إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الباب الثالث :

في بيان العدل ، واجتناب الظلم في ، المعاملة .

اعلم أن المعاملة قد تجري على وجه يحكم المفتي بصحتها ، وانعقادها ولكنها تشتمل على ظلم يتعرض به المعامل لسخط الله تعالى إذ ليس كل نهي يقتضي فساد العقد وهذا الظلم يعني به : ما استضر به الغير وهو منقسم إلى : ما يعم ضرره وإلى : ما يخص المعامل .

القسم الأول :

فيما يعم ضرره ، وهو أنواع .

النوع الأول : الاحتكار فبائع الطعام يدخر الطعام ينتظر به غلاء الأسعار وهو ظلم عام وصاحبه مذموم في الشرع .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من احتكر الطعام أربعين يوما ثم تصدق به لم تكن صدقته كفارة لاحتكاره .

وروى ابن عمر ، عنه صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : من احتكر الطعام أربعين يوما ، فقد برئ من الله وبرئ الله منه .

وقيل فكأنما قتل الناس جميعا، وعن علي رضي الله عنه من احتكر الطعام أربعين يوما قسا قلبه .

وعنه أيضا ، أنه أحرق طعام محتكر بالنار .

وروي في فضل ترك الاحتكار عنه صلى الله عليه وسلم من جلب طعاما فباعه بسعر يومه فكأنما تصدق به وفي لفظ آخر : فكأنما أعتق رقبة .

وقيل : في قوله تعالى : ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم : إن الاحتكار من الظلم ، وداخل تحته في الوعيد .

وعن بعض السلف أنه كان بواسط فجهز سفينة حنطة إلى البصرة وكتب إلى وكيله بع هذا الطعام يوم يدخل البصرة ولا تؤخره إلى غد فوافق سعة في السعر فقال له التجار لو أخرته جمعة ربحت فيه أضعافه ، فأخره جمعة فربح فيه أمثاله وكتب إلى صاحبه بذلك فكتب إليه صاحب الطعام : يا هذا إنا كنا قنعنا بربح يسير مع سلامة ديننا ، وإنك قد خالفت وما نحب أن نربح أضعافه بذهاب شيء من الدين فقد ، جنيت علينا جناية فإذا أتاك كتابي هذا ، فخذ المال كله فتصدق به على فقراء البصرة ، وليتني أنجو من إثم الاحتكار ، كفافا ، لا علي ولا لي .

واعلم أن النهي مطلق ويتعلق النظر به في الوقت ، والجنس أما الجنس فيطرد النهي في أجناس الأقوات أما ما ليس بقوت ولا هو معين على القوت كالأدوية والعقاقير والزعفران ، وأمثاله ، فلا يتعدى النهي إليه ، وإن كان مطعوما .

وأما ما يعين على القوت ، كاللحم والفواكه وما يسد مسدا يغني عن القوت في بعض الأحوال وإن كان لا يمكن المداومة عليه فهذا في محل النظر ، فمن العلماء من طرد التحريم في السمن ، والعسل ، والشيرج والجبن والزيت ، وما يجري مجراه وأما الوقت فيحتمل أيضا طرد النهي في جميع الأوقات وعليه تدل الحكاية التي ذكرنا في الطعام الذي صادف بالبصرة سعة في السعر ويحتمل أن يخصص بوقت قلة الأطعمة ، وحاجة الناس إليه ، حتى يكون في تأخير بيعه ضر ما ، فأما إذا اتسعت الأطعمة ، وكثرت ، واستغنى الناس عنها ، ولم يرغبوا فيها ، إلا بقيمة قليلة ، فانتظر صاحب الطعام ذلك ولم ينتظر قحطا فليس في هذا إضرار .

وإذا كان الزمان زمان قحط كان في ادخار العسل ، والسمن ، والشيرج وأمثالها ، إضرار فينبغي أن يقضى بتحريمه ويعول في نفي التحريم ، وإثباته ، على الضرار ، فإنه مفهوم قطعا من تخصيص الطعام وإذا لم يكن ضرار فلا يخلو احتكار الأقوات عن كراهية فإنه ; ينتظر مبادئ الضرار ، وهو ارتفاع الأسعار وانتظار مبادئ الضرار محذور كانتظار عين الضرار ، ولكنه دونه وانتظار عين الضرار أيضا هو دون الإضرار فبقدر درجات الإضرار تتفاوت درجات الكراهية ، والتحريم .


(الباب الثالث: في بيان العدل، والمساواة، واجتناب الظلم، والتجاوز عن الحدود في المعاملة) *

(اعلم أن المعاملة) بين الاثنين (قد تجري) وتتم على وجه (يحكم المفتي) أو القاضي (بصحتها، وانعقادها) شرعا (ولكنها تشتمل على ظلم) يتعدى فيه الحد (يتعرض به المعامل لسخط الله تعالى) وغضبه; (إذ ليس كل نهي يقتضي فساد العقد) بل قد يكون العمل منهيا عنه مع بقاء العقد على أصله (وهذا الظلم يعني) أي: يراد (به: ما يتضرر به الغير) أي: يناله الضرر منه (وهو منقسم إلى: ما يعم ضرره) على الناس كلهم (وإلى: ما يخص المعامل) دون غيره .

* (القسم الأول: فيما يعم ضرره، وهو أنواع) *

(الأول: الاحتكار) وهو: حبس الطعام إرادة الغلاء، والاسم الحكرة بالضم، والحكر محركة، والحكر بالفتح لغة بمعناه (فبائع الطعام يدخر الطعام) في السرادب، والحوانيت (لينظر به غلاء الأسعار) أي: ارتفاعها .

[ ص: 478 ] (وهو ظلم عام) إذا كان ادخاره بهذه النية (وصاحبه مذموم في الشرع، قال صلى الله عليه وسلم: من احتكر الطعام) أي: حبسه، والمراد بالطعام: القوت المعتاد به عادة، وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، وحرم مالك احتكار المطعوم وغيره، نظرا لحديث أبي هريرة: من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئ... الحديث. (أربعين يوما) قال الطيبي: لم يرد بأربعين يوما التحديد، بل مراده: أن يجعل الاحتكار حرفة يقصد بها نفع نفسه، وضر غيره، بدليل قوله في الحديث الآخر: يريد به الغلاء. وأقل ما يتمرن المرء في هذه الحرفة هذه المدة (ثم تصدق به) على فقراء المسلمين (لم تكن صدقته) تلك (كفارة لاحتكاره) .

قال العراقي: رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث علي، والخطيب في التاريخ من حديث أنس بسندين ضعيفين، اهـ .

قلت: ورواه ابن عساكر في التاريخ، فقال: أخبرنا أبو القاسم السمرقندي، أخبره محمد بن علي الأنماطي، عن محمد الرهان، عن محمد بن الحسن، عن خلاد بن محمد بن عاثر الأسدي، عن أبيه، عن عبد العزيز بن عبد الرحمن البالسي، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن معاذ بن جبل، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من احتكر طعاما على أمتي أربعين يوما، وتصدق به، لم يقبل منه.

وروى ابن عساكر أيضا، وابن النجار، في تاريخيهما، من حديث دينار بن مكين، عن أنس، رفعه بلفظ: من احتكر طعاما، أو تربص به، أربعين يوما، ثم طحنه، وخبزه، وتصدق به، لم يقبله الله منه. ودينار راويه متهم، قال ابن حبان: روى عن أنس أشياء موضوعة .

(وروى ابن عمر) عبد الله (رضي الله عنهما، عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: من احتكر الطعام أربعين يوما، فقد برئ من الله وبرئ الله منه) . والقصد به: المبالغة في الزجر فحسب، قال العراقي: رواه أحمد، والحاكم، بسند جيد، قال ابن عدي: ليس بمحفوظ من حديث ابن عمر، اهـ .

قلت: ورواه كذلك ابن أبي شيبة في المصنف، والبزار في مسنده، وأبو يعلى، وأبو نعيم في الحلية، ولفظهم جميعا: من احتكر طعاما. وفي لفظ: ليلة، بدل يوما، وفي آخره زيادة: أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تعالى. ورواه بهذه الزيادة الحاكم أيضا، من حديث أبي هريرة، قال الحافظ: وفي إسناده [أصبغ] بن زيد، اختلف فيه، وكثير بن مرة جهله ابن حزم، وعرفه غيره، وقد وثقه ابن سعد، وروى عنه جماعة، واحتج به النسائي، ووهم ابن الجوزي فأخرج هذا الحديث في الموضوعات، وأما ابن أبي حاتم فحكى عن أبيه أنه قال: هو حديث منكر .

(وقيل) : في بعض ألفاظ هذا الحديث: (فكأنما قتل نفسا) . هكذا أورده صاحب القوت، ولم يتعرض له العراقي، والمراد: فكأنما تسبب في قتل نفس، وذلك لما حبس عنه القوت .

وقد وردت أحاديث في هذا الباب، فمن ذلك، ما رواه مسلم، والعقيلي، من حديث معمر بن عبد الله: من احتكر فهو خاطئ.

وروى الحاكم عن ابن عمر، رفعه: المحتكر ملعون. وروى أحمد، والحاكم، والعقيلي، من حديث أبي هريرة: من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئ، وقد برئت منه ذمة الله ورسوله.

وروى أحمد، وابن ماجه، والحاكم، من حديث ابن عمر: من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس. قال البويطي: رجال ابن ماجه ثقات، ثم إن القصد بهذا كله: المبالغة في الزجر، والتنفير، وظاهرها غير مراد .

وقد وردت عدة أحاديث في الصحاح تشتمل على نفي الإيمان، وغير ذلك من الوعيد الشديد في حق من ارتكب أمورا ليس فيها ما يخرج عن الإسلام، فما كان هو الجواب عنها فهو الجواب هنا، حققه الحافظ ابن حجر.

وجعل ابن الجوزي أحاديث الاحتكار من قبل الموضوع، وهو مدفوع كما بينه الحافظان العراقي، وابن حجر.

وعن علي رضي الله عنه، قال: (من احتكر الطعام أربعين يوما قسا قلبه) . هكذا أورده صاحب القوت; وذلك لأن المحتكر إنما يريد بادخاره الإضرار لإخوانه، فأحر بأن يكون ثمرة ذلك قساوة قلبه، فلا يرى خيرا ولا بركة .

(و) يروى (عنه، رضي الله عنه) أيضا (أنه أحرق طعام محتكر بالنار) . كذا رواه صاحب القوت، وذلك بالكوفة، أيام إمارته لينزجر بذلك غيره .

(وروي في فضل ترك الاحتكار) عدة أخبار، فمن ذلك، قوله صلى الله عليه وسلم: (من جلب طعاما) من خارج، وأدخله إلى مصر من الأمصار (فباعه بسعر يومه) فكأنما تصدق به. (وفي لفظ [ ص: 479 ] آخر: فكأنما أعتق رقبة) . هكذا هو في القوت .

قال العراقي: رواه ابن مردويه في التفسير، من حديث ابن مسعود، بسند ضعيف: ما من جالب يجلب طعاما إلى بلد من بلدان المسلمين، فيبيعه بسعر يومه، إلا كانت منزلته منزلة الشهيد.

وللحاكم من حديث اليسع بن المغيرة: أن الجالب إلى سوقنا كالمجاهد في سبيل الله، فهو مرسل، اهـ .

قلت: وروى الديلمي من حديث ابن مسعود: من جلب طعاما إلى مصر من أمصار المسلمين كان له أجر شهيد. وفي القوت: وروينا عن علقمة، عن ابن مسعود: من جلب إلى مصر من أمصار المسلمين، فباعه بسعر يومه، كان له عند الله أجر شهيد، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله ، وأما الحديث المرسل الذي أورده العراقي، فقد رواه أيضا الزبير بن بكار، في أخبار المدينة. وعنده، وعند الحاكم زيادة: والمحتكر في سوقنا كالملحد في كتاب الله. واليسع بن المغيرة مخزومي، مكي، ولفظ حديثه: مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برجل بالسوق، يبيع طعاما بسعر هو أرخص من سعر السوق، قال: تبيع في سوقنا بأرخص؟ قال: نعم. قال: ... واحتسابا؟ قال: نعم. قال: أبشر. فذكره .

وروى ابن ماجه في البيوع، من حديث إسرائيل، عن علي بن سالم، عن علي بن زيد، عن ابن المسيب، عن عمر بن الخطاب، رفعه: الجالب مرزوق والمحتكر ملعون.

(وقيل: في) تفسير (قوله تعالى: ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم : إن الاحتكار من) جملة (الظلم، وداخل تحته) . قال البيضاوي: ومن يرد فيه ، ترك مفعوله ليتناول كل متناول، وقرئ بالفتح من الورود، بإلحاد: أي: عدول عن القصد، بظلم: بغير حق، وهما حالان، مترادفان، أو الثاني بدل من الأول، بإعادة الجار، أو صلة له، أي: ملحدا بسبب الظلم، كالإشراك واقتراف الآثام، اهـ .

وأما القول المذكور في تفسير الآية، فرواه ابن جزء، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: هم المحتكرون الطعام بمكة.

وأخرج البخاري في تاريخه، وعبد بن حميد، وأبو داود، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن يعلى بن أمية، رفعه: احتكار الطعام في الحرم إلحاد فيه.

وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في تاريخه، وابن المنذر، عن عمر بن الخطاب، قال: احتكار الطعام بمكة إلحاد بظلم.

وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، عن ابن عمر، قال: بيع الطعام بمكة إلحاد.

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان، والطبراني في الأوسط، عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: احتكار الطعام بمكة إلحاد.

(و) روي (عن بعض السلف) الصالحين (أنه كان بواسط) مدينة مشهورة بالعراق، بناها الحجاج بن يوسف، وكان موضعها قصب، فسميت واسط القصب (فجهز سفينة حنطة) أي: هيأ سفينة فملأها حنطة، من زرع واسط، وأرسلها (إلى البصرة) لتباع بها (وكتب إلى وكيله) بها: أن (بع هذا الطعام يوم يدخل البصرة) بالسعر الحاضر (ولا تؤخره إلى غد) قال: (فوافق) وصول الطعام (سعة في السعر) أي: رخصا (فقال له التجار) ينصحونه: (إن أخرته جمعة) أي: قدر سبعة أيام (ربحت فيه أضعافه، فأخره جمعة) كما قالوا (فربح فيه) أي: في بيعه (أمثاله) وأضعافه (وكتب إلى صاحبه) الذي بواسط يخبره (فكتب إليه صاحب الطعام: يا هذا إنا كنا قنعنا بربح يسير مع سلامة ديننا، وإنك) قد (خالفت) أمرنا (وما نحب أن نربح أضعافه بذهاب شيء من الدين، وقد جنيت علينا) بفعلك هذا (جناية) عظيمة (فإذا أتاك كتابي هذا، فخذ المال كله) أي: الذي حصلته من سعر ذلك الطعام (فتصدق به على فقراء) أهل (البصرة، وليتني أنجو من إثم الاحتكار، كفافا، لا علي) وزر (ولا لي) أجر. هكذا أورد هذه الحكاية صاحب القوت بنصها .

(واعلم أن النهي) الوارد في احتكار الطعام تصريحا، وتلويحا (مطلق) عن القيود (ويتعلق النظر فيه في) شيئين: (الوقت، والجنس) أي: في أي وقت يكون منهيا عنه، وفي أي جنس من الطعام، وأما ما ليس بقوت، ولا هو معين على القوت (كالأدوية) على أنواعها (والعقاقير) أي: النبات (والزعفران، وأمثاله، فلا يتعدى النهي إليه، وإن كان مطعوما) ويدخل في حد الطعام; لأنه يتناول منه (وأما ما يعين على القوت، كاللحم) بأنواعه (والفواكه) بأنواعها (وما يسد مسد الغنى) أي: يقوم مقامه (عن القوت) ولو (في بعض الأحوال) وبعض الأحيان .

[ ص: 480 ] (وإن كان لا يمكن المداومة عليه) في الغالب (فهذا في محل النظر، فمن العلماء من طرد التحريم) المستفاد من النهي (في السمن، والعسل، والشيرج) وهو عصارة السمسم (والجبن، وما يجري مجراه) وعبارة القوت: ومن العلماء من جعل الاحتكار في كل مأكول من الحبوب، مثل العدس، والباقلا، ومثل السمن، والعسل، والشيرج، والجبن، والتمر، والزبيب، فيكره احتكار جميع ذلك، وروي نحو هذا عن ابن عباس، في تفسير قوله تعالى: ومن يرد فيه بإلحاد الآية، اهـ .

قلت: والذي ذهب إليه مالك، واستدل بإطلاق حديث أبي هريرة السابق: من احتكر حكرة يريد أن يغلي على المسلمين فهو خاطئ، وقد برئت منه ذمة الله ورسوله. قال الزمخشري في الفائق: من احتكر حكرة، أي: جملة من القوت، من الحكر، وهو الجمع، والإمساك، أي: حصل جملة من القوت، وجمعها عنده، وأمسكها، يريد به نفع نفسه، وضر غيره .

(وأما الوقت فيحتمل أيضا طرد النهي في جميع الأوقات) سواء كان السعر عاليا، أو خافضا، وعليه تدل الحكاية التي ذكرناها في الطعام الذي صادف بالبصرة سعة في السعر، وقد مرت قريبا (ويحتمل أن يخصص) ذلك (بوقت قلة الأطعمة، وحاجة) أي: احتياج (الناس إليه، حتى يكون في تأخير بيعه ضرر، فأما إذا اتسعت الأطعمة، وكثرت، واستغنى الناس عنها، ولم يرغبوا فيها، إلا بقيمة قليلة، فانتظر صاحب الطعام ذلك) فقط (ولم ينتظر قحطا) وغلاء (فليس في هذا إضرار) للغير (فإذا كان الزمان زمان قحط) ولم يجد الناس ما يأكلونه (وكان في ادخار العسل، والسمن، والشيرج، وأمثال ذلك، إضرار) والإضرار حرام (فينبغي أن يقضى بتحريمه) نظرا إلى ذلك .

(ويعول في نفي التحريم، وإثباته، على الضرار، فإنه مفهوم قطعا من تخصيص الطعام) ومنطوقه (وإذا لم يكن ضرار) بالغرض (فلا يخلو احتكار الأقوات عن كراهية; لأنه) أي: المحتكر (ينتظر مبادي الضرار، وهو ارتفاع الأسعار) وغلوها (وانتظار مبادي الضرار محظور) أي: ممنوع عنه (كانتظار عين الضرار، ولكنه دونه) أي: دون انتظار مباديه (وانتظار عين الإضرار أيضا هو دون الإضرار) الحاصل في الحال (فبقدر درجات الإضرار تتفاوت درجات الكراهية، والتحريم) بالزيادة، والنقص، والقوة، والضعف .

التالي السابق


الخدمات العلمية