إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأعظم من ذلك تأثيرا في جلب المحبة الذب عنه في غيبته مهما قصد بسوء أو تعرض لعرضه بكلام صريح أو تعريض فحق الأخوة التشمير في الحماية والنصرة وتبكيت المتعنت وتغليظ القول عليه والسكوت عن ذلك موغر للصدر ومنفر للقلب وتقصير في حق الأخوة .

وإنما شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخوين باليدين تغسل إحداهما الأخرى لينصر أحدهما الآخر وينوب عنه .

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخدله ولا يثلمه .

وهذا من الانثلام والخذلان فإن إهماله لتمزيق عرضه كإهماله لتمزيق لحمه .

فأخسس بأخ يراك والكلاب تفترسك وتمزق لحومك وهو ساكت لا تحركه الشفقة والحمية للدفع عنك وتمزيق الأعراض أشد على النفوس من تمزيق اللحوم ؛ ولذلك شبهه الله تعالى بأكل لحوم الميتة ، فقال أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا والملك الذي يمثله في المنام ما تطالعه الروح من اللوح المحفوظ بالأمثلة المحسوسة يمثل الغيبة بأكل لحوم الميتة حتى أن من يرى أنه يأكل لحم ميتة فإنه يغتاب الناس لأن ذلك الملك في تمثيله يراعي المشاركة والمناسبة بين الشيء وبين مثاله في المعنى الذي يجري من المثال مجرى الروح لا في ظاهر الصور .


(وأعظم من ذلك تأثير في جلب المحبة) وتحصيل المودة (الذب) أي: الدفع (عنه في) حال (غيبته مهما قصد) أي: قصده غيره (بسوء) من إذاية وغيرها (أو تعرض لعرضه بكلام قبيح) لا يليق بمثله (صريح أو تعريض فحق الأخوة) الإلهية (التشمير في الحماية) له (والنصرة) والإعانة (وتبكيت المتعنت) وتسكيته عليه (وتغليظ القول عليه) مع إراءة الغضب والحدة ليرتدع عنه (فالسكوت عن ذلك يوغر الصدر) أي: يملؤه حرارة (وينفر القلب) ويوحشه (ويقصر في حق الأخوة) المطلوب منه (وإنما شبه -صلى الله عليه وسلم- الأخوة باليدين تغسل أحدهما الأخرى) ، وهو من حديث سلمان الفارسي -رضي الله عنه- روي مرفوعا وموقوفا كما تقدم ذلك قبله (لينصر أحدهما الآخر وينوب عنه) في مهماته .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه) رواه مسلم من حديث أبي هريرة، وقد تقدم قريبا (وهذا) أي: سكوته عن النصرة له (من الإسلام والخذلان لأن إهماله) أي: تركه (ليمزق عرضه كإهماله ليمزق لحمه) سواء (وأخسس بأخ يراك والكلاب) قد أحاطت بك تنوشك و (تفترسك وتمزق لحمك) بأنيابها (وهو ساكت لا تحركه الشفقة) الإسلامية (والحمية) الأخوية (ليدفع عنك) شرهم (وتمزيق الأعراض أشد على النفوس من تمزيق اللحوم؛ ولذلك شبهه الله تعالى بأكل لحوم الميتة، فقال) عز من قائل ( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ) (والملك الذي يمثل في المنام) لأحدنا (ما تطالعه الروح) أي: يشاهده (من اللوح المحفوظ بالأمثلة المحسوسة) في الظاهر (يمثل الغيبة بأكل الميتة حتى إن من رأى أنه يأكل لحم ميت فإنه يغتاب الناس) هكذا اتفق عليه أئمة التعبير أخذا من الآية (لأن ذلك الملك في تمثيله يدعي المشاركة والمناسبة بين الشيء وأمثاله في المعنى الذي يجري من المثال مجرى الروح لا في ظاهر الصورة) كما علم ذلك في فن التعبير .

التالي السابق


الخدمات العلمية