اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر اللهم إني أعوذ بك من طبع يهدي إلى طمع ومن طمع في غير مطمع ومن طمع حيث لا مطمع اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ودعاء لا يسمع ونفس لا تشبع وأعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع ومن الخيانة فإنها بئست البطانة ومن الكسل والبخل والجبن والهرم ومن أن أرد إلى أرذل العمر ومن فتنة الدجال وعذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات اللهم إنا نسألك قلوبا أواهة مخبتة منيبة في سبيلك اللهم إني أسألك عزائم مغفرتك وموجبات رحمتك والسلامة من كل إثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار .
اللهم إني أعوذ بك من التردي وأعوذ بك من الغم والغرق والهدم وأعوذ بك من أن أموت في سبيلك مدبرا وأعوذ بك من أن أموت في طلب الدنيا اللهم إني أعوذ بك شر ما علمت ، ومن شر ما لم أعلم اللهم جنبني منكرات الأخلاق ؛ والأعمال والأدواء والأهواء اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء اللهم إني أعوذ بك من الكفر والدين والفقر وأعوذ بك من عذاب جهنم ، وأعوذ بك من فتنة الدجال
منها ( اللهم إني أعوذ بك) استعاذ مما عصم منه؛ ليلتزم خوف الله وإعظامه والافتقار إليه، وليقتدى به، وليبين صفة الدعاء، والباء للإلصاق المعنوي والتخصيص، كأنه خص الرب تعالى بالاستعاذة، وقد جاء في الكتاب والسنة: أعوذ بالله، ولم يسمع: بالله أعوذ؛ لأن تقديم المعمول تفنن وانبساط، والاستعاذة حال خوف وقبض، بخلاف: الحمد لله ولله الحمد؛ لأنه حال شكر وتذكر إحسان ونعم ( من البخل) بضم فسكون اسم، وبالتحريك المصدر، وهو لغة: إمساك المقتنيات عما لا يحل حسبها عنه، وهو على قسمين: بخل بقنيات نفسه وبخل بقنيات غيره، وهو أكثرهما ذما، وشرعا: منع الواجب .
( اللهم إني أعوذ بك من طمع) وهو بالتحريك: نزوع النفس إلى الشيء شهوة له ( يهدي إلى طبع) محركة، وهو الدنس، ولما كان أكثر الطمع من جهة الطبع قيل: الطمع طبع، والطمع يدنس الإهاب، وأكثر ما يستعمل الطمع فيما يقرب حصوله .
( و) أعوذ بك ( من طمع في غير مطمع و) أعوذ بك [ ص: 83 ] ( من طمع حيث لا مطمع) إنما قيل ذلك؛ لأن الطمع قد يستعمل بمعنى الأمل، ومنه قولهم: طمع في غير مطمع، إذا أمل ما يبعد حصوله؛ لأنه قد يقع كل واحد موقع الآخر؛ لتقارب المعنى، ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب، وقال الحراني: الطمع تعلق البال بالشيء من غير تقدم سبب له، وقال العضد: الطمع ذل ينشأ من الحرص والبطالة والجهل لحكمة الباري تقدس.
قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ، وقال: مستقيم الإسناد .
( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع صاحبه) وهو ما لم يؤذن في تعليمه، أو ما لا يصحبه عمل، أو ما لا يهذب الأخلاق الباطنة، فيشرق منها إلى الأخلاق الظاهرة، ويفوز بها إلى الثواب الأجل، وأنشدوا في هذا:
يا من تقاعد عن مكارم خلقه ليس التفاخر بالعلوم الزاخره من لم يهذب علمه أخلاقه لم ينتفع بعلومه في الآخره
( و) من ( قلب لا يخشع) أي: لا يسكن لطاعة الله، ولا يذل لهيبة جلال الله ( و) من ( دعاء لا يسمع) أي: لا يقبله الله، ولا يعتد به، فكأنه غير مسموع ( ونفس لا تشبع) لغلبة حرصها في جمع المال أشرا أو بطرا، ولا تشبع من كثرة الأكل الجالبة لكثرة الأبخرة، الموجبة للنوم وكثرة الوساوس والخطرات النفسانية المؤدية إلى مضار الدنيا والآخرة .
( ومن الجوع) الألم الذي ينال الحيوان من خلو المعدة ( فإنه بئس الضجيع) أي: المضاجع؛ لأنه يمنع استراحة البدن، ويحلل المواد المحمودة بلا بدل، ويشوش الدماغ، ويثير الأفكار الفاسدة والخيالات الباطلة، ويضعف البدن عن القيام بالطاعة، والمراد: الجوع الصادق، وعلامته أن يكتفى بالخبز بلا إدام .
( ومن الخيانة) هي مخالفة الحق بنقض العهد في السر ( فإنها بئست البطانة) أي: بئس الشيء الذي يستبطنه من أمره، ويجعله بطانة، وهي من بطانة الثوب، فاستعيرت لما يستبطن الرجل من أمره فيجعله بطانة حاله .
وقال الطيبي: خص الضجيع بالجوع لينبه على أن المراد الجوع الذي يلازمه ليلا ونهارا، ومن ثم حرم الوصال، ومثله يضعف الإنسان عن القيام بوظائف العبادات، والبطانة بالخيانة؛ لأنها ليست كالجوع الذي يتضرر به صاحبه فحسب بل هي سارية إلى الغير، فهي وإن كانت بطانة لحاله لكن يجري سريانها إلى الغير مجرى الظهارة .
( ومن الكسل) بالتحريك: التغافل عما لا ينبغي التشاغل عنه ( والبخل والجبن) تقدم ذكرهما ( ومن الهرم) محركة: وهو علو السن والكبر بضعف البدن ( ومن أن أرد إلى أرذل العمر) تقدم معناه ( ومن فتنة الدجال) أي: من محنته، وأصل الفتنة الامتحان والاختبار، استعيرت لكشف ما يكره، والدجال فعال بالتشديد من الدجل، التغطية، سمي به؛ لأنه يغطي الحق بباطله .
( وعذاب القبر) تقدم الكلام عليه قريبا ( ومن فتنة المحيا) ما يعرض للمرء مدة حياته من الافتتان بالدنيا وشهواتها والجهالات، أو هي الابتلاء مع زوال الصبر ( والممات) أي: ما يفتن به عند الموت، أضيفت له لقربها منه، والمراد: فتنة القبر، أي: سؤال الملكين، والمراد: من شر ذلك، والجمع بين فتنة الدجال وعذاب القبر وبين فتنة المحيا والممات من باب ذكر العام بعد الخاص .
( اللهم إنا نسألك قلوبا أواهة) أي: متضرعة، أو كثيرة الدعاء، أو كثيرة البكاء ( مخبتة) أي: خاشعة مطيعة متواضعة ( منيبة) راجعة إليك بالتوبة مقبلة عليك ( في سبيلك) أي: الطريق إليك ( اللهم إنا نسألك عزائم مغفرتك) حتى يستوي المذنب التائب والذي لم يذنب قط في منازل الرحمة ( وموجبات رحمتك) وفي رواية بدله: منجيات أمرك ( والسلامة من كل إثم) أي: معصية ( والغنيمة من كل بر) بالكسر، أي: خير وطاعة ( والفوز بالجنة) أي: بنعيمها ( والنجاة من النار) أي: من عذابها .
وسبق أن هذا مسوق للتشريع، وفيه دليل على ندب الاستعاذة من الفتن، ولو علم المرء أنه يتمسك فيها بالحق؛ لأنها قد تفضي إلى وقوع ما لا يرى بوقوعه، وفيه رد لما اشتهر على الألسنة: "لا تكرهوا الفتن فإن فيها حصاد المنافقين" قال الحافظ ابن حجر: وقد سئل عنها قديما nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب فقال: إنه باطل. اهـ .
والحديث المذكور قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود، وقال: صحيح الإسناد، وليس كما قال، إلا أنه ورد مفرقا في أحاديث جيدة الإسناد، ففي صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم: التعوذ nindex.php?page=hadith&LINKID=689269 "من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ودعوة لا يستجاب لها" من [ ص: 84 ] حديث nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم، وسيأتي. اهـ .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي، عن ابن عمرو، nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس: "التعوذ من قلب لا يخشع، ودعاء لا يسمع، ونفس لا تشبع، وعلم لا ينفع" .
( اللهم إني أعوذ بك من شر ما علمت، ومن شر ما لم أعلم) هكذا في نسخ الكتاب، وكذلك في القوت، وتبعه صاحب العوارف، وقال العراقي: هكذا هو في غير نسخة: "علمت وأعلم" وإنما هو: "عملت وأعمل" كذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة.
ولأبي بكر بن الضحاك في الشمائل في حديث مرسل في الاستعاذة، وفيه: "وشر ما أعلم وشر ما لم أعلم". اهـ .
( اللهم جنبني منكرات الأخلاق؛ كحقد وبخل وحسد وجبن) ونحوها ( والأعمال) من نحو زنا وقتل وشرب خمر وسرقة ونحوها ( والأدواء) جمع داء، من نحو جذام وبرص وسل واستسقاء وذات جنب ونحوها ( والأهواء) جمع هوى، مقصور، هوى النفس، والإضافة إلى القرينتين الأوليين إضافة الصفة إلى الموصوف، قاله الطيبي. وعطف الأعمال على الأخلاق وعطف ما بعد الأعمال عليها من باب الترقي في الدعاء إلى ما يعم نفسه .
وهذه المنكرات منها ما لا ينفك عنه غير المعصوم في منقلبه، ومنها ما يعظم الخطب فيه حتى يصير منكرا يشار إليه بالأصابع، وذكر هذا مع عصمة الأنبياء تعليم للأمة .
قال العراقي: رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وحسنه، nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححه، واللفظ من حديث قطبة بن مالك. اهـ .
قلت: وكذا رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الكبير، nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في الصحيح، ولفظهم جميعا عن nindex.php?page=showalam&ids=15939زياد بن علاقة، عن عمه قطبة بن مالك -رضي الله عنه- قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=665885كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء" ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم وزاد في آخره: "والأدواء" وقال: صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم، وليس لقطبة في الكتب الستة سوى حديثين، أحدهما هذا .
nindex.php?page=hadith&LINKID=655871 ( ودرك الشقاء) بفتح الراء وسكونها، اسم من الإدراك لما يلحق الإنسان من تبعة، والشقاء هو الهلاك، ويطلق على السبب المؤدي إلى الهلاك، وقيل: هو واحد دركات جهنم، والمعنى: من موضع أهل الشقاوة وهي جهنم، أو من يحصل لنا فيه شقاوة، أو هو مصدر إما مضاف إلى المفعول أو إلى الفاعل، أي: من درك الشقاء إيانا، أو من دركنا الشقاء .
( وسوء القضاء) أي: المقضي؛ لأن قضاء الله كله حسن لا سوء فيه، وهذا عام في أمر الدارين nindex.php?page=hadith&LINKID=687896 ( وشماتة الأعداء) أي: فرحهم ببلية تنزل بعدوهم، وسرورهم مما حل بهم من الرزايا والبلايا، وهذه الخصلة الأخيرة تدخل في عموم كل واحدة من الثلاثة قبلها، وكل واحدة من الثلاثة مستقلة؛ فإن كل أمر يكون يلاحظ فيه جهة المبدأ وهو سوء القضاء، وجهة المعاد وهو درك الشقاء، وجهة المعاد وهو جهد البلاء وشماتة الأعداء، يقع بكل منهما .
قال العراقي: متفق عليه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة.
قلت: وكذلك رواه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي، nindex.php?page=showalam&ids=12070فالبخاري رواه في كتاب القدر وغيره، nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم في الدعوات، كلهم بلفظ: "تعوذوا بالله" بدل: "اللهم إني أعوذ بك" .