إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ولمن يتردد " في استيقاظه تلطف استحسنه بعض العلماء ، وهو أن يصلي بعد الوتر ركعتين جالسا على فراشه عند النوم ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزحف إلى فراشه ويصليهما ويقرأ فيهما إذا زلزلت و ألهاكم لما فيهما من التحذير والوعيد وفي رواية : قل يا أيها الكافرون لما فيها من التبرئة وإفراد العبادة لله تعالى فقيل : إن استيقظ قامتا مقام ركعة واحدة وكان له أن يوتر بواحدة في آخر صلاة الليل وكأنه صار ما مضى شفعا بهما ، وحسن استئناف الوتر .

واستحسن هذا أبو طالب المكي وقال فيه : ثلاثة أعمال : قصر الأمل ، وتحصيل الوتر ، والوتر آخر الليل وهو كما ذكره ، لكن ربما يخطر : أنهما لو شفعتا ما مضى لكان كذلك وإن لم يستيقظ وأبطل ، وتره الأول ، فكونه شافعا إن استيقظ غير مشفع إن نام فبه نظر إلا أن يصح من رسول الله صلى الله عليه وسلم إيتاره قبلهما ، وإعادته الوتر ، فيفهم منه أن الركعتين شفع بصورتهما ، وتر بمعناهما ، فيحسب وترا إن لم يستيقظ ، وشفعا إن استيقظ .


( وإن تردد في استيقاظه فليفعل ما استحسنه بعض العلماء، وهو أن يصلي بعد الوتر ركعتين جالسا على فراشه عند النوم، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يزحف إلى فراشه ويصليهما) تقدم في كتاب الصلاة أنه رواه مسلم من حديث "كان يصلي بعد الوتر جالسا ركعتين" ورواه أحمد من حديث أبي أمامة، والبيهقي من حديث أنس بنحوه، وليس فيه: "يزحف إلى فراشه" .

( ويقرأ فيهما) جالسا ( إذا زلزلت الأرض و ألهاكم التكاثر ) فقد جاء ذلك في حديثين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ فيهما بذلك ( لما فيهما) أي: في التكاثر والزلزلة ( من التحذير والوعيد) والتخويف والوعظ ( وفي رواية: قل يا أيها الكافرون ) بدل التكاثر ( لما فيها من التبرئة) من عبادة سوى المعبود ( وإفراد العبادة لله عز وجل) بالتوحيد .

زاد صاحب القوت: "وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بها عند النوم، وأوصى رجلا بقراءتها عند النوم" .

( فقيل: إن) كان صلى ركعتين من جلوس بعد وتره الأول، ثم ( استيقظ) للصلاة ( قامتا مقام ركعة واحدة) تشفع له ركعة الوتر التي صلاها قبلها ( وكان له أن) يستأنف الصلاة بالليل ما بدا له، ثم ( يوتر في آخر صلاته) بركعة ( فكأنه صار ما مضى شفعا بهما، وحسن استنئاف الوتر، واستحسن هذا) الإمام ( أبو طالب المكي) في القوت، بعد أن نقل عن بعض العلماء أنه يصلي ركعة واحدة يشفع بها وتره من أول الليل، ثم يصلي صلاته من الليل، ويوتر آخر صلاته .

وقد روي في هذا أثر عن عثمان وعلي رضي الله عنهما ( وقال فيه: ثلاثة أعمال: قصر الأمل، وتحصيل الوتر، والوتر آخر الليل) هكذا لفظه في القوت، وتبعه صاحب العوارف، فقال: وقد كان بعض العلماء إذا أوتر قبل النوم ثم قام يتهجد يصلي ركعتين جالسا، يقرأ فيهما بـ إذا زلزلت و ألهاكم .

وقيل: الركعتان قاعدا بمنزلة الركعة، فإنما تشفع له الوتر، حتى إذا أراد التهجد يأتي به، ويوتر في آخر تهجده، ونية [ ص: 157 ] هاتين الركعتين نية النفل لا غير ذلك، وكثيرا رأيت الناس يتفاوضون في كيفية نيتهما. اهـ .

وقد نظر المصنف في كلام صاحب القوت ( وهو كما ذكره، لكن ربما يخطر: أنهما لو شفعتا ما مضى لكان كذلك وإن لم يستيقظ، ويبطل وتره الأول، فكونه مشفعا إن استيقظ غير مشفع إن نام فيه نظر) ظاهر ( إلا أن يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إيتاره قبلهما، وإعادته الوتر، فيفهم منه أن الركعتين شفع بصورتهما، وتر بمعناهما، فيحسب وترا إن استيقظ، وشفعا إن لم يستيقظ) .

قلت: قد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوتر من أول الليل وأوسطه وآخره، وثبت أنه كان يصلي ركعتين جالسا على فراشه عند النوم، فإذا فرض إيتاره -صلى الله عليه وسلم- في أول الليل، ثم صلاة ركعتين عند النوم مع ثبوت قيامه -صلى الله عليه وسلم- كل ليلة وإيتاره بتسع وإحدى عشرة وبثلاث عشرة، فإذا جمعت هذه الروايات ثبت ضمنا صحة إيتاره قبلهما، وأنه كان يعيد الوتر في تلك الصورة الخاصة، أعني: إذا أوتر من أول ليلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية