إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : " من كان له ثلاث بنات فأنفق عليهن وأحسن إليهن حتى يغنيهن الله عنه أوجب الله له الجنة البتة البتة إلا أن يعمل عملا لا يغفر له .

وكان "
ابن عباس إذا حدث بهذا قال : والله هو من غرائب الحديث وغرره .

وروي أن بعض المتعبدين كان يحسن القيام على زوجته إلى أن ماتت .

فعرض عليه التزويج فامتنع وقال الوحدة أروح لقلبي وأجمع لهمي ، ثم قال رأيت : في المنام بعد جمعة من وفاتها كأن أبواب السماء فتحت وكأن رجالا ينزلون ويسيرون في الهواء يتبع بعضهم بعضا ، فكلما نزل واحد نظر إلي وقال لمن وراءه : هذا هو المشئوم فيقول الآخر : نعم ، ويقول الثالث : كذلك ويقول الرابع : نعم فخفت أن أسألهم هيبة من ذلك إلى أن مر بي آخرهم وكان غلاما فقلت له : يا هذا من هذا المشئوم الذي تومئون إليه فقال : أنت . فقلت : ولم ذاك قال ؟ : كنا نرفع عملك في أعمال المجاهدين في سبيل الله فمنذ جمعة أمرنا أن نضع عملك مع الخالفين فما ندري ما أحدثت . فقال لإخوانه : زوجوني زوجوني فلم يكن تفارقه زوجتان أو ثلاث .

وفي أخبار الأنبياء عليهم السلام أن قوما دخلوا على يونس النبي عليه السلام فأضافهم فكان يدخل ويخرج إلى منزله فتؤذيه امرأته وتستطيل عليه وهو ساكت فتعجبوا من ذلك فقال : لا تعجبوا فإني سألت الله تعالى وقلت : ما أنت معاقب لي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا . فقال : إن عقوبتك بنت فلان تتزوج بها فتزوجت بها وأنا صابر على ما ترون منها
( وقال -صلى الله عليه وسلم- : " من كان له ثلاث بنات فأنفق عليهن وأحسن إليهن حتى يغنيهن الله عنه أوجب الله له الجنة البتة إليه إلا أن يعمل عملا لا يغفر له") . قال العراقي : رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث ابن عباس بسند ضعيف ، وهو عند ابن ماجه بلفظ آخر ، ولأبي داود واللفظ له ، والترمذي من حديث أبي سعيد: " من عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة ". ورجاله ثقات وفي سنده اختلاف. اهـ .

قلت: وروى أحمد ، وأبو يعلى ، وأبو الشيخ ، والخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث أنس: " من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فاتقى الله وقام عليهن كان معي في الجنة "، هكذا وأشار بأصابعه الأربع .

وروى الطبراني في الأوسط من حديث جابر: " من كان له ثلاث بنات أو مثلهن من الأخوات فكفلهن وعالهن وجبت له الجنة. قال: واثنتين ؟ قال: واثنتين " وفي لفظ أيضا: " من كان له ثلاث بنات يكفلهن ويوليهن ويزوجهن وجبت له الجنة. قال: واثنتين ؟ قال: واثنتين " وعند الدارقطني في الأفراد من حديثه: " من كان له ثلاث بنات يعولهن ويرحمهن فله يمين الجنة ". وروى أحمد وابن ماجه والطبراني في الكبير من حديث عقبة فيما مر: " من كان له بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار يوم القيامة " وروى أحمد والترمذي وابن حبان والضياء من حديث أبي سعيد: " من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة ". وروى الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث أبي هريرة : " من كان له ثلاث بنات أو أخوات فصبر على لأوائهن وطعامهن وشرابهن أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهن ، قيل: واثنتين ؟ قال: واثنتين. قيل: وواحدة؟ قال: وواحدة ". وحديث ابن عباس الذي رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق لفظه: " من عال ثلاث بنات فأنفق عليهن وأحسن إليهن حتى ينفيهن عنه أوجب الله له الجنة ألبتة إلا أن يعمل عملا لا يغفر له. قيل: أو اثنتين ؟ قال: أو اثنتين ". وهذا السياق أقرب إلى سياق المصنف .

( كان ابن عباس -رضي الله عنه- إذا حدث بهذا قال: هو والله من غرائب الحديث وغرره) أي: لما فيه من سعة فضل الله تعالى. قال صاحب "القوت: " وله في الصبر عليهن وحسن الاحتمال لأذاهن وفي حسن العشرة لهن مثوبات وأعمال صالحات ، وربما كان موت العيال عقوبة للعبد نقصانا إذ كان الصبر عليهن والإنفاق مقاما له كان عدم مفارقة لحاله فنقص به .

( وروي عن بعض المتعبدين) ولفظ " القوت ": حدثني بعض العلماء أن بعض المتعبدين ( أنه كان يحسن القيام على زوجته) ولفظ " القوت ": إنه كانت له زوجة وكان يحسن القيام عليها ( إلى أن ماتت فعرض عليه التزويج) . ولفظ " القوت ": فعرض عليه إخوانه التزويج ( فامتنع وقال) : إن ( الوحدة أروح لقلبي وأجمع لهمي ، ثم قال: فأريت في المنام جمعة منذ وفاتها) ولفظ " القوت ": من وفاتها ( كأن أبواب السماء) قد ( فتحت وكأن رجالا ينزلون ويسيرون في الهواء يتبع بعضهم بعضا ، فكلما نزل واحد نظر إلي فقال لمن وراءه: هذا هو المشئوم) أي: صاحب الشؤم، (فيقول الآخر: نعم ، ويقول الثالث لمن وراءه: كذلك) أي: هذا هو المشؤوم ، ( ويقول الرابع: نعم) قال ( فخفت أن أسألهم هيبة من ذلك) ولفظ القوت: فراعني ذلك وعظم علي وهبت أن أسألهم ( إلى أن مر بي آخرهم وكان غلاما فقلت: يا هذا من المشئوم الذي إليه تومئون) أي: تشيرون؟ ( فقال: أنت. فقلت: ولم ذلك ؟ فقال: كنا نرفع عملك في أعمال المجاهدين في سبيل الله فمنذ جمعة أمرنا أن نضع عملك مع المخالفين) أي: الذين تخلفوا وقعدوا عن الجهاد، ( فما ندري ما أحدثت. فقال لإخوانه: زوجوني) زوجوني ، ( فلم تكن تفارقه زوجتان أو ثلاث) زوجات. هكذا أورده صاحب القوت بتمامه ، ثم قال: ( و) قد حدثونا ( في أخبار الأنبياء عليهم السلام أن قوما دخلوا على يونس النبي عليه السلام) وهو يونس بن متى -صلى الله عليه وسلم- من أنبياء بني إسرائيل ، ( فأضافهم فكان يدخل ويخرج إلى منزله) ولفظ " القوت ": فكان يدخل إلى منزله ( فتؤذيه امرأته فتستطيل عليه) أي: بلسانها ( وهو ساكت فعجبوا من ذلك) وهابوه أن يسألوه ( فقال: لا تعجبوا) من هذا ( فإني سألت الله) عز وجل ( وقلت: ما أنت معاقب لي به في الآخرة فاجعله في الدنيا. فقال: إن عقوبتك بنت فلان) وسماها، ( فتزوج بها وأنا صابر على ما ترون منها) هكذا أورده صاحب "القوت " .

التالي السابق


الخدمات العلمية