إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الفصل الثاني: إذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية، قال الخيالي في "حاشيته على شرح العقائد": الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة. هذا هو المشهور في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار، وفي ديار ما وراء النهر يطلق ذلك على الماتريدية أصحاب الإمام أبي منصور، وبين الطائفتين اختلاف في بعض المسائل، كمسألة التكوين وغيرها. اهـ .

وقال الكستلي في حاشيته عليه: المشهور من أهل السنة في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار هم الأشاعرة أصحاب أبي الحسن الأشعري، أول من خالف أبا علي الجبائي ورجع عن مذهبه إلى السنة، أي: طريق النبي -صلى الله عليه وسلم- والجماعة، أي: طريقة الصحابة -رضي الله عنهم-، وفي ديار ما وراء النهر الماتريدية: أصحاب أبي منصور الماتريدي، تلميذ أبي نصر العياضي، تلميذ أبي بكر الجوزجاني، صاحب محمد بن الحسن، صاحب الإمام أبي حنيفة. وبين الطائفتين اختلاف في بعض الأصول، كمسألة التكوين، ومسألة الاستثناء في الإيمان، ومسألة إيمان المقلد، والمحققون من الفريقين لا ينسب أحدهما الآخر إلى البدعة والضلالة. اهـ .

وقال ابن السبكي في "شرح عقيدة ابن الحاجب": اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل، وإن اختلفوا في الطرق والمبادئ الموصلة لذلك، أو في لمية ما هنالك. وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف:

الأولى: أهل الحديث، ومعتمد مبادئهم الأدلة السمعية، أعني الكتاب والسنة والإجماع .

الثانية: أهل النظر العقلي والصناعة الفكرية، وهم الأشعرية والحنفية، وشيخ الأشعرية أبو الحسن الأشعري، وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدي، وهم متفقون في المبادئ العقلية في كل مطلب [ ص: 7 ] يتوقف السمع عليه، وفي المبادئ السمعية فيما يدرك العقل جوازه فقط، والعقلية والسمعية في غيرها. واتفقوا في جميع المطالب الاعتقادية إلا في مسألة التكوين، ومسألة التقليد .

الثالثة: أهل الوجدان والكشف، وهم أهل الصوفية، ومبادئهم مبادئ أهل النظر والحديث في البداية، والكشف والإلهام في النهاية. اهـ .

وليعلم أن كلا من الإمامين أبي الحسن وأبي المنصور -رضي الله عنهما- وجزاهما عن الإسلام خيرا، لم يبدعا من عندهما رأيا، ولم يشتقا مذهبا، إنما هما مقرران لمذاهب السلف، مناضلان عما كانت عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فأحدهما قام بنصرة نصوص مذهب الشافعي، وما دلت عليه، والثاني قام بنصرة نصوص مذهب أبي حنيفة، وما دلت عليه، وناظر كل منهما ذوي البدع والضلالات حتى انقطعوا وولوا منهزمين، وهذا في الحقيقة هو أصل الجهاد الحقيقي الذي تقدمت الإشارة إليه. فالانتساب إليهما إنما هو باعتبار أن كلا منهما عقد على طريق السلف نطاقا وتمسك وأقام الحجج والبراهين عليه، فصار المقتدي به في تلك المسائل والدلائل يسمى أشعريا وماتريديا .

التالي السابق


الخدمات العلمية