إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الباب الأول :

في فضيلة الذكر وفائدته على الجملة والتفصيل من الآيات والأخبار والآثار .

ويدل على فضيلة الذكر على الجملة من الآيات قوله سبحانه وتعالى: فاذكروني أذكركم قال ثابت البناني رحمه الله إني أعلم متى يذكرني ربي عز وجل ، ففزعوا منه ، وقالوا : كيف تعلم ذلك ؟ فقال : إذا ذكرته ذكرني وقال تعالى : اذكروا الله ذكرا كثيرا وقال تعالى : فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم ، وقال عز وجل : فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا وقال تعالى : الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم وقال تعالى : فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم قال ابن عباس رضي الله عنهما أي : بالليل والنهار ، في البر والبحر ، والسفر والحضر ، والغنى والفقر ، والمرض والصحة ، والسر والعلانية .

وقال تعالى في ذم المنافقين : ولا يذكرون الله إلا قليلا وقال عز وجل : واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين وقال تعالى : ولذكر الله أكبر قال ابن عباس رضي الله عنهما له وجهان : أحدهما : أن ذكر الله تعالى لكم أعظم من ذكركم إياه والآخر : أن ذكر الله أعظم من كل عبادة سواه إلى غير ذلك من الآيات .


( الباب الأول: في فضيلة الذكر على الجملة) .

( والتفصيل من الآيات) القرآنية ( والأخبار) النبوية ( والآثار) السلفية ( ويدل على فضيلة الذكر على الجملة) أي: إجمالا ( من الآيات قوله تعالى: فاذكروني أذكركم ) أي: استحضروا إجلالي وعظمتي في قلوبكم أذكركم بالألطاف والإحسان ( وقال ثابت ) أبو محمد ( البناني) بضم الموحدة وتخفيف النون التابعي الجليل: ( إني أعلم متى يذكرني ربي عز وجل، ففزعوا منه، وقالوا: كيف تعلم ذلك؟ فقال: إذا ذكرته ذكرني) أخرجه أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا أحمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثنا بكر بن محمد، حدثنا جعفر، حدثنا ثابت البناني عن رجل من العباد قال يوما لإخوانه: "إني لأعلم حين يذكرني ربي تعالى، قال: ففزعوا من ذلك وقالوا: تعلم حين يذكرك ربك عز وجل؟ قال: نعم، قالوا: ومتى؟ قال: إذا ذكرته ذكرني. قال: وإني أعلم حين يستجيب ربي تعالى، قال: فعجبوا من قوله، قالوا: تعلم حين يستجيب لك ربك تعالى؟ قال: نعم، قالوا فكيف تعلم ذلك؟ قال: إذا وجل قلبي، واقشعر جلدي، وفاضت عيني، وفتح لي في الدعاء، فثم أعلم أن قد استجيب لي، فسكتوا".

( وقال تعالى: اذكروا الله ذكرا كثيرا وقال تعالى: فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم الآية، وقال عز وجل: فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ) ولم يقل: آبناءكم؛ لأن ذكر الإنسان آباءه إنما يكون بالتعظيم، وذكر ابنه بالشفقة، واللائق بحضرة الله التعظيم، وفيه إشارة إلى استحضار [ ص: 5 ] الوحدانية؛ لأن الابن لو انتسب إلى غير أبيه لاستنكف .

( وقال تعالى: الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ) ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ( وقال عز وجل: فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) أي: فدوموا على الذكر في جميع الأحوال ( قال ابن عباس رضي الله عنه) في تفسير هذه الآية ( أي: بالليل والنهار، في البر والبحر، والسفر والحضر، والغنى والفقر، والمرض والصحة، والسر والعلانية) وهو تفسير للمداومة على الذكر في الأحوال كلها، وقيل: المعنى: إذا أردتم أداء الصلاة، واشتد الخوف، فصلوها كيفما أمكنكم، قياما مقارعين، وقعودا مرامين، وعلى جنوبكم منحنين .

( وقال تعالى في ذم المنافقين: ولا يذكرون الله إلا قليلا وقال عز وجل: واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين وقال تعالى: ولذكر الله أكبر قال ابن عباس رضي الله عنه) في تفسير هذه الآية: ( له وجهان: أحدهما: أن ذكر الله تعالى لكم أعظم من ذكركم إياه) فيكون التقدير: ولذكر الله إياكم أكبر وأعظم ( والآخر: أن ذكر الله أعظم من كل عبادة سواه) فيكون التقدير: ولذكر العبد الله تعالى أكبر من سائر العبادات ( إلى غير ذلك من الآيات) الدالات على فضيلة الذكر .

التالي السابق


الخدمات العلمية