إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فإن كان عليك دين فقل : اللهم اكفني بحلالك عن حرامك ، وأغنني بفضلك عمن سواك .


( فإن كان عليك دين) عجزت عن أدائه ( فقل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني) بقطع الهمزة ( بفضلك عمن سواك) قال العراقي: رواه الترمذي وقال: حسن غريب، والحاكم وقال: صحيح الإسناد من حديث علي بن أبي طالب. اهـ .

قلت: أخرجه الترمذي، عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، عن يحيى بن حسان، عن أبي معاوية، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن يسار بن الحكم، عن شقيق أبي وائل قال: "أتى عليا -رضي الله عنه- رجل فقال: يا أمير المؤمنين أنا عجزت عن مكاتبتي فأعني، فقال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو كان مثل جبل صبير دينا لأداه الله عنك، قال: قل: اللهم اكفني" فساقه .

وأخرجه الحاكم من رواية يحيى بن يحيى النيسابوري، عن أبي معاوية.

وأخرجه الطبراني في الدعاء فقال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان، حدثنا أبو معاوية.

وقوله: "صبير" كأمير، جبل، هكذا هو في نسخ الترمذي، وفي العباب للصاغاني: صير، بكسر الصاد وسكون التحتية، جبل بالساحل بين سيراف وعمان .

قلت: وصبر ككتف، جبل عظيم باليمن، يطل على تعز .

ولنسق هنا أدعية تناسب الباب:

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل علي أبو بكر -رضي الله عنه- فقال: "سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعاء علمنيه، قلت: ما هو؟ قال: كان عيسى ابن مريم يعلمه أصحابه، قال: لو كان على أحدكم جبل ذهب دينا فدعا الله بذلك لقضاه الله عنه: اللهم فارج الهم، وكاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، رحمن الدنيا ورحيمها، أنت ترحمني فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك" قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: "وكانت علي بقية من الدين، وكنت للدين كارها، فكنت أدعو بذلك، فأتاني الله بفائدة، فقضى الله عني" .

قالت عائشة: [ ص: 100 ] "وكان لأسماء بنت عميس علي دينار وثلاثة دراهم، فكانت تدخل علي فأستحيي أن أنظر في وجهها؛ لأني لا أجد ما أقضيها، فكنت أدعو بذلك، فما لبث إلا يسيرا حتى رزقني الله رزقا ما هو بصدقة تصدق بها علي، ولا ميراث ورثته، فقضاه الله عني، وقسمت في أهلي قسما حسنا، وحليت ابنة عبد الرحمن بثلاثة أواق من ورق، وفضل لنا فضل حسن"
رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح .

وأخرجه أبو بكر بن أبي الدنيا في الدعاء، فقال: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى البصري، حدثنا الحجاج بن المنهال، حدثنا عبد الله بن عمر النميري، عن يونس بن يزيد الأيلي، حدثني الحكم بن عبد الله، عن القاسم بن محمد، عن عائشة -رضي الله عنها- فساقه سواء، إلا أنه قال: "رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما".

قال: وحدثنا عبد المتعال بن طالب، حدثنا عبد الله بن وهب، عن سعيد بن زيد، عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب "أن عيسى -عليه السلام- فقد رجلا من الحواريين، فقال: ما لي لم أرك؟ فقال: للهم والدين يا روح الله، قال: إذا قلت كلمات لو كان عليك طمام البحر لأذهبه الله، قال: ما هي؟ قال: تقول: اللهم يا فارج الهم، وكاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك".

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت صلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاما إذا قلته أذهب الله همك، وقضى دينك، قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجر والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: فقلت ذلك، فأذهب الله همي، وقضى عني ديني" رواه أبو داود.

وقال ابن أبي الدنيا في الدعاء: حدثنا أبو هاشم الرفاعي، حدثنا أبو أسامة، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح عم أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "جاءت فاطمة -رضي الله عنها- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تسأله خادما، فقال: ألا أدلك على ما هو خير من خادم، تسبحين ثلاثا وثلاثين تسبيحة، وتكبيرين أربعا وثلاثين تكبيرة، وتحمدين ثلاثا وثلاثين تحميدة، وتقولين: اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين، وأغنني من الفقر".

قال: وحدثني إبراهيم بن سعيد، حدثنا أبو معاوية، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "ما دعا عبد قط بهذه الدعوات إلا أوسع الله عليه في معيشته، من قال: يا ذا المن ولا يمن عليك، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول، لا إله إلا أنت، ظهر اللاجين، وجار المستجيرين، ومأمن الخائفين، إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقيا فامح عني اسم الشقاء، وأثبتني عندك سعيدا، وإن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب محروما، مقترا علي رزقي، فامح حرماني، ويسر رزقي، وأثبتني عندك سعيدا موفقا للخير؛ فإنك تقول في كتابك الذي أنزلت: يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ".

قلت: وهذا الدعاء يستعمله الناس في ليلة النصف من شعبان .

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا داود بن رشيد، عن لهيعة بن الوليد، عن هاشم بن مسلمة، عن يزيد، عن مكحول، عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كان عليه دين فقال: اللهم منزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم، ورب جبريل وميكائيل وإسرافيل، ورب الظلمات والنور، ورب الظل والحرور، أسألك أن تفتح لي باب الرحمة، وأن تحل عقدتي من ديني، وتؤدي عني أمانتي إليك وإلى خلقك، إلا قضى الله عنه دينه".

قال: وأخبرنا أبو عبد الله حمد بن إدريس، عن يزيد بن زريع الرملي، عن عطاء الخراساني قال: قال معاذ بن جبل -رضي الله عنه- "شكوت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- دينا كان علي، فقال: يا معاذ! تحب أن يقضى دينك؟ قال: فقلت: نعم، قال: قل: اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطي منهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء، اقض عني ديني [ ص: 101 ] فلو كان عليك ملء الأرض ذهبا أدى عنك".

قال: وحدثني سويد بن سعيد، عن خالد بن عبد الله الرومي قال: "استودع محمد بن المنكدر وديعة، فاحتاج إليها فأنفقها، ثم جاء صاحبها يطلبها، فقام يصلي ويدعو، فكان من دعائه: يا ساد السموات بالهواء، ويا كاسي الأرض على الماء، ويا واحدا قبل كل أحد كان، ويا واحدا بعد كل واحد يكون، أسألك أن تؤدي عني أمانتي، فإذا هاتف يقول: خذ هذه فأدها عن أمانتك، وأقصر الخطبة؛ فإنك لن تراني".

التالي السابق


الخدمات العلمية