إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ولا بيع العاج ، والأواني المتخذة منه فإن العظم ينجس بالموت ، ولا يطهر الفيل بالذبح ولا يطهر عظمه بالتذكية ولا يجوز بيع الخمر ولا بيع الودك النجس ، المستخرج من الحيوانات التي لا تؤكل وإن كان يصلح للاستصباح ، أو طلاء السفن ولا بأس ببيع الدهن الطاهر في عينه ، الذي نجس بوقوع نجاسة ، أو موت فأرة فيه ، فإنه يجوز الانتفاع به في غير الأكل ، وهو في عينه ليس بنجس وكذلك لا أرى بأسا ببيع بزر القز فإنه أصل حيوان ينتفع به تشبيهه ، بالبيض ، وهو أصل حيوان ، أولى من تشبيهه بالروث .

ويجوز بيع فأرة المسك ويقضى بطهارتها ، إذا انفصلت من الظبية في حالة الحياة .


(ولا) يصح (بيع العاج، والأواني المتخذة منه) وهي أنياب الفيلة، ولا يسمى غير الناب عاجا (فإن العظم ينجس بالموت، ولا يطهر الفيل بالذبح) وهو: الحيوان الذي يسمى نابه عاجا (ولا يطهر عظمه بالتنقية) ; لأنه نجس العين، وهو قول محمد، وهو المشهور من مذهب الشافعي، إلا ما نقله الرافعي، وجها شاذا عن... ، وقال أبو حنيفة بطهارة العاج، واحتج بحديث: كان لفاطمة، رضي الله عنها، سوار من عاج. وهو قول أبي يوسف أيضا، وحمله أصحاب الشافعي على ظهر السلحفاة البحرية، وهي طاهرة، وقال صاحب الكنز من أصحابنا: وذبح ما لا يؤكل لحمه يطهر لحمه، وجلده، إلا الآدمي، والخنزير، ولكن نقل المتأخرون أن أصح ما يفتى به: أنه يطهر جلده، دون لحمه، والله أعلم .

(ولا يجوز بيع الخمر) ; لأنه نجس العين، وقد تقدم حديث جابر قريبا (ولا بيع الودك النجس، المستخرج من الحيوانات التي لا تؤكل) مما يتحلب من شحمها، ولحمها (وإن كان يصلح للاستصباح، أو طلاء السفن) وذلك في أظهر الوجهين، وفي شرح الوجيز: ودك الميتة إن نجس بعارض، ففي بيعه خلاف، مبني على أنه هل يمكن تطهيره؟ ففي ابن سريج، وأبي إسحاق: يمكن تطهيره. وفي صاحب الإفصاح، وغيره: أنه يمكن. فعلى هذا لا يجوز بيعه. قال النووي في زيادات الروضة: هذا الترتيب غلط، وإن كان قد جزم به المصنف في الوسيط، وكيف يصح بيع ما لا يمكن تطهيره؟ قال المتولي: في بيع الصبغ النجس طريقان: أحدهما: كالزيت. والثاني: لا يصح قطعا; لأنه لا يمكن تطهيره، وإنما يصبع به الثوب، ويغسل، والله أعلم .

(ولا بأس ببيع الدهن الطاهر، الذي نجس بوقوع نجاسة، أو موت فأر فيه، فإنه يجوز الانتفاع به في غير الأكل، وهو في عينه ليس بنجس) وعبارة الوجيز: والدهن إذا نجس بملاقاة النجاسة، صح بيعه، وجاز الاستصباح به، على أظهر القولين. قال الرافعي: التقييد بكون نجاسته بالملاقاة، محتاج إليه; ليجري القولان في الاستصباح. وقوله: على أظهر القولين: غير مساعد عليه في البيع، بل الظاهر عند الأصحاب: منعه، وبه قال مالك، وأحمد، خلافا لأبي حنيفة، وقال النووي في زيادات الروضة: ينبغي أن يقطع بصحة الاستصباح به، وبنى الإمام في النهاية، مسألة الدهن على وجه آخر، فقال: إن قلنا يمكن تطهيره جاز بيعه، وإلا ففي بيعه قولان، مبنيان على جواز الاستصباح بالدهن النجس، وعلى هذا جرى المصنف في الوجيز، فذكر قولين في البيع، والله أعلم .

ومما يحتج به على امتناع [ ص: 428 ] تطهير الدهن النجس: ما روي: أنه صلى الله عليه وسلم، سئل عن الفأرة تموت في السمن؟ فقال: إن كان جامدا، فألقوها وما حولها، وإن كان ذائبا، فأريقوه. ولو كان جائزا لما أمرنا بإراقته، وحكي هذا القول عن ابن أبي هريرة، وهو أصحهما، وبه قال أبو إسحاق.

(وكذلك لا أرى بأسا ببيع بزر القز) وعبارة الرافعي: ويجوز بيع الفيلج، وفي باطنه الدود الميتة; لأن إبقاءها فيه من مصالحه، كالحيوان يصح بيعه والنجاسة في باطنه. قال النووي في الزيادات: الفيلج بالفاء، وهو القز، ويجوز بيعه وفيه الدود، سواء كان ميتا أو حيا، وسواء باعه وزنا، أو جزافا، صرح به القاضي حسين في فتاويه، والله أعلم، اهـ. (فإنه أصل حيوان ينتفع به، وتشبيهه بالبيض، وهو أصل حيوان، أولى من تشبيهه بالروث .

ويجوز بيع فأرة المسك) روي ذلك عن ابن سريج، وقيل: بيع المسك في الفأرة باطل، سواء بيع معها، أو دونها، ولا فرق بين أن يكون رأس الفأرة مفتوحا، أو لا .

ولو رأى المسك، ثم اشتراه، بعد الرد إليها، صح، فلو رأى الفأرة دون المسك، ثم اشتراه بعد الرد إليها، فإن كان رأسها مفتوحا فرأى أعلاه، لا يجوز، وإلا فعلى قولي بيع الغائب .

(ويقضى بطهارتها، إذا انفصلت من الظبية في حال الحياة) وقال الرافعي: وفي بيع بزر القز، وفأرة المسك، خلاف مبني على الخلاف السابق في طهارتها، اهـ. ووافقه محمد، في جواز بيع دود القز، وبيضه. وقال أبو حنيفة: لا يجوز بيعهما. وأبو يوسف معه في الدود، ومع محمد في بيضه، وقيل: فيه أيضا معه، ولأبي حنيفة: أن الدود من الهوام، وبيضه لا ينتفع به، فأشبه الخنافس، والوزغات، وبيضها، ولمحمد: أن الدود ينتفع به، وكذا بيضه في المآل، فصار كالجحش، والمهر، ولأن الناس قد تعاملوه فمست الضرورة إليه، والفتوى على قول محمد.

التالي السابق


الخدمات العلمية