إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومنها أن ينصف الناس من نفسه ولا يأتي إليهم إلا بما يحب أن يؤتى إليه ، قال صلى الله عليه وسلم : لا يستكمل العبد الإيمان حتى يكون فيه ثلاث خصال : الإنفاق من الإقتار والإنصاف من نفسه وبذل السلام .

وقال عليه السلام : من سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وليؤت ، إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه .

وقال صلى الله عليه وسلم : يا أبا الدرداء أحسن مجاورة من جاورك تكن مؤمنا ، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما .

قال الحسن أوحى الله تعالى إلى آدم صلى الله عليه وسلم بأربع خصال وقال فيهن جماع الأمر لك ولولدك واحدة لي وواحدة لك وواحدة بيني وبينك وواحدة بينك وبين الخلق فأما التي لي تعبدني ولا تشرك بي شيئا وأما التي لك فعملك أجزيك به أفقر ما تكون إليه وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعلي الإجابة ، وأما التي بينك وبين الناس فتصحبهم بالذي تحب أن يصحبوك به وسأل موسى عليه السلام الله تعالى فقال أي : رب أي عبادك أعدل قال ؟ : من أنصف من نفسه .


(ومنها أن ينصف الناس من نفسه ولا يأتي إليهم إلا بما يحب أن يؤتى إليه، قال -صلى الله عليه وسلم-: لا يستكمل العبد الإيمان حتى تكون فيه ثلاث خصال: الإنفاق من الإقتار) أي: الافتقار، افتقر الرجل إذا افتقر، فيكون المعنى الإنفاق من العدم وهو مشكل إذ العدم لا ينفق منه، ويخرج على وجوه: إما أن يكون "من" بمعنى "فيه" والمعنى: الإنفاق في حالة الفقر وهو من غاية الكرم، أو بمعنى "عند" أي: عند الفقر (والإنصاف من نفسه) أي: العدل منها، يقال: أنصف من نفسه وانتصفت أنا منه (وبذل السلام) أي: إعطاؤه وإفشاؤه، قال العراقي: رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث عمار بن ياسر، ووقفه البخاري. اهـ .

قلت: لفظ البخاري المعلق في باب السلام "من الإسلام" وقال عمار: "ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار". قال أبو القاسم [ ص: 264 ] اللكائي في كتاب السنة: حدثنا علي بن أحمد بن حفص، حدثنا أحمد بن علي المرهبي، حدثنا أبو محمد الحسن بن علي بن جعفر الصيرفي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا قطر، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن عمار، ورواه رستة في كتاب الإيمان له، وأحمد في مسنده كلاهما من طريق سفيان، ورواه يعقوب بن شيبة في مسنده من طريق شعبة وزهير بن معاوية وغيرهما، كلهم عن أبي إسحاق السبيعي عن صلة بن زفر عن عمار، ولفظ شعبة: "ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان" وهكذا في جامع معمر عن أبي إسحاق وكذا رواه عبد الرازق في المصنف فرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ورواه البزار في مسنده وابن أبي حاتم في العلل كلاهما عن الحسن بن عبد الله الكوفي، ورواه البغوي في شرح السنة من طريق أحمد بن كعب الواسطي وابن الأعرابي، وفي معجمه عن محمد بن الصباح عن الصغاني ثلاثتهم عن عبد الرزاق مرفوعا، وقال البزار: غريب، وقال أبو زرعة: هو خطأ، وقد روي مرفوعا من وجه آخر عن عمار وأخرجه الطبراني في الكبير لكن في إسناده ضعف .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: من سره أن يزحزح) أي: يخرج (عن النار و) أن (يدخل الجنة فلتأته منيته) أي: موته المقدر (وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه) .

قال العراقي: رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر ونحوه والخرائطي في مكارم الأخلاق بلفظه. اهـ .

قلت: ورواه كذلك الطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية ولفظهم "ويحب أن يأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه" (وقال -صلى الله عليه وسلم-: يا أبا الدرداء أحسن مجاورة من جاورك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما) .

قال العراقي: رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق بسند ضعيف، والمعروف أنه قال لأبي هريرة، وقد تقدم. اهـ .

قلت: وتمامه عند الخرائطي: "وارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس".

(وقال الحسن) البصري -رحمه الله تعالى- (أوحى الله إلى آدم -عليه السلام- بأربع) خصال (وقال فيهن جماع الأمر لك ولولدك) منها (واحدة لي) خاصة (وواحدة لك) خاصة (واحدة بيني وبينك) مشتركة (وواحدة بيني وبين الخلق) عامة (فأما) الخصلة (التي لي) خاصة (تعبدني) أي: توحدني (ولا تشرك بي شيئا) مما خلقت (وأما) الخصلة (التي لك) خاصة (فعملك أجزيك به) إن خيرا فخير وإن شرا فشر (أفقر ما تكون إليه) أي: أحرج (وأما) الخصلة (التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعلي الإجابة، وأما) الخصلة (التي بيني وبين الناس فتصحبهم بالذي تحب أن يصحبوك به) كذا أورده صاحب القوت (وسأل موسى -عليه السلام- ربه تعالى وقال: يا رب أي عبادك أعدل؟) أي: أكثر عدلا (فقال: من أنصف من نفسه) وفي المرفوع من حديث ابن عمر وعند الديلمي: "من أنصف الناس من نفسه ظفر بالجنة العالية".

التالي السابق


الخدمات العلمية