إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فإن أردت النوم فتوضأ أولا ثم توسد على يمينك مستقبل القبلة ثم كبر الله تعالى أربعا وثلاثين وسبحه ثلاثا وثلاثين واحمده ثلاثا وثلاثين ثم قل : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، اللهم إني لا أستطيع أن أبلغ ثناء عليك ولو حرصت ، ولكن أنت كما أثنيت على نفسك اللهم باسمك أحيا وأموت اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب كل شيء ومليكه ، فالق الحب والنوى ، ومنزل التوراة والإنجيل والقرآن ، أعوذ بك من شر كل ذي شر ، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها ، أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عني الدين ، وأغنني من الفقر اللهم إنك خلقت نفسي وأنت تتوفاها " لك مماتها ومحياها اللهم إن أمتها فاغفر لها وإن أحييتها فاحفظها اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة باسمك ربي وضعت جنبي فاغفر لي ذنبي اللهم قني عذابك يوم تجمع عبادك اللهم أسلمت لك نفسي إليك ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك وألجأت ، ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت .

ويكون هذا آخر دعائك ، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وليقل قبل ذلك اللهم أيقظني في أحب الساعات إليك ، واستعملني بأحب الأعمال إليك تقربني إليك زلفى ، وتبعدني من سخطك بعدا ، أسألك فتعطيني ، وأستغفرك فتغفر لي ، وأدعوك فتستجيب لي .


( وإن أردت النوم فتوضأ أولا) وإن كان متوضئا كفاه ذلك ( ثم توسد على يمينك) أي: ضع رأسك على الوسادة على جهة يمينك فهو السنة؛ لأن القلب جهة اليسار، فإذا نام على اليمين تعلق قلبه، فهو أسرع لانتباهه من نومه، وهذه الهيئة نومة الأنبياء .

وعند مسلم من حديث أبي هريرة: "فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن" وعند الستة من حديث البراء: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن" وفي رواية للبخاري: "كان إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن" وفي رواية لأبي داود: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أويت إلى فراشك وأنت طاهر فتوسد يمينك".

( مستقبل القبلة) إن استطاع ذلك؛ فإن أكرم المجالس ما استقبل به القبلة ( ثم كبر الله أربعا وثلاثين) تكبيرة ( وسبح ثلاثة وثلاثين) تسبيحة ( واحمده ثلاثا وثلاثين) تحميدة، فتلك المئة. قال العراقي: متفق عليه من حديث علي. اهـ. .

قلت: لفظ هذا الحديث عن علي: "أن فاطمة -رضي الله عنها- أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- تسأله خادما، فقال: ألا أخبرك ما هو خير لك منه! تسبحين الله عند منامك ثلاثا وثلاثين، وتحمدين الله ثلاثا وثلاثين، وتكبرين الله أربعة وثلاثين -ثم قال سفيان: إحداهن: أربعا وثلاثين- فما تركتها بعد، قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.

وفي رواية للبخاري: "إن فاطمة -رضي الله عنها- شكت ما تلقى في يدها من الرحى، فأتت النبي -صلى الله عليه وسلم- تسأله خادما، فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة -رضي الله عنها- فلما جاء -صلى الله عليه وسلم- أخبرته، قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت أقوم، فقال: مكانك، فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم! إذا أويتما إلى فراشكما أو أخذتما مضاجعكما، فكبرا ثلاثا وثلاثين، وسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم".

وعن شعبة، عن خالد، عن ابن سيرين قال: التسبيح: أربعا وثلاثين .

وفي بعض طرق النسائي: التحميد: أربعا وثلاثين، وهو الموافق لما أراده المصنف هنا .

زاد أبو داود في بعض طرقه قالت: "رضيت عن الله -عز وجل- وعن رسوله صلى الله عليه وسلم" .

( ثم قال: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، اللهم لا أستطيع أن أبلغ ثناء عليك ولو حرصت، ولكن أنت كما أثنيت على نفسك) قال العراقي: رواه النسائي في اليوم والليلة من حديث علي، وفيه انقطاع. اهـ .

قلت: تقدم هذا الدعاء في آخر تلاوة القرآن، وذكرت هناك ما يتعلق بمعناه، وهو من أذكار السجود، مروي عن عائشة -رضي الله عنها- رواه مسلم من طريق الأعرج، عن أبي هريرة عنها، وفيه بعد قوله: "منك": "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" .

وله طرق أخرى:

منها: عند ابن خزيمة من رواية النضر، عن عروة عنها، نحو حديث أبي هريرة عنها، لكن قال في آخره: "أثني عليك ولا أبلغ كل ما فيك" وسنده صحيح .

ومنها: في الخلفيات من طريق علي بن الحسين عنها، وقال في آخره: [ ص: 109 ] "لا أحصي أسمائك، ولا ثناء عليك" وسنده ضعيف .

( اللهم باسمك أحيا وأموت) قال العراقي: رواه البخاري من حديث حذيفة، ومسلم من حديث البراء. اهـ .

قلت: رواه أيضا أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن حذيفة، قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أوى إلى فراشه قال: باسمك أموت وأحيا، وإذا نام قال: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور".

ورواه أحمد والترمذي عن البراء، ورواه أيضا أحمد والشيخان عن أبي ذر: "كان إذا أخد مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول: باسمك أحيا وباسمك أموت" والباقي كسياق حذيفة.

( اللهم رب السموات والأرض ورب كل شيء ومليكه، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل ذي شر، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين، وأغنني من الفقر) قال العراقي: رواه مسلم من حديث أبي هريرة. اهـ .

قلت: ولفظه عن سهيل قال: "كان ابن صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام أن يضطجع على شقه الأيمن، ثم يقول: اللهم رب السموات السبع ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول" فساقه إلخ، إلا أنه قال في آخره: "اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر" رواه الجماعة إلا البخاري.

وقال ابن أبي الدنيا في كتاب الدعاء: حدثنا أبو هشام الرفاعي، حدثنا أبو أسامة، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "جاءت فاطمة -رضي الله عنها- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تسأله خادما، فقال: ألا أدلك على ما هو خير لك من خادم" فساق الحديث، وفيه ذكر هذا الدعاء بمثل سياق الجماعة، وقد قدمت ذكره قريبا عند دعاء الدين .

( اللهم إنك خلقت نفسي وأنت تتوفاها" ) هكذا بتاءين، وفي بعض الروايات بحذف إحداهما تخفيفا ( لك مماتها ومحياها) أي: أنت المالك لإحيائها ولإماتتها، أي: وقت شئت، لا مالك لهما غيرك ( اللهم إن أمتها فاغفر لها) أي: ذنوبها ( وإن أحييتها فاحفظها) من التورط فيما لا يرضيك ( اللهم إني أسألك) أي: أطلب منك ( العافية) أي: السلامة، في الدين من الافتتان وكيد الشيطان، والدنيا من الآلام والأسقام .

قال العراقي: رواه مسلم من حديث ابن عمر. اهـ .

قلت: وكذلك رواه النسائي من طريق خالد، سمعت عبد الله بن الحارث يحدث عن عبد الله بن عمر أنه أمر رجلا إذا أخذ مضجعه أن يقول: "اللهم خلقت نفسي وأنت تتوفاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها، وإن أمتها فاغفر لها، اللهم أسألك العافية. فقال له رجل: سمعت هذا من عمر؟ فقال: من خير من عمر، من رسول الله صلى الله عليه وسلم".

( باسمك ربي وضعت جنبي فاغفر لي ذنبي) قال العراقي: رواه النسائي في اليوم والليلة من حديث عبد الله بن عمرو بسند حسن، وللشيخان من حديث أبي هريرة: "باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها -وقال البخاري: فارحمها- وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين" اهـ .

قلت: ولفظ حديث أبي هريرة: "إذا جاء أحدكم إلى فراشه فلينفضه ببضعة ثوبه ثلاث مرات، وليقل: باسمك ربي" الحديث، ورواه الجماعة، ولفظ مسلم: "فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه، وليسم الله؛ فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه، فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن، وليقل: سبحانك ربي! لك وضعت جنبي" وباقيه مثله .

وفي رواية للبخاري: "فارحمها" بدل "فاغفر لها" كما ذكره الشيخ .

وروى أبو داود من حديث أبي الأزهر الأنماري -رضي الله عنه- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال: بسم الله وضعت جنبي، اللهم اغفر لي ذنبي، وأخسئ شيطاني، وفك رهاني، واجلعني في الندي الأعلى".

ورواه الحاكم في المستدرك، وقال فيه: "وثقل ميزاني، واجعلني في الملأ الأعلى" .

( اللهم قني عذابك يوم تجمع عبادك) أي: يوم النشور .

قال العراقي: رواه الترمذي في الشمائل من حديث ابن مسعود، وهو عند أبي داود من حديث حفصة بلفظ: "تبعث" وكذا رواه الترمذي من حديث حذيفة وصححه، ومن حديث البراء وحسنه. اهـ. .

قلت: ولفظ حديث حفصة -رضي الله عنها- قالت: "كان إذا [ ص: 110 ] أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده، ثم يقول: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك، ثلاثة مرات" هذا لفظ أبي داود، وكذا رواه النسائي، ورواه الترمذي من حديث البراء بمعناه، وقال: ليس غريبا من هذا الوجه، ورواه ابن أبي الدنيا في الدعاء من طريق قتادة عن أنس بمثل حديث حفصة.

( اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك) أي: خوفا منك ورهبة إليك ( لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت، ويكون هذا آخر دعائك، فقد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك) قال العراقي: متفق عليه من حديث البراء. اهـ .

قلت: لفظ حديث البراء قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك" فساقه، إلى قوله: "أرسلت" ثم قال بعده: "فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به" قال: فرددتها على النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما بلغت: "آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت: ورسولك، قال: لا، ونبيك الذي أرسلت" رواه الجماعة .

وفي رواية للبخاري أيضا: "فإنك إن مت من ليلتك مت على الفطرة، وإن أصبحت أصبت خيرا".

وفي رواية للبخاري أيضا: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أوى على فراشه نام على شقه الأيمن، ثم قال: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك" فذكر مثله، غير أنه قال: "وبنبيك" كما هو في سياق المصنف .

وفي رواية لأبي داود: "قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا أويت إلى فراشك وأنت طاهر فتوسد يمينك" ثم ذكر نحوه .

وفي رواية للنسائي: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أوى إلى فراشه توسد يمينه، ثم قال: بسم الله" فذكره بمعناه .

( وليقل قبل ذلك) أي: قبل قراءته لهذا الدعاء ( اللهم أيقظني في أحب الساعات إليك، واستعملني بأحب الأعمال لديك تقربني لديك زلفى، وتبعدني من سخطك بعدا، أسألك فتعطيني، وأستغفرك فتغفر لي، وأدعوك فتستجيب لي) .

قال العراقي: رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عباس: "اللهم ابعثنا في أحب الساعات إليك؛ حتى نذكرك فتذكرنا، ونسألك فتعطينا، وندعوك فتستجيب لنا" وإسناده ضعيف، وهو معروف من قول حبيب الطائي، كما رواه ابن أبي الدنيا. اهـ .

قلت: هكذا هو لفظ العراقي، والصواب: من قول حبيب أبي محمد، أي: المعروف بالعجمي، قال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب الدعاء: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير، حدثنا الحارث بن موسى الطائي، حدثنا حبيب أبو محمد قال: "إذا أوى العبد إلى فراشه قال: اللهم لا تنسني ذكرك، ولا تؤمني مكرك، ولا تجعلني من الغافلين، ونبهني لأحب الساعات إليك، أذكرك فتذكرني، وأدعوك فتستجيب لي، وأسألك فتعطيني، وأستغفرك فتغفر لي، بعث الله إليه ملكا فنبهه، فإن هو قام فتوضأ فسأل ذلك، وإلا صعد ذلك الملك، فصلى، ثم يبعث إليه ملك آخر، فيفعل مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكا آخر، فيفعل مثل ذلك، وكان صلاة الأملاك له حتى يصبح".

قال أحمد بن إبراهيم: وحدثني أخي أن معتمر بن سليمان حدثهم بهذا الحديث، عن عبد الحارث بن موسى، قال: "وأثنى عليه خيرا". اهـ .

وروى ابن النجار، عن ابن عباس بنحو سياق الديلمي، ولفظه: "من قال عند منامه: اللهم لا تؤمنا مكرك" فساقه إلى قوله: "الغافلين" ثم قال: "اللهم ابعثنا في أحب الساعات إليك" وفيه: "إلا بعث الله إليه ملكا في أحب الساعات إليه، فيوقظه، فإن قام وإلا صعد الملك، فيعبد الله في السماء، ثم يعرج إليه ملك آخر فيوقظه، فإن قام وإلا صعد الملك، فقام مع صاحبه، ويعرج إليه ملك آخر، فيوقظه، فإن قام وإلا صعد الملك فقام مع صاحبيه، فإن قام بعد ذلك ودعا استجيب له، فإن لم يقم كتب الله له ثواب أولئك الملائكة"،وقد تقدم الكلام على أول هذا الحديث مختصرا في أول هذا الكتاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية