إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وإذا سجدت فقل اللهم لك سجدت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت ، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره ، فتبارك الله أحسن الخالقين " اللهم سجد لك سوادي وخيالي وآمن بك فؤادي أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي وهذا ما جنيت على نفسي فاغفر لي فإنه ؛ لا يغفر الذنوب إلا أنت أو تقول : سبحان ربي الأعلى ، ثلاث مرات
( وإذا سجدت فقل) قال مسلم في صحيحه: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا يوسف بن يعقوب بن الماجشون، حدثنا أبي، عن الأعرج، عن عبد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد قال: ( اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه) وصوره، فأحسن صوره ( وشق سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين") لفظ مسلم: "تبارك الله" من غير فاء، وبالفاء رواية الحاكم من حديث عائشة على ما سيأتي ذكره .

ورواه أبو نعيم في المستخرج، عن حبيب بن الحصين، حدثنا يوسف القاضي، حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي.

[ ص: 96 ] ورواه الطبراني في الدعاء، عن علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، وحجاج بن المنهال، قالا: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمى، حدثنا الماجشون، وقال العدني في مسنده: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء، عن أبي العالية، عن عائشة -رضي الله عنها- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في سجود القرآن بالليل: سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته".

ورواه أحمد، عن هشام، عن خالد الحذاء نحوه .

وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة، كلهم عن بندار، عن عبد الوهاب الثقفي، وأخرجه ابن خزيمة والحاكم من رواية وهب بن خالد، وخالد بن عبد الله الواسطي، كلاهما عن خالد الحذاء، قال ابن خزيمة: وخالد الحذاء لم يسمع من أبي العالية، بل بينهما، قال الحافظ: كأنه يشير إلى ما رواه إسماعيل ابن علية فقال: عن خالد الحذاء، عن رجل، عن أبي العالية، عن عائشة، وخفيت علته عن الترمذي، فصححه، واغتر ابن حبان بظاهره فأخرجه في صحيحه عن ابن خزيمة، وتبعه الحاكم في تصحيحه، وكأنهما لم يستحضرا الكلام أمامهما فيه .

وذكر الدارقطني الاختلاف فيه، وقال: الصواب رواية إسماعيل، وأخرجه من طريق محمد بن المثنى، عن عبد الوهاب الثقفي، فذكر الحديث بتمامه سندا ومتنا، وقال بعد قوله: "فتبارك الله أحسن الخالقين" .

وأخرجه من طريق أخرى، عن محمد بن المثنى بدون هذه الزيادة .

( اللهم سجد لك سوادي) أي: شخصي ( وخيالي) وفي رواية: تقديم خيالي على سوادي ( وبك آمن فؤادي) وفي رواية: وآمن بك فؤادي ( أبوء بنعمتك علي وأبوء بذنبي) وفي رواية: الاقتصار على قوله: أبوء بنعمتك علي ( هذا ما جنيت على نفسي) وفي رواية: هذه يدي وما جنيت على نفسي ( فاغفر لي؛ إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) .

قال العراقي: رواه الحاكم من حديث ابن مسعود، وقال: صحيح الإسناد، وليس كما قال، بل هو ضعيف. اهـ .

قلت: لفظ الحاكم في المستدرك كما ساقه المصنف، إلا أنه لم يذكر: "وأبوء بذنبي" وبعده عنده: "وهذا ما جنيت على نفسي، يا عظيم! يا عظيم! فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب العظيمة إلا الرب العظيم" .

وأخرجه البزار من حديثه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في سجوده، فذكره، وله شاهد من حديث عائشة، أخرجه أبو يعلى من طريق عثمان بن عطاء، عن أبيه، عنها، قالت: "فقدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة من الفراش، فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان، وهو يقول: اللهم أعوذ برضاك من سخطك" فساقه، وزاده في آخره: "سجد لك سوادي، وآمن بك فؤادي" وسنده ضعيف، وعطاء هو الخراساني، لم يدرك عائشة .

( أو تقول: سبحان ربي الأعلى، ثلاث مرات) قال العراقي: رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ابن مسعود، وهو منقطع. اهـ .

قلت: سبق في أذكار الركوع أن الترمذي بعدما أورده قال: ليس إسناده بمتصل؛ عون لم يلق ابن مسعود، وكذا قال البيهقي، إلا أنه عبر بقوله: لم يدرك، وتقدم أيضا حديث الشعبي، عن صلة بن زفر، عن حذيفة قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم ثلاثا، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثا".

وعند أبي داود من حديث عقبة بن عامر: "كان -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثا" وعنده أيضا من طريق سعيد الجريري، عن أسعد، عن أبيه أو عمه قال: "رمقت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان يمكث في ركوعه وسجوده بقدر ما يقول: سبحان الله وبحمده ثلاثا".

* ( تنبيه) *

في ذكر بعض أدعية الركوع والسجود مما لم يذكره المصنف

فمنها حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن" وفي رواية: "كان يكثر أن يقول" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.

وفي رواية عنها: "ما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة منذ أنزل عليه إذا جاء نصر الله والفتح إلا دعا فيها: سبحانك ربي وبحمدك، اللهم اغفر لي" رواه هكذا مسلم.

وفي رواية عنها قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر قبل موته من قول: سبحان ربي وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه" رواه مسلم أيضا، وفيه دلالة على عدم التخصيص بحال الصلاة .

وفي حديثها أيضا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في ركوعه وسجوده: "سبوح [ ص: 97 ] قدوس رب الملائكة والروح" رواه مسلم وأبو داود، عن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، ويقول في سجوده مثل ذلك" رواه أبو داود والنسائي في سننهما، والترمذي في الشمائل، والطبراني في الدعاء .

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "افتقدت النبي -صلى الله عليه وسلم- فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتحسست، ثم رجعت، فإذا هو ساجد يقول: سبحانك وبحمدك، لا إله إلا أنت، فقلت بأبي وأمي إنك لفي شأن وإني لفي آخر" رواه مسلم.

وعن أبي هريرة، عن عائشة -رضي الله عنهما-: "فقدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة من الفراش، فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك" رواه مسلم أيضا .

وقد تقدم هذا الحديث للمصنف في آخر كتاب تلاوة القرآن، وسيأتي له كذلك في هذا الباب، ورواه صالح بن سعيد، عن عائشة -رضي الله عنها- "أنها فقدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مضجعه، فلمسته بيدها، فوقعت عليه وهو ساجد، وهو يقول: آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها" رواه أحمد، ورواه هلال بن يسار عنها قالت: "فقدت النبي -صلى الله عليه وسلم- من مضجعه فجعلت ألتمسه، وظننت أنه أتى بعض جواريه، فوقعت يدي عليه وهو ساجد يقول: اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت" رواه النسائي.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في سجوده: "اللهم اغفر لي ذنبي دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلانيته" رواه مسلم وأبو داود والنسائي والطبراني.

وعن علي -رضي الله عنه- قال: "من أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد في سجوده: رب ظلمت نفسي فاغفر لي" رواه الطبراني في الدعاء، وهو في حكم المرفوع، وإن لم يصرح برفعه .

* ( فصل) *

ولم يذكر المصنف ما يدعى به بين السجدتين هنا، وأورده في كتاب الصلاة، وذكر هناك عشر كلمات مجموعة من روايات مختلفة، وقد قال الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار: إن النووي ذكر في شرح المهذب تبعا للرافعي وغيره بلفظ: "رب اغفر لي، واجبرني، وعافني، وارزقني، واهدني" ثم قال: والأحب أن يضم إليها: "وارحمني وارفعني" فقد ورد ذلك .

وذكره في الروضة بلفظ: "اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني" وهو موافق لرواية الترمذي، ورواية أبي داود مثلها لكن قال: "عافني" بدل "اجبرني" ورواية ابن ماجه مثل الترمذي، لكن قال: "وارفعني" بدل "اجبرني" فينتظم من رواية الثلاثة ما ذكره في شرح المهذب .

وجمعها ابن عدي إلا "ارفعني" ومثله ابن حبان، لكن عنده "انصرني" بدل "اهدني" واتفقت روايات الجميع على إثبات: "اغفر لي وارحمني" .

التالي السابق


الخدمات العلمية