إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الثالث أن لا يمتنع لكونه صائما بل يحضر ، فإن كان يسر أخاه إفطاره فليفطر وليحتسب في إفطاره بنية إدخال السرور على قلب أخيه ما يحتسب في الصوم وأفضل وذلك في صوم التطوع وإن لم يتحقق سرور قلبه فليصدقه بالظاهر وليفطر وإن تحقق أنه متكلف فليتعلل .

وقد قال صلى الله عليه وسلم لمن امتنع بعذر الصوم : " تكلف لك أخوك وتقول إني صائم .

وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : من أفضل الحسنات إكرام الجلساء بالإفطار فالإفطار عبادة بهذه النية ، وحسن خلق ، فثوابه فوق ثواب الصوم .

ومهما لم يفطر فضيافته الطيب والمجمرة والحديث الطيب .

وقد قيل : الكحل والدهن أحد القراءين .


(الثالث أن لا يمتنع) عن الإجابة (لكونه صائما بل) يجيب الدعوة و (يحضر، فإن كان) يعلم أنه (يسر أخاه إفطاره) وأكله (فليفطر) لأجله (وليحتسب في الصوم) من الأجر، (وأفضل) لأنها نية صالحة، وقد كان بعضهم إذا كان يوم فطره أكل مع إخوانه، ويحتسب في أكله ما يحتسب في صومه، (وذلك في صوم التطوع) إذ هو في ذلك أمير نفسه (وإن لم يتحقق سرور قلبه به) وإنما قال له: أنا أسر بأكلك (فليصدقه بالظاهر) وليحسن الظن به (وليفطر وإن تحقق أنه تكلف) ومع ذلك لم يلفظ به لسانه (فليتعلل) عن الأكل ويكره له حينئذ الخروج من عقد الصوم لغير نية هي أبلغ منه أو مثله، فصومه حينئذ أفضل، وكان على هذه القدم شيخنا المرحوم العارف بالله تعالى محمد بن شاهين الدمياطي، نفع به، والشيخ الصالح أحمد بن محمد الراشدي -رحمه الله تعالى -، وصاحبنا الشيخ الصالح عبد المنعم بن عبد الرحمن الأنصاري بارك الله فيه .

(وقد قال -صلى الله عليه وسلم- لمن امتنع بعذر الصوم: " تكلف لك أخوك وتقول إني صائم) قال العراقي : رواه البيهقي من حديث أبي سعيد الخدري: صنعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- طعاما فأتاني هو وأصحابه، فلما وضع الطعام قال رجل من القوم: إني صائم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " دعاكم أخوكم وتكلف لكم... " الحديث، وللدارقطني نحوه من حديث جابر ولا يصحان. اهـ .

(وقد قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: من أفضل الحسنات إكرام الجلساء) كذا في "القوت "، ومن جملة إكرامهم مواساتهم وتأنيسهم بالمواكلة (فالإفطار عبادة) فاضلة (بهذه النية، وحسن خلق، فثوابه فوق ثواب الصوم) ، وهذا معنى قوله آنفا: أفضل (ومهما لم يفطر فضيافته الطيب) أي: نوع كان وهو أيضا مختلف باختلاف البلدان، ففي الحجاز واليمن الأعطار المستخرجة من الصندل والورد والليمون وغيرها ثم إتباعها بماء الورد والكادي، وبمصر والشام والروم الاقتصار على ماء الورد فقط (والمجمرة) بكسر الميم هي ما يتجمر فيها من العود والعنبر (والحديث الطيب) [ ص: 244 ] الذي تتأنس به النفوس، وفي المجمرة خلاف لأبي حنيفة وأصحابه (وقد قيل: الكحل والدهن أحد القراءين) .وفي بعض النسخ أحد القريين، وفي "القوت ": دعا عبد الله بن الزبير الحسن بن علي رضي الله عنهم فحضر هو وأصحابه فأكلوا، ولم يأكل هو، فقيل: ألا تأكل ؟ قال: إني صائم، ولكن تحفة الصائم قالوا: وما هي ؟ قال: الدهن والمجمرة، وكذلك يقال: الكحل والدهن أحد القريين، واللبن أحد اللحمين والفكاهة والحديث للضيف إحدى الضيافتين، فيستحب لمن كان صائما فحضر ولم يأكل أن يطيب وأن يحيا فذاك زاده .

التالي السابق


الخدمات العلمية