إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فضيلة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفضله صلى الله عليه وسلم .

قال الله تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وروي أنه صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشرى ترى في وجهه فقال صلى الله عليه وسلم أنه : " جاءني جبريل عليه السلام فقال أما ترضى يا محمد أن لا يصلي عليك أحد من أمتك صلاة واحدة إلا صليت عليه عشرا ولا ، يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا " وقال صلى الله عليه وسلم : " من صلى علي صلت عليه الملائكة ما صلى علي فليقلل عند ذلك أو ليكثر " وقال صلى الله عليه وسلم : " إن أولى الناس بي أكثرهم علي صلاة " وقال صلى الله عليه وسلم : بحسب المؤمن من البخل أن أذكر عنده فلا يصلي علي وقال صلى الله عليه وسلم : أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة .

" وقال صلى الله عليه وسلم : " من صلى علي من أمتي كتبت له عشر حسنات ، ومحيت عنه عشر سيئات " وقال صلى الله عليه وسلم : " من قال حين يسمع الأذان والإقامة : اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، صل على محمد عبدك ورسولك ، وأعطه الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة ، والشفاعة يوم القيامة ، حلت له شفاعتي " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك الكتاب " وقال صلى الله عليه وسلم : " إن في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام .

" وقال صلى الله عليه وسلم : " ليس أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي ؛ حتى أرد عليه السلام وقيل له: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا اللهم صل على محمد عبدك وعلى آله وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
* ( فضيلة الصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) وبيان ( فضله) * الذي حباه الله -عز وجل-

( قال الله -عز وجل-: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) معنى الصلاة: العطف، وهو بالنسبة إلى الله تعالى: إما ثناؤه على العبد عند الملائكة، وهذا هو الأليق في تفسير صلاة الله على أنبيائه، وإما كمال الرحمة، وبالنسبة إلى غيره تعالى: الدعاء بخير .

وبكون الصلاة بمعنى العطف اتضح كل الاتضاح تعديتها بعلى، وإنما أكد السلام دون الصلاة؛ لاستغنائها عن التأكيد بوقوعها من الله وملائكته؛ لدلالة ذلك على أنها من الشرف بمكان .

( وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- جاء ذات يوم) منصوب على الظرفية؛ لإضافته إلى "يوم" وهو، أي: "ذات" صلة ( والبشر يرى) وفي بعض النسخ: والبشرى ترى ( في وجهه) وفي نسخة: على وجهه ( فقال: "إنه جاءني جبريل -عليه السلام- فقال) لي: ( أما ترضى يا محمد أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا، أو لا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا") قال العراقي: رواه النسائي وابن حبان من حديث أبي طلحة بإسناد جيد .

( وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي صلت عليه الملائكة ما صلى علي) وفي بعض نسخ الدلائل: ما دام يصلي علي ( فليقلل عبد من ذلك أو ليكثر") هكذا في سائر نسخ الكتاب، ووقع في سائر نسخ الدلائل: "عند ذلك أو ليكثر" وهو تصحيف، واحتاج الشراح إلى تأويله فقالوا: المعنى: عند صلاته، وأن تذكير الضمير باعتبار كونها عملا، فتأمل .

قال العراقي: رواه ابن ماجه من حديث عامر بن ربيعة بإسناد ضعيف، والطبراني في الأوسط بإسناد حسن. اهـ .

قلت: ورواه البيهقي من حديث عامر بن ربيعة بلفظ: "من صلى علي صلاة صلت عليه الملائكة ما صلى علي، فليقلل عند ذلك أو ليكثر" وفي رواية له: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، فليكثر علي عبد من الصلاة أو ليقل" وعن أبي طلحة بلفظ: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا، فليكثر عبد من ذلك أو ليقل".

وروى الطبراني في الكبير، عن عامر بن ربيعة: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه، فأكثروا أو أقلوا" وهكذا رواه الحاكم في الكنى .

وروى أحمد، عن عبد الله بن عمرو: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه وملائكته بها سبعين صلاة، فليقلل عبد من ذلك أو ليكثر".

وروى أبو داود الطيالسي، وأحمد، وعبد بن حميد، والطبراني في الكبير، وأبو نعيم في الحلية، والضياء من حديثه بلفظ: "ما من عبد يصلي علي إلا صلت عليه الملائكة ما دام يصلي، فليقل العبد من ذلك أو ليكثر".

( وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أولى الناس بي أكثرهم علي صلاة") [ ص: 49 ] هكذا في سائر نسخ الكتاب، وتبعه صاحب الدلائل، والرواية: "إن أولى الناس يوم القيامة" والمعنى: أقربهم مني في القيامة، وأحقهم بشفاعتي أكثرهم علي صلاة في الدنيا؛ لأن كثرة الصلاة عليه تدل على صدق المحبة، وكمال الوصلة، فتكون منازلهم في الآخرة منه بحسب تفاوتهم في ذلك .

قال العراقي: رواه الترمذي من حديث ابن مسعود، وقال: حسن غريب. وابن حبان. اهـ .

قلت: وكذا رواه البخاري في التاريخ، وقال ابن حبان: صحيح، وقال: إن لم يكن المراد بهم تباع الأثر وعملة السنة فلا أدري من هم. أي: لكثرة اشتغالهم بذكره -صلى الله عليه وسلم- والصلاة عليه .

( وقال -صلى الله عليه وسلم-: بحسب المؤمن من البخل) الباء زائدة، أي: يكفيه، أو: كافيه، وهو خبر مقدم، وقوله ( أن أذكر عنده) مبتدأ مؤخر ( فلا يصلي علي) وفي نسخ الدلائل: ولا يصلي، وفي بعض نسخها: ثم لا يصلي، وفي بعضها: فلم يصلي، وفي بعضها: ولم يصلي، وإنما كان ما ذكر بخلا؛ لأن البخل منع الفضل، والإمساك عن بذل ما ينبغي بذله شرعا أو مروءة، والشرع يقتضي ذلك والمروءة .

قال العراقي: رواه قاسم بن أصبغ من حديث الحسن بن علي هكذا، والنسائي، وابن حبان من حديث أخيه الحسين بن علي، عن أبيه، وقال: حسن صحيح. اهـ .

قلت: وحديث الحسين بن علي أخرجه أيضا أحمد والحاكم في الدعاء، وقال: صحيح من رواية عبد الله بن الحسين بن علي، عن أبيه، عن جده. وقد أطنب إسماعيل القاضي في تخريج هذا الحديث في تأليف له، ولا ينقص عن درجة الحسن .

وفي بعض روايات هذا الحديث: "البخيل الذي من ذكرت عنده" قال الطيبي: الموصول الثاني مزيد مقحم بين الموصول وصلته .

( وقال -صلى الله عليه وسلم-: أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة" ) قال العراقي: رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم، وقال: صحيح على شرط البخاري، من حديث أوس بن أوس، وذكره ابن أبي حاتم، وحكى عن أبيه أنه حديث منكر. اهـ .

قلت: ورواه ابن ماجه من حديث أبي الدرداء بزيادة: "فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة" ورواه البيهقي من حديث أنس بزيادة: "وليلة الجمعة، فمن فعل ذلك كنت له شهيدا وشافعا يوم القيامة".

( وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي من أمتي كتبت له عشر حسنات، ومحيت عنه عشر سيئات") قال العراقي: رواه النسائي في اليوم والليلة من حديث عمير بن نيار، وزاد فيه: "مخلصا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات" وله في السنن ولابن حبان من حديث أنس نحوه، دون قوله: "مخلصا من قلبه" ودون ذكر محو السيئات، ولم يذكر ابن حبان أيضا رفع الدرجات. اهـ .

قلت: حديث أنس رواه أحمد، والبخاري في الأدب، وأبو يعلى، والحاكم، والبيهقي، والضياء، بلفظ: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات، ورفع له عشر درجات".

وروى أحمد، وابن حبان من حديث أبي هريرة بلفظ: "من صلى علي مرة واحدة كتب الله له بها عشر حسنات".

وروى أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن حبان عنه أيضا بلفظ: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا" وهكذا رواه الطبراني في الكبير، عن ابن عمر، وعن عبد الله بن عمرو، وعن أبي موسى، وعن أنس، عن أبي طلحة.

( وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من قال حين يسمع الأذان والإقامة: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، صل على محمد عبدك ورسولك، وأعطه الوسيلة والفضيلة، والشفاعة يوم القيامة، حلت له شفاعتي") قال العراقي: رواه البخاري من حديث جابر دون ذكر الإقامة والشفاعة والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: "النداء". .

وللمستغفري في الدعوات: "حين يسمع الدعاء للصلاة" وزاد ابن وهب ذكر الصلاة والشفاعة فيه بسند ضعيف، وزاد الحسن بن علي المعمري في اليوم والليلة في حديث أبي الدرداء ذكر الصلاة فيه .

وللمستغفري في الدعوات بسند ضعيف من حديث أبي رافع: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سمع" فذكر حديثا فيه: "فإذا قال: قد قامت الصلاة، قال: اللهم رب هذه الدعوة التامة" الحديث، وزاد: "وتقبل شفاعته في أمته".

ولمسلم من حديث عبد الله بن عمر: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا علي، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي". اهـ .

قلت: [ ص: 50 ] حديث جابر الذي رواه البخاري لفظه: "من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة" وهكذا رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة، وابن خزيمة، وابن حبان .

ورواه الدارقطني في الأفراد من حديثه بلفظ: "من قال إذا سمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، آت محمدا الوسيلة، وابعثه المقعد المقرب الذي وعدته، وجبت له الجنة".

ورواه أحمد وابن السني والطبراني في الأوسط من حديثه بلفظ: "من قال حين ينادي المنادي بالصلاة: اللهم رب هذه الدعوة القائمة، والصلاة النافعة، صل على محمد، وارض عني رضا لا تستخط بعده أبدا، استجاب الله له دعوته".

( وقال -صلى الله عليه وسلم-: " من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة يستغفرون له ما دام اسمي في ذلك الكتاب") قال العراقي: رواه الطبراني في الأوسط، وأبو الشيخ في الثواب، والمستغفري في الدعوات من حديث لأبي هريرة بسند ضعيف. اهـ .

قلت: ورواه أيضا أبو القاسم التميمي في الترغيب، والخطيب في شرف أصحاب الحديث، وابن بشكوال بسند ضعيف، وأورده ابن الجوزي في الموضعات، وقال ابن كثير: إنه لا يصح، وفي لفظ لبعضهم: "لم تزل الملائكة تستغفر له" وفي آخر: "من كتب في كتابه -صلى الله عليه وسلم- لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام في كتابه".

وعن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كتب عني علما فكتب معه صلاة علي لم يزل في أجر ما قرئ ذلك الكتاب" وأخرجه الدارقطني وابن بشكوال من طريقه، وابن عدي.

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي في كتاب لم تزل الصلاة جارية له ما دام اسمي في ذلك الكتاب" أخرجه أبو القاسم التميمي في ترغيبه، ومحمد بن الحسن الهاشمي، وقال ابن كثير" لا يصح، وقال الذهبي: أحسبه موضوعا، وقال الحافظ السخاوي: روي مرفوعا من كلام جعفر الصادق، قال ابن القيم: وهو الأشبه، يرويه محمد بن حميد عنه، قال: "من صلى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كتاب صلت عليه الملائكة غدوة ورواحا ما دام اسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الكتاب" نقله السخاوي في القول البديع. .

والكتاب أهم من أن يكون كتاب علم يدرس فيه، أو صحيفة يرسلها إلى أخيه، والصلاة عليه فيه أعم من أن تكون بالكتابة أو بالنطق أو بالجمع بينهما، وهو الأفضل .

وقد ذكر صاحب الدلائل عن بعض الصالحين قال: "كان لي جار نساخ، فمات، فرأيته في المنام، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، فقلت: فبم؟ فقال: كنت إذا كتبت اسم محمد -صلى الله عليه وسلم- في كتاب صليت عليه، فأعطاني ربي ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" .

قلت: وسيأتي لذلك مزيد بيان قريبا .

( وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن في الأرض ملائكة سياحين يبلغونني من أمتي السلام") تقدم الكلام عليه في آخر كتاب الحج .

( وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي؛ حتى أرد عليه السلام" قال العراقي: رواه أبو داود من حديث أبي هريرة بسند جيد. اهـ .

( وقيل: "يا رسول الله! كيف نصلي عليك؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وأزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم؛ إنك حميد مجيد" قال العراقي: متفق عليه من حديث أبي حميد الساعدي. اهـ .

قلت: لفظ الشيخين: "اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد" وهكذا رواه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

وقد روي مثل ذلك عن كعب بن عجرة، رواه المذكورون خلا مالكا بلفظ: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد".

ورواه كذلك عبد الرزاق، عن محمد بن عبد الله بن زيد بلفظ: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم، في العالمين؛ إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم" وقد روي في الباب عن أبي سعيد وغيره .

[ ص: 51 ] * ( فصل) *

اعلم أن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- تتضمن ثوابا عظيما:

منها أنها توجب الشفاعة: أخرج الطبراني في الكبير، عن رويفع بن ثابت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال: اللهم صل على محمد، وأنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة، وجبت له شفاعتي".

وأخرج أيضا من حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي حين يصبح عشرا، أو حين يمسي عشرا، أدركته شفاعتي" وقد تقدم شيء من ذلك قريبا .

ومنها: أنها توجب الجنة: روى ابن القاري من حديث الحكم بن عطية، عن ثابت بن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي في اليوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده في الجنة" قال الضياء المقدسي في كتاب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا أعرفه إلا من حديث الحكم، وقال الدارقطني: أحاديث الحكم لا يتابع عليها، وقال أحمد: لا بأس به، وروي عن يحيى بن معين أنه قال: هو ثقة .

ومنها: أنها تلقي الهم، وتغفر الذنب: أخرج الترمذي، عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ذهب ربع الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله؛ فإن الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت، جاء الموت، قال أبي: يا رسول الله! إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت، قلت: الربع؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير، قلت: الثلثين؟ قال: ما شئت وإن زدت فهو خير، قلت: أجعل لك صلاتي كلها، قال: إذا تكفى همك، ويغفر لك ذنبك" وقال: حديث حسن صحيح .

وأخرجه الحاكم في مستدركه، وقال: صحيح الإسناد، والطبراني في معجمه، وفسر الصلاة فيه بالدعاء، وكذلك أوله النميري في كتاب الإعلام، وأورده بلفظ: "أجعل ثلث دعائي لك" وكان لأبي بن كعب -رضي الله عنه- دعاء يدعو به لنفسه، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- هل يجعل له ربعه صلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إن زدت فهو خير لك" إلى أن قال: "أجعل لك صلاتي كلها" أي: دعائي كله صلاة عليك؛ لأن من صلى عليه صلى الله تعالى عليه، ومن صلى الله تعالى عليه كفي همه وغفر ذنبه.

وأخرج ابن أبي حاتم في كتاب الصلاة، عن أبي منصور، عن أبي معاذ، عن أبي كاهل قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا كاهل من صلى علي كل يوم ثلاث مرات حبا أو تقربا إلي كان حقا على الله أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة وذلك اليوم".

ومنها: أنها تنفي الفقر: روى أبو نعيم من حديث جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: "كثرة الذكر والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- تنفي الفقر".

ومنها: أنها تقضي الحوائج: روى أبو موسى الحافظ من حديث أبي سهل بن مالك، عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي مائة صلاة حين يصلي الصبح قبل أن يتكلم قضى الله له مائة حاجة، عجل منها ثلاثين حاجة، وأخر له سبعين، وفي المغرب مثل ذلك" ورواه ابن منده من طريق أبي بكر الهذلي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر نحوه، وهو حديث حسن .

* ( فصل) *

سئل المصنف -رحمه لله تعالى-: ما معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا"؟ وما معنى: صلاة الله على من صلى عليه؟ وما معنى صلواتنا عليه؟ وما معنى استدعائه من أمته الصلاة عليه؟ أيرتاح لذلك أم هو شفقة على الأمة؟

فأجاب: أما صلاة الله على نبيه وعلى المصلين عليه فمعناه: إفاضة أنواع الكرامات ولطائف النعم .

وأما صلاتنا عليه وصلاة الملائكة: فهو سؤال وابتهال في طلب تلك الكرامة، ورغبة في إفاضتها عليه، كقول القائل: غفر الله له ورحمه، فإن ذلك يختص بالرحمة وطلب العفو بالستر؛ ولذلك تختص الصلاة به، ودونه قولك: رضي الله عنه، فتختص الصلاة بالأنبياء وطلب الترضي بالصحابة والأولياء والعلماء، وطلب الرحمة والمغفرة للعوام .

وأما استدعاؤه الصلاة من أمته فلثلاثة أمور:

إحداها: أن الأدعية مؤثرة في استدرار فضل الله ونعمته ورحمته، لا سيما في الجمع الكثير، كالجمعة وعرفات والجماعات، فإن الهمم إذا اجتمعت وانصرفت إلى طلب ما في الإمكان وجوده على قرب كالمطر ورفع الوباء وغيره فاض ما في الإمكان من الفيض الحق بوسائط إلى روحانيات المترشحين لتدبير العالم الأسفل المقتضي لتقهرهم، وإنما أثرت الهمم لما بين الأرواح البشرية والروحانيات العالية من المناسبة الذاتية؛ فإن هذه الأرواح مجانسة لتلك [ ص: 52 ] الجواهر، وإنما يقطع مجانستها التدنس بكدورات الشهوات؛ ولذلك تكون همة القلوب الزكية الطاهرة أسرع تأثيرا، وتكون في حالة التضرع والابتهال أنجح؛ لأن حرقة التضرع تذيب كدورات الشهوات عن القلب في الحال، وتصفيه، وتكشفه من الظلمة؛ ولذلك ما يخطئ دعاء الجمع، ولا يخلو الجمع من قلوب طاهرة يزيدون التعاون تأثيرا .

وإنما كان يوم الجمعة وقتا يستجاب فيه الدعاء منهم؛ لأن الحال الذي يجتمع فيه على قلوب صافية واحدة لا يدرى متى هو، لكن الغالب أن اليوم لا يخلو عنه، وهو وقت النفحات التي يتعرض لها، وربما كان اجتماع الهمم يوم الجمعة عند الأسباب الجامعة كابتداء الخطبة، وابتداء الصلاة، وكان الصلاة أولى، لكن الأولى أن لا يجزم القول بتعيين وقته، بل يهم، وكذلك يتوقع تلك النفحات في الأسحار؛ لصفاء القلوب، فإذا كانت الأدعية مؤثرة في استجلاب موائد الفضل، وكان ما وعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحوض ومرتبة الشفاعة وغير ذلك من المقامات المحمودة غير محدود، على وجه لا تتصور الزيادة فيها - فاستمداده من الأدعية استزادة لتلك الكرامات .

الأمر الثاني: ارتياحه به، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إني أباهي بكم الأمم" وكما لا يبعد أن يطلع النائم منا على الغيب من أحوال الموتى مع كوننا في هذا العالم المظلم، فلا يبعد أن تحصل للأرواح معرفة بمجاري أحوالنا مع أنهم في عالم القدس والصفاء، ودار الحيوان، ووجه اطلاع النائم على أحوال الموتى واطلاع الموتى على أحوال الناس يطول ذكره .

الثالث: الشقفة على الأمة، فحرضهم على ما هو حسنة في حقهم، وقربة لهم، وإنما تضاعف الصلاة؛ لأن الصلاة ليست حسنة واحدة، بل حسنات؛ إذ فيها تجديد الإيمان بالله أولا، ثم بالرسول ثانيا، ثم بتعظيمه ثالثا، ثم بالعناية بطلب الكرامة له رابعا، ثم تجديد الإيمان باليوم الآخر وأنواع كرامات خامسا، ثم يذكر الله سادسا، وعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة، ثم بتعظيم الله بنسبتهم إليه سابعا، ثم بإظهار المودة لهم ثامنا، ولم يسأل -صلى الله عليه وسلم- من أمته إلا المودة في القربي، ثم الابتهال والتضرع في الدعاء تاسعا، والدعاء مخ العبادة، ثم الاعتراف عاشرا بأن الأمر كله لله، وأن النبي وإن جل قدره فهو محتاج إلى رحمة الله عز وجل .

فهذه عشر حسنات سوى ما ورد الشرع به من أن الحسنة الواحدة بعشر أمثالها، وأن السيئة بمثلها فقط، وسره أن الجوهر الإنساني حنان إلى ذلك العالم العلوي، وهبوطه إلى العالم الجسماني غريب في طبعه، والسيئة تبطئه عن الترقي إلى ذلك العالم على خلاف طبعه، والحسنة ترقيه إلى موافقة الطبع، والقوة التي تحرك الحجر إلى فوق هي نفسها إن استعملت في تحريكه إلى أسفل تحرك عشرة أذرع أو زيادة؛ فلهذا كانت الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. اهـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية