إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الثاني : أن يغتنم الأحوال الشريفة ، قال أبو هريرة رضي الله عنه : " إن أبواب السماء تفتح عند زحف الصفوف في سبيل الله تعالى ، وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلوات المكتوبة ، فاغتنموا الدعاء فيها " وقال مجاهد إن : الصلاة جعلت في خير الساعات ؛ فعليكم بالدعاء خلف الصلوات .

وقال صلى الله عليه وسلم : " الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد " وقال صلى الله عليه وسلم أيضا : " الصائم لا ترد دعوته " وبالحقيقة يرجع شرف الأوقات إلى شرف الحالات أيضا ؛ إذ وقت السحر وقت صفاء القلب وإخلاصه وفراغه من المشوشات ويوم عرفة ويوم الجمعة وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب على استدرار رحمة الله عز وجل فهذا أحد أسباب شرف الأوقات سوى ما فيها من أسرار لا يطلع البشر عليها .

وحالة السجود أيضا أجدر بالإجابة ، قال أبو هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء " وروى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا ، فأما الركوع فعظموا فيه الرب تعالى وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم .


( الثاني: أن يغتنم الأحوال الشريفة، قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "إن أبواب السماء تفتح عند زحف الصفوف) أي: حمل صفوف المسلمين على صفوف الكفار ( في سبيل الله تعالى، وعند الغيث) أي: المطر ( وعند إقامة الصلاة المكتوبة، فاغتنموا الدعاء فيها") .

وهذا قد روي مرفوعا من حديث عائشة، رواه أبو نعيم في الحلية بلفظ: "ثلاث ساعات للمرء المسلم ما دعا فيهن إلا استجيب له ما لم يسأل قطيعة رحم أو مأثما: حين يؤذن المؤذن بالصلاة [ ص: 33 ] حتى يسكت، وحين يلتقي الصفان حتى يحكم الله بينهما، وحين ينزل المطر حتى يسكن".

وروي أيضا من حديث سهل بن سعد مرفوعا: "ثنتان لا تردان؛ الدعاء عند النداء، وعند الصف في سبيل الله حين يلحم بعضهم بعضا" وزاد راويه عن سهل وهو أبو حازم فقال: "وتحت المطر" وهكذا أخرجه أبو داود والدارمي وابن خزيمة وابن الجارود.

ورواه مالك في الموطأ موقوفا على أبي حازم، وأخرجه الدارقطني وابن حبان بلفظ: "ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء وقلما ترد على داع دعوته، عند النداء وعند الصف في سبيل الله". وعند الطبراني من حديث ابن عمر: "تفتح أبواب السماء لقراءة القرآن، وللقاء الزحف، ولنزول المطر، ولدعوة المظلوم، والأذان" وإسناده ضعيف .

( وقال مجاهد: الصلاة جعلت في خير الساعات؛ فعليكم بالدعاء خلف الصلوات) يعني بذلك المكتوبات. ( وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد") قال العراقي: رواه أبو داود، والنسائي في اليوم والليلة، والترمذي وحسنه، من حديث أنس، وضعفه ابن عدي وابن القطان.

ورواه النسائي في اليوم والليلة بإسناد آخر جيد، وابن حبان والحاكم وصححه. اهـ. .

قلت: قال الطبراني في الدعاء: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا الثوري، عن زيد العمي، عن ابن إياس -هو معاوية بن قرة- عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة" أخرجه أبو داود، عن محمد بن كثير، عن الثوري. وأخرجه الترمذي والنسائي في الكبرى، جميعا عن محمود بن غيلان، عن وكيع، وابن أحمد الزبيري، وأبي نعيم. زاد الترمذي وعبد الرزاق: أربعتهم عن الثوري.

وسكت عليه أبو داود؛ إما لحسن رأيه في زيد العمي، وإما لشهرته في الضعف، وإما لكونه من فضائل الأعمال، وضعفه النسائي، وأما الترمذي فقال: هذا حديث حسن، وقد رواه أبو إسحاق -يعني السبيعي- عن يزيد بن أبي مريم، عن أنس. قال ابن القطان: وإنما لم يصححه لضعف زيد العمي .

وأما بريد فهو موثق، وينبغي أن يصحح من طريقه، وقال المنذري: طريق بريد أجود من طريق معاوية. وقد رواه قتادة، عن أنس، موقوفا. ورواه سليمان التيمي عن أنس مرفوعا. اهـ .

قال الحافظ: وقد نقل النووي أن الترمذي صححه، ولم أر ذلك في شيء من النسخ التي وقفت عليها، وكلام ابن القطان والمنذري يعطي ذلك، ويبعد أن الترمذي يصححه مع تفرد زيد العمي به، وقد ضعفوه .

نعم، طريق بريد صححها ابن خزيمة وابن حبان، ولفظه: "الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد فادعوا" هكذا أخرجه ابن خزيمة بهذه الزيادة، عن أحمد بن المقدام العجلي، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن يزيد أبي مريم، عن أنس.

وأخرجه من طرق أخرى عن أبي إسحاق، وعن يونس بن أبي إسحاق، بدون تلك الزيادة .

وأخرجه النسائي، عن إسماعيل بن مسعود، عن يزيد بن زريع بمثله .

وأخرجه ابن حبان، عن أبي يعلى الموصلي، عن محمد بن المنهال، عن يزيد بن زريع.

ووقع في رواية: "مستجاب" بدل "لا يرد" والله أعلم .

( وقال -صلى الله عليه وسلم-: "الصائم لا ترد دعوته") قال العراقي: رواه الترمذي وقال: حسن، وابن ماجه من حديث أبي هريرة بزيادة فيه .

( وبالحقيقة يرجع شرف الأوقات إلى شرف الحالات أيضا؛ إذ وقت السحر) وقت الفراغ والاختلاء ( يحصل به تمام صفاء القلب وإخلاصه وفراغه من المشوشات) أي: المكدرات الظاهرة والباطنة ( ويوم عرفة ويوم الجمعة) كلاهما ( وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب) وتساعدها ( على استدرار رحمة الله تعالى) واستجلاب رضاه ( فهذه) أي: التي ذكرت في الأوقات الثلاثة ( أحد أسباب شرف الأوقات سوى ما فيها من أسرار لا يطلع البشر عليها) أي: على حقيقتها؛ إذ غالبها من عالم الملكوت .

( وحالة السجود أيضا جديرة بالإجابة، قال أبو هريرة) رضي الله عنه: ( قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء") رواه مسلم وأبو داود والنسائي .

( وروى ابن عباس) رضي الله عنهما ( عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا، فأما الركوع فعظموا فيه ربكم وأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم") رواه مسلم أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية