إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الرابع : في الخبر قطع العروق مسقمة وترك العشاء مهرمة .

والعرب تقول : ترك الغداء يذهب بشحم الكاذة يعني الألية وقال : بعض الحكماء لابنه يا بني لا تخرج من منزلك حتى تأخذ حلمك أي : تتغذى إذ به يبقى الحلم ويزول الطيش وهو أيضا أقل لشهوته لما يرى في السوق .

وقال حكيم لسمين : أرى عليك قطيفة من نسج أضراسك فمم هي ؟ قال: من أكل لباب البر وصغار المعز وأدهن بجام بنفسج وألبس الكتان .


(الرابع: في الخبر قطع العروق مسقمة) أي: يحمل على السقم فإن العروق أنهار البدن فإذا قطعت بالكي أو غيره انقطعت المادة فيسقم البدن لذلك، (وترك العشاء) وهو ما يؤكل كل آخر النهار من الطعام (مهرمة) أي: يحمل على الهرم والضعف، قال العراقي : رواه ابن عدي في الكامل من حديث عبد الله بن جراد بالشطر الأول والترمذي من حديث أنس بالشطر الثاني، وكلاهما ضعيف، وروى ابن ماجه الشطر الثاني من حديث جابر. اهـ .

قلت: الشطر الأول رواه الديلمي بزيادة لفظ: قطع العرق مسقمة والحجامة خير منه، والشطر الثاني عند الترمذي: " تعشوا ولو بكف من حشف، فإن ترك العشاء مهرمة ". رواه من طريق محمد بن يعلى الكوفي عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشي عن عبد الملك بن علان عن أنس، ثم قال: هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وعنبسة ضعيف، وعبد الملك بن علان مجهول، قال العراقي : في شرحه على السنن مداره على عنبسة وهو متفق على ضعفه، وقال النسائي : هو متروك. وقال أبو حاتم: وضاع ومن ثم حكم ابن الجوزي والصغاني بوضعه. قال الحافظ السيوطي في اللآلئ المصنوعة: لحديث أنس طريق آخر، رواه ابن النجار في تاريخه قال: قرأت على أبي بكر محمد بن حامد الضرير المقري بأصبهان عن أبي نصر أحمد بن عمر الغازي، حدثنا أبو القاسم أحمد بن علي النيسابوري، حدثنا أبو أحمد عبد الله بن أحمد الفرضي، حدثنا عبد الصمد بن علي الطستي، حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو محمد الطائي، حدثني أبو عبد الله جعفر بن محمد بن الوليد الأنماطي، حدثني أبو شعيب صالح بن دينار السوسي، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا أبو الهيثم القرشي، عن موسى، عن عقبة، عن أنس رفعه: ترك العشاء مهرمة، تعشوا ولو بكف من حشف.

قال: وقد روي أيضا من حديث جابر، قال ابن ماجه: حدثنا محمد بن عبد الله الرقي، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام بن عبد الله بن باياه المخزومي، حدثنا عبد الله بن ميمون، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رفعه: لا تدعوا العشاء ولو بكف من تمر، فإن تركه يهرم. اهـ .

(والعرب تقول: ترك الغذاء يذهب بشحم الكاذة أي الألية) نقله صاحب "القوت " وذكر الأصمعي (أنه: قال بعض الحكماء لابنه) فيما أوصاه: (يا بني لا تخرج من منزلك حتى تأخذ حلمك أي: تتغذى) نقله صاحب "القوت " (إذ به يبقى الحلم ويزول الطيش) أي: الخفة، فسماه حلما لذلك مبالغة (وهو أيضا أقل لشهوة ما يرى في السوق) ، ولفظ " القوت ": وكذلك يقال في تناول الشيء قبل الخروج إلى السوق وقبل لقاء الناس أنه أقل للشهوة في الأسواق وأقطع للطمع بلقاء الناس، وأنشد هلال بن خيثم:


وإن قراب البطن يكفيك ملؤه ويكفيك سؤلان الأمور واجتنابها

(وقال حكيم لسمين:) رآه (أرى عليك قطيفة) أي: كساء (من نسيج أضراسك فما هي ؟ قال: أكل لباب البر) أي: خالصه يعني الخبز المتخذ منه (وصغار المعز) يعني لحوم الحولي منه (وأدهن بجام بنفسج) أي: قارورة من دهنه (وألبس الكتان) أي: الصفيق منه، وكلاهما ينعمان البدن. نقله صاحب "القوت " قال: وقيل: الرجل [ ص: 270 ] رؤي سمينا: ما أسمنك ؟ قال: أكل الحار وشرب القار والاتكاء على شمالي والأكل من غير مالي. وقيل لآخر حسن الجسم: ما أحسن جسمك ؟ فقال: قلة الفكر، وطول الدعة، والنوم على الكظة .

التالي السابق


الخدمات العلمية