إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الثاني العالم الذي ينفع الناس بعلمه في فتوى أو تدريس أو تصنيف فترتيبه الأوراد يخالف ترتيب العابد فإنه يحتاج إلى المطالعة للكتب وإلى التصنيف والإفادة ويحتاج إلى مدة لها لا محالة فإن أمكنه استغراق الأوقات فيه فهو أفضل ما يشتغل به بعد المكتوبات ورواتبها .

ويدل على ذلك جميع ما ذكرناه في فضيلة التعليم والتعلم في كتاب العلم وكيف لا يكون كذلك وفي العلم المواظبة على ذكر الله تعالى ، وتأمل ما قال الله تعالى وقال رسوله ، وفيه منفعة الخلق وهدايتهم إلى طريق الآخرة ورب مسألة واحدة يتعلمها المتعلم فيصلح بها عبادة عمره ولو لم يتعلمها لكان سعيه ضائعا وإنما نعني بالعلم المقدم على العبادة العلم الذي يرغب الناس في الآخرة ويزهدهم في الدنيا أو العلم الذي يعينهم على سلوك طريق الآخرة إذا تعلموه على قصد الاستعانة به على السلوك دون العلوم التي تزيد بها الرغبة في المال والجاه وقبول الخلق
(الثاني العالم الذي ينتفع الناس بعلمه في فتوى أو تدريس أو تصنيف) بأن يكون متصديا لأحد هذه الأوصاف بانفراد كل منها أو ببعضها أو بجميعها، (فترتيبه الأوراد يخالف ترتيب العابد) الذي ذكر قبل هذا، (فإنه) أي: العالم (يحتاج إلى المطالعة للكتب) ومراجعتها (وإلى التصنيف) والتأليف والإفادة، (ويحتاج إلى مدة له) .وفي بعض النسخ: لذلك (لا محالة) فالمفتي يحتاج في إفتائه إلى مطالعة فروع المذهب في كتاب أو كتابين أو أكثر، وربما تكون المسألة ذات وجوه فيستدعي التأني في مراجعته مع التفرغ التام وإحضار الذهن .

والمدرس كذلك يحتاج إلى مطالعة ما يلقيه في درسه مع مراجعة شروح وحواش باستحضار الذهن وسعة النظر .

والمصنف يحتاج إلى مراجعة مواد متألفة بالفن الذي يصنف فيه فيفصل ما أجملوه، ويختصر ما طولوه، ويقرب إلى الأذهان ما استكملوه، ويبين ما أبهموه، وكل ما ذكرنا يحتاج إلى مدة، ولكن هذه المدة تختلف باختلاف الأشخاص والأوقات والأحوال، فالذكي المتوقد الذهن من هؤلاء الثلاثة قد لا يستغرق مدة طويلة، والبليد الذهن قد يتعب فيستدعي إلى صرف الوقت إلى مدة طويلة، (فإن أمكنه استغراق الأوقات في ذلك فهو أفضل ما يشتغل به بعد المكتوبات ورواتبها) لتعدي نفعه ولفضله، (ويدل على ذلك ما ذكرناه في فضيلة التعليم والتعلم في كتاب العلم وكيف لا) يكون ذلك، (وفي العلم المواظبة على ذكر الله عز وجل، وتأمل ما قال الله تعالى وقاله رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وفيه منفعة الخلق) أي: يتعلمونه فينتفعون به في دينهم (وهدايتهم إلى طريق الآخرة) مما يحصل به النجدة من عذابها (ورب مسألة واحدة يتعلمها المتعلم) في دينه (فيصلح عبادة) طول (عمره) بإرشاده لهم إليها، ولو لم يتعلمها لكان سعيها ضائعا، (وإنما نعني بالعلم) المشار إليه (المقدم على العبادة هو العلم الذي يرغب الناس في الآخرة ويزهدهم في الدنيا) ، وهي العلوم الشرعية للفقه والحديث والتصوف (والعلم الذي يعينهم على سلوك الآخرة إذا تعلموه على قصد الاستعانة به على) ذلك (السلوك دون العلوم التي تزيد بها) أي: بتحصيلها (الرغبة في المال والجاه وقبول الخلق) أي: إقبالهم عليه كالاشتغال بالمنطق والفلسفة وعلم الفلك والهيئة، وكالتوغل في غوامض علم النحو والطب والبيطرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية