إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الثالث أن : يرفق برفيقه في القصعة فلا يقصد أن يأكل زيادة على ما يأكله ، فإن ذلك حرام إن لم يكن موافقا لرضا رفيقه مهما كان الطعام مشتركا .

بل ينبغي أن يقصد الإيثار ولا يأكل تمرتين في دفعة إلا إذا فعلوا ذلك أو استأذنهم .

فإن قلل رفيقه نشطه ورغبه في الأكل وقال له : كل ولا يزيد في قوله : كل على ثلاث مرات فإن ذلك إلحاح وإفراط .

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خوطب في شيء ثلاثا لم يراجع بعد ثلاث .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرر الكلام ثلاثا .

فليس من الأدب الزيادة عليه .

فأما الحلف عليه بالأكل فممنوع ، قال الحسن بن علي رضي الله عنهما : الطعام أهون من أن يحلف عليه .


(الثالث: يرفق برفيقه في القصعة فلا يقصد أن يأكل زيادة على ما يأكله، فإن ذلك حرام إن لم يكن موافقا لرضا رفيقه مهما كان الطعام مشتركا) ، فإن لكل منهما حقا لا يتعداه، (بل ينبغي أن يقصد الإيثار) أي: يؤثر رفيقه على نفسه (ولا يأكل ثمرتين في دفعة) واحدة وهو القران المنهي عنه ; لأن فيه إجحافا برفيقه مع ما فيه من الشره المزري (إلا إذا فعلوا ذلك) فيوافقهم وحينئذ فلا إجحاف (أو استأذنهم) فأذنوا له، فيجوز، وتقوم مقام صريح الإذن قرينة تغلب على الظن رضاهم، ولا يكفي إذن واحد من الشركاء، بل يشترط إذن الكل .

قال الحافظ ابن حجر: وهذا يقوي مذهب من يصحح هبة المجهول. روى أحمد والستة من حديث ابن عمر : " نهى عن الإقران إلا أن يستأذن الرجل أخاه". هكذا هو لفظ الحديث. قال عياض: والصواب القران بلا ألف، وقال الحافظ: وهي اللغة الفصحى، وهكذا جاء عند الطيالسي وأحمد، والنهي للتنزيه إن كان الآكل مالكا مطلق التصرف، وإلا فالتحريم. وقال ابن بطال: هو الندب مطلقا عند الجمهور لأن الذي يوضع للأكل سبيله سبيل المكارمة لا التشاح لاختلاف الناس في الأكل، والأرجح الأول، ومثل التمرتين اللقمتان كما صرح به ابن العربي.

(وإن قلل رفيقه) من الأكل انقباضا وحياء (بسطه ورغبه في الأكل وقال له: كل) هكذا هو بضم الكاف أمر من أكل يأكل، أصله: أأكل، وسمعت بعض الأعراب بمصر يقول لرفيقه إذا تأخر عن الأكل: " كل " بكسر الكاف ويظنه كل من سمعه لحنا، وعندي أنه مختصر من واكل من المواكلة، والله أعلم .

(ولا يزيد في قوله: كل على ثلاث مرات) لا متواليا بل يجعل بين كل كلمة وكلمة مسافة بحسب الوقت والحال، (فإن ذلك) أي: الزيادة على الثلاث (إلحاج وإفراط) وقد نهي عن كل منهما، ولفظ " القوت ": وإذا عرضت على أخيك الطعام مرة أو مرتين فلا تلحن عليه، وكذلك إذا دعوته فكره، فقد قالوا: لا تلزم أخاك ما يشق عليه، ولا تزيدن على ثلاث مرات، فإن الإلحاح ما زاد على ثلاث، وليس ذلك من السنة والأدب، إلا فيما لا بد منه مما للجميع فيه أدب قالوا: (كان -صلى الله عليه وسلم- إذا خوطب في شيء ثلاثا لم يراجع بعد ثلاث) قال العراقي : رواه أحمد من حديث جابر في حديث طويل له، ومن حديث ابن أبي حدرد أيضا وإسنادهما حسن، (وكان -صلى الله عليه وسلم- يكرر الكلام ثلاثا) ، ويعيد القول ثلاثا، كذا في القوت. قال العراقي : رواه البخاري من حديث أنس: " كان يعيد الكلمة ثلاثا " اهـ .

قلت: ورواه الترمذي والحاكم بزيادة: " لتعقل عنه " أي الكلمة التي يتكلم بها كان يعيدها ثلاث مرات ليتدبرها السامعون ويرسخ معناها في القوة العاقلة .

(فليس من الأدب الزيادة عليه) أي: على الثلاث (فأما الحلف عليه بالأكل) كما هو عليه عامة الناس اليوم (فممنوع، قال الحسن بن علي -رضي الله عنهما-: الطعام أهون من أن يحلف عليه) ، وقال مرة: أيسر من أن يدعى إلى ذلك يعظم حق المؤمن، وقد كان سعيد بن أبي عروبة بهذه المنزلة لم يكن يعرض على إخوانه الطعام، ولكن كان يظهره ويعرضه، فكان اللحم مسلوخا معلقا، والخبز موجودا ظاهرا، وكان ذلك مشاعا في منزله لمن أراد تناوله. وكان الثوري يقول: إذا زارك أخوك فلا تقل له: أقدم إليك؟ ولكن قدم إليه ما عندك، فإن أكل وإلا فارفعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية