إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
القسم الثاني :

في آداب حالة الأكل .

وهو أن يبدأ ب بسم الله في أوله وب الحمد لله ، في آخره .

ولو قال مع كل لقمة بسم الله فهو حسن ، حتى لا يشغله الشره عن ذكر الله تعالى ، ويقول مع اللقمة الأولى : بسم الله ومع الثانية : بسم الله الرحمن ، ومع الثالثة : بسم الله الرحمن الرحيم ويجهر به ليذكر غيره .


(القسم الثاني: في آداب حالة الأكل) :

(وهو أن يبدأ باسم الله تعالى في أوله، وبالحمد في آخره) بأن يقول: بسم الله، وفي آخره: الحمد لله. وعن أنس مرفوعا: " من أحب أن يكثر خير بيته فليتوضأ إذا حضر غذاؤه، ثم يسم الله تعالى ". فقوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه تفسيره: تسمية الله تعالى عند ذبح الحيوان، واختلف الشافعي وأبو حنيفة في وجوب ذلك. وفهم الصوفي منه تقييد القيام بظاهر التفسير أن لا يأكل الطعام إلا مقترنا بالذكر، وذلك فريضة وقته وأدبه، ويرى أن تناول الطعام والماء داء ينتج من آفة النفس ومتابعة هواها، ويرى ذكر الله دواءه وترياقه. ويروى عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأكل الطعام في ستة نفر من أصحابه. فجاء أعرابي فأكله بلقمتين، فقال -صلى الله عليه وسلم-: " أما إنه لو كان يسمي الله لكفاكم، فإذا أكل أحدكم طعاما فليقل: بسم الله. فإن نسي أن يقول: بسم الله، فليقل: بسم الله أوله وآخره ".

(ولو قال مع كل لقمة) يرفعها إلى فمه (بسم الله فهو أحسن، حتى لا يشغله الشره عن ذكر الله تعالى، ويقول مع اللقمة الأولى: بسم الله ومع الثانية: بسم الله الرحمن، ومع الثالثة: بسم الله الرحمن الرحيم) هكذا ذكره صاحب "القوت " وإن أتم مع أول لقمة كان حسنا (ويجهر به ليذكر غيره) إن كان ناسيا أو غافلا .

قال صاحب العوارف: واعلم أن ذكر اسم الله تعالى في أول الطعام هو الدواء النافع لدفع عوارض القلب الحادثة من اللقمة المتناولة. قال: وحكي أن الإمام أبا حامد الغزالي قدس سره لما رجع إلى طوس وصف له في بعض القرى عبد صالح [ ص: 218 ] فقصده زائرا فصادفه وهو في صحراء له يبذر الحنطة في الأرض، فلما رآه أقبل إليه وحادثه، فجاءه رجل من أصحابه وطلب منه البذر لينوب عن الشيخ في ذلك وقت اشتغاله بالغزالي، فامتنع ولم يعطه البذر، فسأله الغزالي عن سبب امتناعه فقال: لأني أبذر هذا البذر بقلب حاضر ذاكر أرجو البركة فيه لكل من يتناول منه شيئا، فلا أحب أن أسلمه إلى هذا فيبذره بلسان غير ذاكر وقلب غير حاضر. قال: وكان بعض الفقراء عند الأكل يشرع في قراءة سورة من القرآن يخص الوقت بذلك حتى تنغمر أجزاء الطعام بأنوار الذكر. ولا يعقب الطعام مكروها بغير مزاج القلب. قال: وقد كان شيخنا أبو النجيب السهروردي يقول: أنا آكل وأنا أصلي يشير إلى حضور القلب في الطعام، وربما كان يوقف من يمنع عنه الشواغل وقت أكله لئلا يتفرق همه وقت الأكل، ويرى للذكر وحضور القلب في الأكل أثرا كبيرا لا يسعه الإهمال له. قال: ومن الذكر عند الأكل الفكر فيما هيأ الله تعالى له من الأسنان المعينة له على الأكل، فمنها الكاسرة، ومنها القاطعة، ومنها الطاحنة، وما جعل الله من الماء الحلو في الفم حتى لا يتغير الذوق، كما جعل ماء العين مالحا لما كان شحما حتى لا يتغير، وكيف جعل النداوة تنبع من أرجاء اللسان والفم ليعين ذلك على المضغ والسوغ، وكيف جعل القوة الهاضمة متسلطة على الطعام تفصله وتجذبه متعلقا مددها بالكبد، والكبد بمثابة النار والمعدة بمثابة القدر، وعلى قدر فساد الكبد تقل الهاضمة ويفسد الطعام ولا ينفصل ولا يتصل إلى كل عضو نصيبه، وهكذا تأثير الأعضاء كلها من الكبد والطحال والكليتين .

ويطول شرح ذلك، فمن أراد الاعتبار يطالع تشريح الأعضاء ليرى العجب من قدرة الله تعالى في تعاضد الأعضاء وتعاونها، وتعلق بعضها بالبعض في إصلاح الغذاء واستجلاب القوة منه للأعضاء، وانقسامه إلى الدم والتفل واللبن لتغذية المولود من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين، فتبارك الله أحسن الخالقين، فالفكر في ذلك وقت الطعام وتعرف لطيف الحكم والتدبير فيه من الذكر. قال: ومما يذهب داء الطعام المغير لمزاج القلب أن يدعو في أول الطعام ويسأل الله تعالى أن يجعله عونا على الطاعة .

ويكون من دعائه: اللهم صل على محمد وآل محمد، وما رزقتنا مما نحب اجعله عونا لنا إلى ما تحب، وما زويت عنا مما تحب اجعله فراغا لنا فيما تحب. اهـ. سياق صاحب العوارف .

التالي السابق


الخدمات العلمية