميع هذا كله لم تسرف فعلم الطنافسي أنه قصد ذلك دون التعلم فدخل منزله فلم يخرج إلى الناس أربعين يوما فلما دخل حاتم بغداد اجتمع إليه أهل بغداد فقالوا : يا أبا عبد الرحمن أنت رجل ولكن أعجمي وليس يكلمك أحد إلا قطعته قال : معي ثلاث خصال أظهر بهن على خصمي أفرح إذا أصاب خصمي وأحزن إذا أخطأ وأحفظ نفسي أن لا أجهل عليه .

فبلغ ذلك الإمام أحمد بن حنبل فقال : سبحان الله ، ما أعقله ! قوموا بنا إليه ، فلما دخلوا عليه قال ، له : يا أبا عبد الرحمن ، ما السلامة من الدنيا قال يا أبا عبد الله لا تسلم من الدنيا حتى يكون معك أربع خصال تغفر للقوم جهلهم وتمنع جهلك منهم وتبذل لهم شيئك وتكون من شيئهم آيسا فإذا كنت هكذا سلمت ثم سار إلى المدينة فاستقبله أهل المدينة فقال يا قوم أية مدينة هذه قالوا مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأين قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أصلي فيه قالوا ما كان له قصر إنما كان له بيت لاطئ بالأرض قال : فأين قصور أصحابه رضي الله عنهم قالوا : ما كان لهم قصور إنما كان لهم بيوت لاطئة بالأرض قال ، حاتم يا قوم : فهذه مدينة فرعون فأخذوه وذهبوا به إلى السلطان وقالوا : هذا العجمي يقول هذه مدينة فرعون قال الوالي ولم ذلك ؟ قال حاتم لا تعجل علي ، أنا رجل أعجمي غريب ، دخلت البلد فقلت : مدينة من هذه فقالوا ؟ : مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت فأين قصره : وقص القصة ثم قال وقد قال الله تعالى : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة فأنتم بمن تأسيتم أبرسول الله صلى الله عليه وسلم أم بفرعون أول من بنى بالجص ، والآجر فخلوا عنه وتركوه فهذه حكاية حاتم الأصم رحمه الله تعالى .

وسيأتي من سيرة السلف في البذاذة وترك التجمل ما يشهد لذلك في مواضعه
( وكلما ازداد إلى طرف القلة) من جميع ذلك ( منزلة) ، وفي نسخة ميله ( ازداد من الله سبحانه قربة) ومرتبة ( وارتفع في علماء الآخرة درجة) وفضيلة ( ويشهد لذلك ما حكي عن أبي عبد الله الخواص) فيما أخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمة حاتم ومن طريقه أخرجه الشهاب السهروردي بطوله في عوارف المعارف، قال أبو نعيم في الحلية في ترجمة حاتم ومن طريقه أخرجه الشهاب السهروردي بطوله في عوارف المعارف، قال أبو نعيم حدثنا محمد بن أحمد بن محمد، حدثنا العباس بن أحمد الشاشي، حدثنا أبو عقيل الرصافي، حدثنا أبو عبد الله الخواص ( وكان من أصحاب حاتم الأصم) وتلامذته ( قال دخلت مع) أبي عبد الله ( حاتم إلى الري) وهي من أكبر مدن خراسان ( ومعنا ثلاثمائة وعشرون رجلا نريد الحج) إلى بيت الله الحرام، ( وعليهم) الصوف، و ( الزرنبانقات) بضم الزاي وفتح الراء وسكون النون، وبعد الموحدة المفتوحة ألف ثم نون مكسورة، ثم قاف هي الجبب من الصوف ( ليس معهم جراب ولا طعام) أي: على قدم التوكل ( فدخلنا) الري فدخلنا ( على رجل من التجار متقشف يحب المساكين) ونص الحلية متنسك يحب المتقشفين، ( فأضافنا تلك الليلة فلما كان من الغد قال لحاتم:) يا أبا عبد الرحمن ( ألك حاجة، فإني أريد أن أعود فقيها) أي: عالما ( لنا) أي: في بلدنا ( هو عليل) أي: مريض، ( فقال حاتم: عيادة مريض فيها فضل) ، ونص الحلية، فقال حاتم: إن كان لكم فقيه لكم فقيه عليل، فعيادة الفقيه لها فضل، ( والنظر إلى الفقيه عبادة) أما عيادة المريض فقد ورد في فضلها أحاديث تدل على فضلها، وكون النظر إلى الفقيه عبادة; لأنه يذكر الله [ ص: 382 ] عز وجل ( وأنا أيضا أجيء معك وكان) ذلك ( العليل محمد بن مقاتل) الرازي ( قاضي الري) حدث عن وكيع، ومحمد بن الحسن، وجرير، وأبي معاوية وغيرهم، روى عنه عيسى بن محمد المروزي، وأحمد بن عيسى الأشعري، ومحمد بن علي الحكيم، الترمذي، وغيرهم وهو ضعيف سمع منه البخاري، ولم يحدث عنه، فروى والخليل في الإرشاد من طريق مهيب بن سليم سمعت البخاري، يقول: حدثنا محمد بن مقاتل فقيل له: الرازي، فقال: لأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أحدث عن محمد بن مقاتل الرازي، ذكره الخطيب في المتفق والمفترق، وأورده الحافظ في التقريب لأجل التمييز بينه وبين محمد بن مقاتل، المروزي، فقال: التاجر مر بنا يا أبا عبد الرحمن، ( فلما جئنا إلى الباب) أي: باب محمد بن مقاتل، ( فإذا هو يشرق حسنه) وفي نسخة فإذا هو مشرق حسن، وهكذا هو نص الحلية، ( فبقي حاتم متفكرا يقول: يا رب، يا رب، عالم على هذه الحال، ثم أذن لهم فدخلوا فإذا دار قوراء) أي: واسعة، ( وإذا بزة) حسنة، ( وأمتعة) ، وفي الحلية ومنعة ( وستور) وجميع ( فبقي حاتم متفكرا) من هذه الحالة، ( ثم دخلوا إلى المجلس الذي هو فيه، فإذا بفرش وطيئة) أي: لينة ( و) إذا ( وهو راقد عليها) ، أي على تلك الفرش، ( وعند رأسه غلام) أي: وضيء الوجه، ( بيده مذبة) بكسر الميم وهي المروحة، ( فقعد الزائر) وهو التاجر ( عند رأسه وسلم) وسأل، ( وحاتم) الأصم ( قائم) لم يقعد، ( فأومأ إليه ابن مقاتل أن اجلس) ، وفي الحلية اقعد ( فقال لا أجلس) ، وفي الحلية لا أقعد ( فقال) ابن مقاتل: ( لعل لك حاجة قال نعم، قال) : و ( ما هي قال: مسألة أسألك عنها قال سل) وفي الحلية: سلني ( قال قم فاستو جالسا) ، وفي الحلية: فأمر غلمانه، فأسندوه، ( قال) وفي الحلية، فقال له ( حاتم علمك هذا من أين أخذته) وفي الحلية من أين جئت به ( قال من الثقات) ، وفي الحلية قال الثقات ( حدثوني به قال: عمن قال، عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذوه عمن قال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: عن جبريل عليه السلام عن الله سبحانه وتعالى) وفي الحلية: ورسول الله صلى الله عليه وسلم من أين جاء به، قال عن جبريل ( قال حاتم ففيما أداه جبريل عن الله سبحانه وتعالى، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأداه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أصحابه وأداه أصحابه إلى الثقات، وأداه الثقات إليك هل سمعت فيه) ، وفي الحلية في العلم ( من كان في داره أميرا) وفي نسخة من كانت داره دار أمير ( وكانت سعته أكثر كانت له عند الله المنزلة أكبر، قال: لا قال: فكيف سمعت، قال: من زهد في الدنيا، ورغب في الآخرة، وأحب المساكين، وقدم لآخرته كان له عند الله المنزلة أكبر، قال حاتم فأنت بمن اقتديت أبا النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه والصالحين، أم بفرعون، ونمروذ أول من بنى بالجص والآجر) إذ قال: يا هامان ابن لي صرحا ( يا علماء السوء مثلكم يراه الجاهل المكب) ، وفي نسخة المتكالب ( على الدنيا) وفي نسخة الطالب للدنيا، ( الراغب فيها، فيقول العالم، على هذه الحالة، لا أكون أنا شرا منه) قال: هذا الكلام، ( وخرج من عنده، فازداد ابن مقاتل مرضا) على مرضه، ( وبلغ أهل الري ما جرى بينه وبين ابن مقاتل، فقالوا) له يا أبا عبد الرحمن: ( إن الطنافسي) بفتح الطاء والنون، وكسر الفاء والسين نسبة إلى بيع الطنفسة ( بقزوين) بينها وبين الري سبعة وعشرون فرسخا، والمنسوب هكذا عبيد بن أبي أمية الكوفي الحنفي، مولاهم حدث وأولاده أبو حفص عمر المتوفى سنة سبع وثمانين ومائة وأبو عبد الله محمد الأحدب، ويعلى وإبراهيم، وإدريس حدثوا، قال الدارقطني: كلهم ثقات، ولعل المراد من [ ص: 383 ] النسبة المذكورة، أحد أولاد عبيد، ممن تولى قضاء قزوين، وأكبر ظني، أنه محمد الأحدب، فقد كان بقزوين، وروى عنه من أهلها محمد بن رافع، وغيره ( أكثر شأنا منه) أي: من قاضي الري، قال: ( فسار حاتم) إليه ( معتمدا) أي: قاصدا لنصحه، ( فدخل عليه فقال: رحمك الله أنا رجل أعمى، أحب أن تعلمني مبتدأ ديني، ومفتاح صلاتي، كيف أتوضأ للصلاة، قال: نعم وكرامة) لعينيك ( هات إناء فيه ماء، فأتى به) فأتاه فيه ماء ( فقعد الطنافسي، فتوضأ ثلاثا، ثلاثا، ثم قال:) يا هذا ( هكذا فتوضأ، قال حاتم: مكانك) يرحمك الله ( حتى أتوضأ بين يديك، فيكون أوكد لما أريد فقام الطنافسي) من موضعه، ( وقعد حاتم فتوضأ) ثلاثا ثلاثا ( ثم غسل) وفي الحلية: حتى إذا بلغ غسل ( الذراعين) غسل ( أربعا أربعا، فقال) له ( الطنافسي: يا هذا أسرفت، قال له حاتم: فيما ذا قال: غسلت ذراعيك أربعا، فقال حاتم يا سبحان الله أنا في كف من ماء أسرفت، وأنت في جميع هذا كله لم تسرف) وفي الحلية: وأنت في هذا الجمع كله لم تسرف، وهكذا هو في نسخة أيضا، ( فعلم الطنافسي أنه قصد ذلك دون التعلم) وفي الحلية: أنه أراده بذلك لم يرد أن يتعلم منه شيئا ( فدخل) إلى ( البيت فلم يخرج إلى الناس أربعين يوما) كأنه وجد لقوله تأثيرا عظيما في قلبه، فرجع إلى حال نفسه، قال أبو نعيم: فكتب نجار الري وقزوين بما جرى بينه وبين ابن مقاتل والطنافسي ( فلما دخل بغداد اجتمع عليه) وفي نسخة إليه ( أهل بغداد فقالوا: يا أبا عبد الرحمن أنت رجل) ألكن ( أعجمي ليس يكلمك أحد إلا قطعته) أي: أسكته ( قال: معي ثلاث خصال بهن أظهر) أي: أغلب ( على خصمي) ، قالوا: أي شيء هي؟ قال: ( أفرح إذا أصاب) خصمي، ( وأحزن إذا أخطأ وأحفظ نفسي أن لا أجهل) وفي الحلية: أن لا أتجهل ( عليه فبلغ ذلك) الإمام ( أحمد بن حنبل) رحمه الله، ( فقال: يا سبحان الله، ما أعقله!) ثم قال لأصحابه: ( قوموا بنا) حتى نسير ( إليه، فلما دخلوا عليه، قالوا له: يا أبا عبد الرحمن، ما السلامة من الدنيا قال) حاتم: ( يا أبا عبد الله) يعني به الإمام أحمد ( لا تسلم من الدنيا حتى تكون معك أربع خصال) قال: أي شيء هي يا أبا عبد الرحمن قال: ( نغفر للقوم من جهلهم) ، ولفظ الحلية للقوم جهلهم، وهكذا في نسخة أيضا ( وتمنع جهلك عنهم) ، ومنه قول عنترة:


ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا

( وتبذل لهم شيئك) أي: تعطيهم ما ملكت يداك من المال، وغيره ( وتكون من شيئهم) مما في أيديهم ( آيسا) غير طامع فيه ( فإذا كنت هكذا سلمت) وفي نسخة فإذا كان هكذا سلمت، ومثله في الحلية إلى هنا ثم سباق غوارف المعارف، قال أبو نعيم ( ثم ساق) حاتم من بغداد ( إلى المدينة) المشرفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ( فاستقبله أهل المدينة فقال) لما نظر إلى أبنيتها وقصورها ( يا قوم أية مدينة هذه) وفي الحلية، أي مدينة هذه ( قالوا مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأين قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أصلي فيه) ، وفي الحلية فأصلي فيه ركعتين، ( قالوا ما كان له قصر إنما كان له بيت لاطئ بالأرض) ، أي لاصق بها، ( قال: فأين قصور أصحابه) بعده، ( قالوا: ما كانت لهم قصور إنما كانت لهم بيوت لاطئة بالأرض، فقال حاتم: فهذه مدينة فرعون) ، وجنوده لكون فرعون أول من طبخ الطين، وعمل الآجر، وبنى الصرح .

وأخرج أبو نعيم في ترجمة ابن عيينة، قال: بلغ عمران رجلا بنى بالآجر، فقال: ما كنت أحسب أن في هذه الأمة مثل فرعون، قال: يريد قوله: ابن لي صرحا، وأوقد لي يا هامان على الطين .

وأخرج أيضا في ترجمة من رواية إسحاق بن إبراهيم، قال: سمعت سفيان يقول: بلغني أن الدجال يسأل بناء الآجر، هل ظهر بعد ( فأخذوه فذهبوا به إلى السلطان) أي: الأمير الذي يتولاها من طرف الخليفة ( فقالوا: هذا الأعجمي [ ص: 384 ] يقول هذه مدينة فرعون) وجنوده ( قال الوالي) المذكور لحاتم: ( ولم ذاك؟ قال) حاتم: ( لا تعجل علي، أنا رجل أعجمي غريب، دخلت البلد) وفي الحلية: المدينة ( فقلت: مدينة من هذه؟ قالوا: مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أين) ؟ وفي الحلية: قلت: فأين ( قصره حتى أصلي فيه) ؟ فقالوا: ما كان له قصر، ( وقص القصة) أي: أوردها بتمامها، ( ثم قال) حاتم: ( ولقد قال الله تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة فأنتم بمن تأسيتم) أي: اقتديتم، ( أبرسول الله صلى الله عليه وسلم) وأصحابه، ( أم بفرعون) ؟ وفرعون ( أول من بنى بالجص، والآجر) فأسكتهم ( فخلوا عنه وتركوه) وفي الحلية وعرفوه بدل وتركوه ( هذه حكاية) حاتم ( الأصم) ، وزاد أبو نعيم بعد قوله وعرفوه ما نصه: فكان حاتم كلما دخل المدينة، يجلس عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يحدث، ويدعو فاجتمع علماء المدينة، فقالوا: تعالوا حتى نخجله في مجلسه، فجاءوه ومجلسه غاص بأهله، فقالوا: يا أبا عبد الرحمن، مسألة نسألك، قال: سلوا قالوا: ما تقول في رجل يقول: اللهم ارزقني؟ قال حاتم: متى طلب هذا العبد الرزق في الوقت أم قبل الوقت؟ قالوا ليس نفهم هذا يا أبا عبد الرحمن؟ قال: إن كان هذا العبد طلب الرزق من ربه في وقت الحاجة فنعم، وإلا فأنتم عندكم خرثى ودراهم في أكياسكم، وطعام في منازلكم، وأنتم تقولون: اللهم ارزقنا قد رزقكم الله فكلوا، وأطعموا إخوانكم، حتى إذا بقيتم ثلاثا فاسألوا الله حتى يعطيكم، أنت عسى تموت غدا، تخلف هذا للأعداء، وأنت تسأله أن يرزقك زيادة، فقال أهل المدينة: نستغفر الله يا أبا عبد الرحمن، إنما أردنا بالمسألة تعنتا اهـ .

قال القشيري في الرسالة: لم يكن حاتم أصم، وإنما تصامم مرة، فسمي به، سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: جاءت امرأة فسألت حاتما عن مسألة، فاتفق أنه خرج منها في تلك الحالة صوت، فخجلت فقال حاتم: ارفعي صوتك، فأرى من نفسه أنه أصم، فسرت المرأة بذلك، وقالت: إنه لم يسمع الصوت، فغلب عليه اسم الأصم اهـ .

( وسيأتي من سيرة السلف) الصالحين وطريقتهم التي سلكوها ( في البذاذة) هي رثاثة الهيئة، ( وترك التجمل) في سائر الضرورية، ( ما يشهد لذلك) أي: لما ذكرناه ( في مواضعه) من هذا الكتاب على حسب المناسبات .

التالي السابق


الخدمات العلمية