إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
قديم لا أول له .


(قديم لا أول له) ، اشتهر وصف الباري تعالى بالقديم في عبارات المتكلمين، ولم يرد في شيء من القرآن والآثار الصحيحة وصفه تعالى به، لكنه قد ورد ذكره في بعض الأدعية، وأحسبها مأثورة: "يا قديم الإحسان"، قاله الراغب.

قلت: قد أجمعت الأمة على وصفه تعالى به، ورد ذكره في بعض الأخبار التي ذكرت فيها الأسماء الحسنى، ودل عليه من القرآن قوله عز وجل: وما نحن بمسبوقين ، والخبر الذي ورد فيه ذكره هو ما أخبر به الشيخ المسند الجليل عمر بن أحمد بن عقيل، أجازه عن الإمام الحافظ عبد الله بن سالم البصري، أخبرنا محمد بن علاء الدين، أخبرنا علي بن يحيى، أخبرنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الحافظ، أخبرنا عبد الرحيم بن محمد، أخبرنا عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم البزدوي قراءة عليه وأنا أسمع بقاسيون، أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي، أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن أبي المطر الصيدلاني إجازة، أخبرنا أبو سعد إسماعيل بن أحمد بن عبد الملك النيسابوري، أخبرنا أبو الرجاء خلف بن عمرو بن عبد العزيز الفارسي، حدثنا الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمي، أخبرنا أبو عمرو ومحمد بن جعفر بن مطر، حدثنا عبد الله بن زيدان البجلي بالكوفة، حدثنا محمد بن عمرو بن الوليد الكندي، حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا عبد العزيز بن حصين، حدثني، أيوب السختياني وهشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن لله تسعة وتسعين اسما، من أحصاها كلها دخل الجنة". فساقها وذكر فيها بعد "الفتاح"، "القديم الوتر الفاطر الرازق" .

واختلف في وصفه بأنه قديم، فمنهم من قال: استحقه لنفسه، وبه قال أبو الحسن الأشعري، فعلى هذا هو من صفة الذات، ومنهم من قال: إنه تعالى قديم لمعنى يقوم به، وهو قول عبد الله بن سعيد، فيكون من أسماء الصفات الأزلية القائمة به، وشرح هذا القول أن الأشعري يقول: إن القديم معناه المقدم في وجود ما يكون بعده، والتقدم نوعان: أحدهما: تقدم بلا ابتداء، كتقدم الباري عز وجل وصفاته القائمة بذاته على الحوادث كلها، وهذا هو المراد من قول المصنف: قديم لا أول له. والثاني: تقدم بغاية، كتقدم بعض الحوادث على بعض، وأجاز وصف القديم على الله تعالى وعلى صفاته الأزلية، وقال: إن القديم قديم لنفسه، لا معنى يقوم به، فلا ينكر وصف صفاته الأزلية بهذا الوصف، كما لم ننكر وصفها بالوجود؛ إذ كان موجودا لنفسه، وقال عبد الله بن سعيد وأبو العباس القلانسي، وهما من قدماء الأشاعرة: إن القديم قديم بمعنى يقوم به، فهم يقولون: إن الإله سبحانه قديم لمعنى قائم به، ويقولون: إن صفاته قائمة به موجودة أزلية، ولا يقال: إنها قديمة، ولا محدثة، وزعمت المعتزلة أن الله تعالى لا يوصف بأنه قديم، ولا بأنه كان عالما في [ ص: 22 ] الأزل بنفسه، وسيأتي البحث في ذلك والرد عليهم إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية