إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
مسألة .

من ورث مالا ولم يدر أن مورثه من أين اكتسبه أمن حلال أم من حرام ولم يكن ثم علامة فهو حلال باتفاق العلماء ، وإن علم أن فيه حراما ، وشك في قدره أخرج مقدار الحرام بالتحري فإن لم يعلم ذلك ، ولكن علم أن مورثه كان يتولى أعمالا للسلاطين ، واحتمل أنه لم يكن ] أخذ في عمله شيئا أو كان قد أخذ ولم يبق في يده منه شيء لطول المدة ، فهذه شبهة يحسن التورع عنها ولا يجب وإن علم أن بعض ماله كان من الظلم فيلزمه إخراج ذلك القدر بالاجتهاد ، وقال بعض العلماء : لا يلزمه والإثم على المورث واستدل بما روي أن رجلا ممن ولي عمل السلطان مات ، فقال صحابي : الآن طاب ماله ، أي : لوارثه وهذا ضعيف لأنه لم يذكر اسم الصحابي ولعله صدر من متساهل فقد كان في الصحابة من يتساهل ، ولكن لا نذكره لحرمة الصحبة وكيف يكون موت الرجل مبيحا للحرام المتيقن المختلط ومن أين يؤخذ هذا نعم ، إذا لم يتيقن يجوز أن يقال هو غير مأخوذ بما لا يدري فيطيب لوارث لا يدري أن فيه حراما يقينا .


(مسألة) ثالثة: (من ورث مالا) من جهة، (ولم يدر أن مورثه من أين اكتسبه) أمن حلال أو من حرام، (ولم يكن ثم) ، أي: هناك، (علامة) دالة على الحل أو الحرمة، (فهو حلال باتفاق العلماء، وإن علم أن فيه حراما، وشك في قدره أخرج مقدار الحرام بالتحري) والاجتهاد، (وإن لم يعلم ذلك، ولكن علم أن مورثه) الذي ورث منه ذلك المال (كان يتولى أعمالا للسلاطين، واحتمل أنه لم يكن يأخذ في عمله شيئا) من المظالم، (أو كان أخذ ولم يبق منه في يده شيء لطول المدة) ، أو مع قصرها، (ولكن علم أنه صرفه إلى جهات معلومة، فهذه شبهة يحسن التورع عنها ولا يجب) ، أي: التورع هنا عن الشبهة استحسان لا بطريق الوجوب، (وإن علم أن بعض ماله كان من الظلم ) ، أي: قد تحصل منه، (فيلزمه إخراج ذلك القدر بالاجتهاد، وقال بعض العلماء: لا يلزمه) الإخراج أصلا، (بل الإثم) فيه (على المورث) ، وهو الذي كسبت يداه، (واستدل بما روي أن رجلا ممن ولي عمل السلطان مات، فقال صحابي:) أي: رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (الآن طاب ماله، أي: لوارثه) ، أي: فإن أكل منه أكل حلالا، (وهذا) الذي ذهب إليه بالاستدلال المذكور (ضعيف) لا يعمل به; (لأنه لم يذكر اسم الصحابي) ، فهو مجهول الاسم، ولكن الجهالة بالصحابة غير مضرة إذ كلهم عدول كما عرف في المصطلح، ولا أظن أحدا خالف في ذلك، وإنما تعتبر فيمن بعدهم من الطبقات، فتنزل مرتبة خبره عن القبول، (ولعله صدر من متساهل) بأمر دينه، (فقد كان ممن كان في الصحبة من يتساهل، ولكن لا نذكره لحرمة الصحبة) أي: احتراما لمقامها، وهذا أيضا فيه نظر، فإنهم كلهم عدول، وما صدر عن شذوذهم مما يرى أنه يعد من التساهل، فعن اجتهاد أو له تأويل (وكيف يكون موت الرجل مبيحا للحرام المتيقن المختلط ومن أين يؤخذ هذا) ، وقد يقال: إنه من أين يؤخذ قوله: أي لوارثه من قوله المذكور، فإنه يحتمل أن يقال: إن معناه الآن طاب ماله، أي: أمن من اختلاط الحرام فطاب، وكان قد عهد منه أنه لم يخلط ماله بما كان يأخذ من عمل ذلك السلطان، ولكنه ما دام كان حيا كان يخاف منه الاختلاط، فلما مات أمن ماله من ذلك، فإذا تأملت ما ذكرنا اتضح لك وجه تفسير قوله: إن صح عنه ذلك، ولا نذهب إلى ما ذهب إليه المصنف أن المراد منه أنه طاب لوارثه، وأيضا فهذا مدرج فليكشف عن حال من أدرج هذه الزيادة إن كان ثقة قبلت منه، وإلا فلا، (نعم، إذا لم يتيقن) أنه حرام (يجوز أن يقال هو غير مؤاخذ) عند الله تعالى (فيما لا يدري فيطيب لوارث لا يدري أن فيه حراما يقينا) ، وهذا تأويل حسن، وهو أولى من المصير إلى نسبة بعض الصحابة إلى التساهل، فافهم ذلك، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية