إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فإذا فرغت من الصلاة فقل : " اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، تباركت يا ذا الجلال والإكرام " وتدعو بسائر الأدعية التي ذكرناها .

فإذا قمت من المجلس ، وأردت دعاء يكفر لغو المجلس فقل : سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، عملت سوءا وظلمت ، نفسي ، فاغفر لي ؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .


( فإذا فرغت من الصلاة فقل: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام") قال العراقي: رواه مسلم من حديث ثوبان. اهـ .

قلت: ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ولفظهم جميعا: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من صلاته استغفر ثلاثا، وقال: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام" قال الوليد: فقلت للأوزاعي: كيف الاستغفار؟ قال: تقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله .

( وتدعو بسائر الأدعية التي ذكرناها) وبسائر الأذكار المذكورة من التهليل والتسبيح والتكبير والاستغفار والتعوذ مما ورد التصريح به أنه في دبر الصلوات، فمن الأذكار التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وكمال المائة: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، فإن قال ذلك غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" رواه مسلم وأبو داود والنسائي.

وعن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- أنه كان يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. وقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهلل بهن دبر كل صلاة" رواه مسلم وأبو داود والنسائي.

وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: [ ص: 98 ] "أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أقرأ المعوذات دبر كل صلاة" رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وابن حبان والحاكم في صحيحيهما، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، واللفظ لأبي داود والنسائي، ولفظ الترمذي: "أن أقرأ بالمعوذتين في دبر كل صلاة".

وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت" رواه النسائي عن الحسين بن بشر، عن محمد بن حميد بن زياد الألهاني، عن أبي أمامة رضي الله عنه .

وأما الأدعية: فمنها ما تقدم للمصنف ما وقع التصريح فيه بأنه يقال في دبر الصلوات، كقوله: "أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر" رواه البخاري والترمذي والنسائي، عن عمرو بن ميمون الأودي أن سعد بن أبي وقاص كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان .

وعن علي -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سلم من الصلاة قال: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت" رواه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه، واللفظ لأبي داود، وقال الترمذي: حسن صحيح، وأخرجه مسلم مختصرا .

وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيده يوما، ثم قال: يا معاذ! والله إني لأحبك! فقال له معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! وأنا والله أحبك، قال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" وأوصى بذلك معاذ الصنابحي، وأوصى به الصنابحي أبا عبد الرحمن، وأوصى به أبو عبد الرحمن عقبة بن مسلم. رواه أبو داود، والنسائي واللفظ له، والحاكم وابن حبان في صحيحيهما، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين .

وعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو في دبر الصلاة: اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أنك الرب وحدك لا شريك لك، اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- عبدك ورسولك، اللهم ربنا ورب كل شيء أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة، اللهم ربنا ورب كل شيء اجعلني مخلصا لك في كل ساعة في الدنيا والآخرة، ذا الجلال والإكرام اسمع واستجب، الله الأكبر الأكبر، نور السموات والأرض، الله الأكبر الأكبر، حسبي الله ونعم الوكيل، الله الأكبر الأكبر" رواه أبو داود والنسائي، وهذا لفظه .

وعن مسلم بن أبي بكرة قال: "كان أبي يقول في دبر الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر، فكنت أقولهن، فقال أبي: عمن أخذت هذا؟ فقلت عنك، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقولهن في دبر كل صلاة" ورواه النسائي واللفظ له، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.

وعن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه "أن كعبا حلف بالله الذي فلق البحر لموسى أنا نجد في التوراة أن داود نبي الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا انصرف من صلاته قال: اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته لي عصمة، وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي، اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من نقمتك، وأعوذ بك منك، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" .

وحدثني كعب أن صهيبا حدثه "أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- كان يقولهن عند انصرافه من صلاته"
رواه النسائي واللفظ له، وابن حبان في صحيحه بمعناه، وأبو مروان الأسلمي مختلف في صحبته .

وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: ما صليت وراء نبيكم -صلى الله عليه وسلم- إلا سمعته حين ينصرف من صلاته يقول: اللهم اغفر لي خطاياي وذنوبي كلها، اللهم انعشني وارزقني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق؛ إنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت" رواه الحاكم في المستدرك .

وعن الربيع بن عميلة الفزاري قال: "كان عمر -رضي الله عنه- إذا انصرف من صلاته قال: اللهم أستغفرك لذنبي، وأستهديك لراشد أمري، وأتوب إليك فتب علي، اللهم أنت ربي، فاجعل رغبتي إليك، واجعل غناي في صدري، وبارك لي فيما رزقتني، وتقبل مني؛ إنك أنت ربي" رواه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف .

( فإذا قمت من مجلس، وأردت دعاء يكفر لغو المجلس فقل: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك [ ص: 99 ] وأتوب إليك، عملت سوءا، أو ظلمت نفسي، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) .

قال العراقي: رواه النسائي في اليوم والليلة من حديث رافع بن خديج بإسناد حسن. اهـ .

قلت: ورواه كذلك الحاكم في المستدرك، ولفظ النسائي: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بآخرة إذا اجتمع إليه أصحابه فأراد أن ينهض قال" فذكره، قال: "قلنا: يا رسول الله إن هذه كلمات أحدثتهن؟ قال: أجل، أتاني جبريل -عليه السلام- فقال: يا محمد هي كفارات المجلس".

وقوله: "بآخرة" أي: في آخر الأمر .

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم، إلى قوله: وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك" رواه أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وابن حبان، وقال الترمذي -واللفظ له-: حسن صحيح غريب من هذا الوجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية