إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الرابع : خفض الصوت بين المخافتة والجهر ؛ لما روي أن أبا موسى الأشعري قال : " قدمنا مع رسول الله فلما دنونا من المدينة كبر وكبر الناس ، ورفعوا أصواتهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس ! إن الذي تدعون ليس بأصم ولا غائب ، إن الذي تدعون بينكم وبين أعناق ركابكم .

" وقالت عائشة رضي الله عنه في قوله عز وجل : ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها أي : بدعائك وقد أثنى الله عز وجل على نبيه زكرياء عليه السلام حيث قال : إذ نادى ربه نداء خفيا وقال عز وجل : ادعوا ربكم تضرعا وخفية .


( الرابع: خفض الصوت بين المخافتة والجهر؛ لما روي أن أبا موسى) عبد الله بن قيس ( الأشعري) -رضي الله عنه- ( قال: "قدمنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما دنونا من المدينة كبر وكبر الناس، ورفعوا أصواتهم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: يا أيها الناس! إن الذي تدعون ليس بأصم ولا غائب، إن الذي تدعون بينكم وبين أعناق ركابكم" ) قال العراقي: متفق عليه مع اختلاف لفظه، واللفظ الذي ذكره المصنف لأبي داود. اهـ .

قلت: أخرجه الأئمة الستة من طرق متعددة إلى أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى، وقد تقدم ذكرها قريبا في فضيلة الحوقلة، ومن ألفاظه: "كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيها الناس اربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم".

ومنها: "كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فرقينا عقبة أوثنية، فكان الرجل إذا علاها قال: لا إله إلا الله والله أكبر" الحديث .

( وقالت عائشة -رضي الله عنها- في قوله عز وجل: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها أي: بدعائك) أخرجه البخاري ومسلم، قال البخاري في كتاب التفسير: حدثنا طلق بن غنام، حدثنا زائدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها- في قوله تعالى: ولا تجهر بصلاتك الآية، قالت: نزلت في الدعاء .

وقال البخاري أيضا في كتاب التوحيد: حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: عن وكيع، كلاهما عن هشام بن عروة بنحوه .

وأما مسلم فأخرجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع وأبي أسامة، وأخرجه من طرق أخرى عن هشام، وهو من أفراده .

وقد جاء عن ابن عباس في نزولها سبب آخر قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو بمكة إذا صلى رفع صوته، فإذا سمع المشركون القرآن سبوه، ومن أنزله، ومن جاء به، فنزلت: ولا تجهر بصلاتك فيسمع المشركون ولا تخافت بها فلا تسمع أصحابك وابتغ بين الجهر والمخافتة" أخرجه البخاري، عن يعقوب بن إبراهيم، وعن مسدد وحجاج بن منهال، وعمرو بن زرارة.

وأخرجه عن محمد بن الصباح، وعمرو الناقد، وأخرجه الترمذي، وابن خزيمة، عن أحمد بن منيع، وأخرجه النسائي وابن خزيمة أيضا عن يعقوب بن إبراهيم، سبعتهم عن هشام، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.

وأخرجه الترمذي أيضا من رواية أبي داود الطيالسي، عن هشام وشعبة، فرقهما، كلاهما عن أبي بشر، لكن لم يذكر شعبة ابن عباس في السند، بل أرسله .

وقد أخرجه النسائي من رواية الأعمش، عن أبي بشر موصولا أيضا، وأخرجه ابن مردويه في التفسير من رواية يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، وزاد فيه: "فنزلت واذكر ربك في نفسك فكان لا يسمع أصحابه، فشق عليهم، فنزلت: ولا تجهر بصلاتك .

[ ص: 37 ] وقد رجح بعضهم السبب الثاني، ويمكن الجمع بأن تكون الآية في الأمرين معا، والله أعلم .

( وقد أثنى الله -عز وجل- على نبيه زكريا عليه السلام حيث قال: إذ نادى ربه نداء خفيا ) قال البيضاوي: لأن الإخفاء والجهر سيان عند الله تعالى، والإخفاء أشد إخفاتا وأكثر إخلاصا، أو لئلا يلام على طلب الولد في إبان الكبر، أو لئلا يطلع عليه مواليه الذين خافهم، أو لأن ضعف الهرم أخفى صوته .

واختلف في سنه حينئذ: فقيل: ستون، وقيل: خمس وستون، وقيل: سبعون، وقيل: خمس وسبعون، وقيل: ثمانون .

( وقال عز وجل: ادعوا ربكم تضرعا وخفية ) أي: ذوي تضرع وخفية؛ فإن الإخفاء دليل الإخلاص .

التالي السابق


الخدمات العلمية