إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
العقد الرابع :

الإجارة .

وله ركنان : الأجرة والمنفعة فأما العاقد واللفظ فيعتبر فيه ما ذكرناه في البيع
(العقد الرابع: الإجارة) *

وهي بالكسر فعالة، آجر، يؤجر، إجارة، وهي وإن ثبت واشتهر في العقد فهي في اللغة قالوا: اسم للأجرة، وليست بمصدر، وهي كراء الأجير، ويقال: الأجارة، بالضم أيضا، ويقال: آجرت دار فلان، واستأجرتها .

وهي معاملة صحيحة، تورد على منافع مقصودة، قابلة للبذل، وجوز مع كون المنافع معدومة; للحاجة الداعية إليه، ثم كل عين ظاهرة يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها وإجازة الإباحة في منافعها جاز إجارتها، كالدور، والأراضي، والعبيد، والدواب، ونحوها .

وفي كتب أصحابنا: الإجارة: هي بيع منفعة معلومة بأجر معلوم. وقيل: تمليك المنافع بعوض. بخلاف النكاح، فإنه ليس بتمليك، وإنما هو استباحة المنافع بعوض، هذا في الشرع .

وفي اللغة: فعالة، من آجر، فهو آجر، ومأجور، اسم الأجرة، وهي ما أعطي من كراء الأجير، وما يستحق على عمل الخير; ولهذا يدعى به، يقال: آجرك الله، وفي الأساس: آجرني داره، فاستأجرتها، وهو مؤجر، ولا يقال مؤاجر فإنه خطأ، والأصل في الباب: الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، أما الكتاب، فقوله تعالى: فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وقصة [ ص: 459 ] شعيب وموسى عليهما السلام: على أن تأجرني ثماني حجج ، وشريعة من قبلنا شريعة لنا ما لم يظهر النسخ، لا سيما إذا نص لنا لا على وجه الإنكار، وعند الشافعية: فيه قولان: أحدهما، وهو الأصح: أن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا، وإن ورد في شرعنا ما يقرره. وثانيهما: أن شرع من قبلنا شرع لنا إن ورد في شرعنا ما يقرره، وعند المالكية: إن شرع من قبلنا شرع لنا إن لم يرد في شرعنا نص عليه بحل أو غيره .

وأما السنة: فقوله صلى الله عليه وسلم: من استأجر أجيرا فليعلمه أجره. وقوله صلى الله عليه وسلم: أعطوا الأجير أجرته قبل أن يجف عرقه.

وأما الإجماع: فقد اتفقت الأمة، واجتمعت على صحتها من غير إنكار، ولا يضر خلاف ابن كيسان الأصم، والقاشاني; لأنهما ليسا من أهل عقد وحل; ولأن خلافهما مسبوق بإجماع الأمة على صحتها .

(وله ركنان: الأجرة والمنفعة) وعبارته في الوجيز: وأركان صحتها ثلاثة: الصيغة، والأجرة، والمنفعة، واقتصر هنا على ذكر الركنين، وأشار إلى سبب اقتصاره بقوله: (فأما العاقد) : يشمل المؤجر والمستأجر (واللفظ) أي: الصيغة، وهي أن يقول أكريتك الدار، أو أجرتك، فيقول: قبلت (فيعتبر فيه ما ذكرناه في البيع) أي: يعتبر في المؤجر والمستأجر ما يشترط في البائع والمشتري; لأن المؤجر هو البائع للمنفعة، والمستأجر هو المشتري، فيشترط فيهما التكليف، والرشد; ليصح منهما العقد، فلا تصح إجارة الصبي، والمجنون، والسفيه، والمحجور عليه بالفلس .

التالي السابق


الخدمات العلمية