إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وكذلك كل من له عليه حق قديم فليكرمه .

روي أن ظئر رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته جاءت إليه فبسط لها رداءه ثم قال لها : مرحبا بأمي ، ثم أجلسها على الرداء ثم قال لها : اشفعي تشفعي وسلي تعطي فقالت : قومي فقال : أما حقي وحق بني هاشم فهو ذلك فقام الناس من كل ناحية وقالوا : وحقنا يا رسول الله ثم وصلها بعد وأخدمها ووهب لها سهمانه بحنين .

فبيع ذلك من عثمان بن عفان رضي الله عنه بمائة ألف درهم ولربما أتاه من يأتيه وهو على وسادة جالس ولا يكون فيها سعة يجلس معه فينزعها ويضعها تحت الذي يجلس إليه فإن أبى عزم عليه حتى يفعل .


(ومنها) أن (كل من عليه حق فليكرمه، روي أن ظئر رسول الله التي أرضعته) وأصل الظئر بالكسر وسكون الهمزة، ويجوز تخفيفها الناقة تعطف على غير ولدها، ثم سميت به المرأة تحضن غيرها، ويقال للرجل الحاضن ظئر أيضا والجمع آظار كحمل أحمال، والمراد هنا حليمة السعدية -رضي الله عنها- (جاءت إليه) زائرة (فبسط لها رداءه) الذي عليه (ثم قال لها: مرحبا بأمي، ثم أجلسها على الرداء ثم قال لها: اشفعي تشفعي) أي: تقبل شفاعتك (وسلي تعطي فقالت:) هبني (قومي) بني سعد من هوازن؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أغار عليهم (فقال: أما حقي وحق بني هاشم فهو لك) أي: وهبناه لك (فقام الناس من كل ناحية وقالوا: وحقنا يا رسول الله) أي: كذلك هبة لها (ثم وصلها بعد) ذلك (وأخدمها) أي: أعطاها خادما (ووهب لها سهمانه) الذي أصابها (من خيبر) فأخذت ذلك وانصرفت مكرمة (فبيع ذلك من عثمان بن عفان بمائة ألف درهم) وذلك أيام خلافته .

قال العراقي: رواه أبو داود والحاكم وصححه من حديث أبي الطفيل مختصرا في بسط ردائه لها دون ما بعده. اهـ .

قلت: أما حليمة بنت أبي ذؤيب فإنها جاءته يوم خيبر فقام إليها وبسط لها رداءه فجلست عليه، ذكره ابن عبد البر وروي أيضا وكذا ابن قتيبة أن خيلا له -صلى الله عليه وسلم- أغاروا على هوازن فأخذوا الشيماء بنت حليمة أخته -صلى الله عليه وسلم- من الرضاعة فقالت: أنا أخت صاحبكم فلما قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: يا محمد، أنا أختك، فرحب بها وبسط لها رداءه وأجلسها عليه ودمعت عيناه، وقال لها: "إن أحببت فأقيمي عندي مكرمة محببة وإن أحببت أن ترجعي إلى قومك وصلتك" قالت: بل أرجع إلى قومي، فأسلمت وأعطاها النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أعبد وجارية ونعما وشاء.

وفي مغازي موسى بن عقبة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما انصرف من الطائف إلى الجعرانة وفيها سبي هوازن قدمت عليه وفود هوازن مسلمين فيهم ستة نفر من أشرافهم فأسلموا وبايعوا ثم كلموه، فقالوا: يا رسول الله، إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات والعمات والخالات فقال: "سأطلب لكم" وقد وقعت المقاسم، وفيه: "أما الذي لبني هاشم فهو لكم وسوف أكلم لكم المسلمين" ثم تشفع لهم، وعند الطبراني في قصة زهير بن صرد لما أنشد تلك الأبيات ثم ساقها وفيه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم" وقالت قريش: ما كان لنا فهو لله ورسوله، وقالت الأنصار كذلك.

(ولربما أتاه) -صلى الله عليه وسلم- (من يأتيه وهو على وسادة جالس فلا يكون فيها سعة فيجلس معهم فينزعها) من تحته (ويضعها تحت الذي يجلس إليه فإن أبى) من جلوسه عليها (عزم عليه حتى يفعل) .

قال العراقي: رواه أحمد من حديث ابن عمرو أنه دخل عليه -صلى الله عليه وسلم- فألقى له وسادة حشوها ليف.. الحديث، وإسناده صحيح وللطبراني من حديث سلمان: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متكئ على وسادة فألقاها إلي، وسنده ضعيف، قال [ ص: 267 ] صاحب الميزان: هذا خبر ساقط .

التالي السابق


الخدمات العلمية