إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الحق الرابع .

على اللسان بالنطق فإن الأخوة كما تقتضي السكوت عن المكاره تقتضي أيضا النطق بالمحاب بل هو أخص بالأخوة لأن من قنع بالسكوت صحب أهل القبور وإنما تراد الإخوان ليستفاد منهم لا ليتخلص عن أذاهم ، والسكوت معناه كف الأذى ، فعليه أن يتودد إليه بلسانه ويتفقده في أحواله التي يجب أن يتفقد فيها كالسؤال عن عارض إن عرض وإظهار شغل القلب بسببه واستبطاء العافية عنه وكذا جملة أحواله التي يكرهها ينبغي أن يظهر بلسانه وأفعاله كراهتها وجملة أحواله التي يسر بها ينبغي أن يظهر بلسانه مشاركته له في السرور بها .

فمعنى الأخوة المساهمة في السراء والضراء وقد قال عليه السلام إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره .

وإنما أمر بالإخبار لأن ذلك يوجب زيادة حب فإن عرف أنك تحبه أحبك بالطبع لا محالة فإذا عرفت أنه أيضا يحبك زاد حبك لا محالة فلا يزال الحب يتزايد من الجانبين ويتضاعف .

والتحاب بين المؤمنين مطلوب في الشرع ومحبوب في الذين ؛ ولذلك علم فيه الطريق ، فقال : تهادوا تحابوا .


الحق الرابع:

(على اللسان بالنطق) لكونه آلة له (فإن الأخوة كما تقتضي السكوت عن المكاره تقتضي أيضا النطق بالمحاب) جمع محبوب (بل هو أخص بالأخوة) أي: من خصوصياتها (لأن [ ص: 221 ] من قنع بالسكوت صحب أهل القبور) وجاورهم (وإنما تراد الإخوان ليستفاد منهم لا ليتخلص عن أذاهم، والسكوت معناه كف الأذى، فعليه أن يتودد إليه بلسانه ويتفقده في أحواله التي يجب أن يتفقد فيها) وفي نسخة: أن يتفقده فيها (كالسؤال عن عارض عرض له) أي: حادث حدث له (وإظهار شغل القلب بسببه و) إظهار (استبطائه عنه) من وجه لا يكون فيه كاذبا (وكذا جملة أحواله التي يكرهها ينبغي أن يظهر بلسانه مشاركته له في السرور بها) ليتم ذلك معنى أخوته في الله ورسوله (فمعنى الأخوة في الله المساهمة) أي: المقاسمة (في السراء والضراء) والمنشط والمكره (وقد قال -صلى الله عليه وسلم- إذا أحب أحدكم أخاه) أي: لما فيه من الصفات المرضية (فليخبره ندبا مؤكدا) أي: أنه يحبه، قال العراقي: رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، والحاكم من حديث المقدام بن معدي كرب. انتهى .

قلت: وكذلك رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن حبان كلهم من طريق حبيب بن عبيد عن المقدام، والمقدام صحابي له وفادة نزل حمص ومات سنة سبع وثمانين، فلفظ أبي داود "فليخبره أنه يحبه" ولفظ البخاري "فليعلمه أنه أحبه" ولفظ الترمذي: فليعلمه إياه، ولفظ النسائي: فليعلمه ذلك. ورواه ابن حبان أيضا من حديث أنس والبخاري في الأدب أيضا من حديث رجل من الصحابة .

وأخرج البيهقي في الشعب من حديث ابن عمر: إذا أحب أحدكم عبدا فليخبره فإنه يجد مثل الذي يجد له.

وأخرج أحمد والضياء في المختارة من حديث أبي ذر: إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته منزله فليخبره أنه يحبه لله.

(وإنما أمر بالإخبار) والإعلام (لأن ذلك يوجب زيادة حب) له وهو إحساس بوصلة لا يدرك كنهها (فإنه إن عرف أنك تحبه) استمال قلبه إليك و (أحبك بالطبع لا محالة وإذا عرفت أنه أيضا يحبك زاد حبك لا محالة) وعلى كل حال فاجتلاب الود حاصل (فلا يزال الحب يتزايد من الجانبين ويتضاعف) وتجتمع الكلمة وينتظم الشمل إلى أن ينقلب ذاتيا، وذلك حين يعرى عن المفاسد (والتحاب بين المؤمنين مطلوب في الشرع ومحبوب في الدين؛ ولذلك علم فيه الطريق، فقال -صلى الله عليه وسلم-: تهادوا تحابوا) رواه أبو هريرة .

وأخرجه البيهقي وغيره، وقد تقدم الكلام عليه في آخر الكتاب الذي قبله؛ أي: تهادوا بينكم تزدادوا محبة مع بعضكم. وعند الطبراني من حديث أم حكيم: تهادوا فإن الهدية تضعف الحب وتذهب بغوائل الصدر. وعند البيهقي من حديث أنس: تهادوا فإن الهدية تذهب بالسخيمة.. إلى غير ذلك من الأخبار الواردة مما تقدم ذكر بعضها .

التالي السابق


الخدمات العلمية