إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومنها أن يشيع جنائزهم قال صلى الله عليه وسلم : من شيع جنازة فله قيراط من الأجر ، فإن وقف حتى تدفن فله قيراطان .

وفي الخبر القيراط مثل أحد .

ولما روى أبو هريرة هذا الحديث وسمعه ابن عمر قال لقد فرطنا إلى الآن في قراريط كثيرة .

والقصد من التشييع قضاء حق المسلمين والاعتبار .

وكان مكحول الدمشقي إذا رأى جنازة قال : اغدوا فإنا رائحون .

موعظة بليغة وغفلة سريعة يذهب الأول والآخر لا عقل له .

وخرج مالك بن دينار خلف جنازة أخيه وهو يبكي ويقول والله : لا تقر عيني حتى أعلم إلى ما صرت ، ولا والله لا أعلم ما دمت حيا .

وقال الأعمش كنا نشهد الجنائز فلا ندري لمن نعزي لحزن القوم كلهم ونظر إبراهيم الزيات إلى قوم يترحمون على ميت فقال : لو ترحمون أنفسكم لكان أولى ، إنه نجا من أهوال ثلاث : وجه ملك الموت قد رأى ومرارة الموت قد ذاق ، وخوف الخاتمة قد أمن .

وقال صلى الله عليه وسلم : يتبع الميت ثلاث فيرجع اثنان ويبقى واحد يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله .


(ومنها أن يتبع جنائزهم) وفي بعض النسخ: "أن يشيع" (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من شيع) وفي نسخة: "من تبع" (جنازة فله قيراط من الأجر، فإن وقف حتى يدفن فله قيراطان) .

قال العراقي: رواه الشيخان من حديث أبي هريرة (وفي الخبر القيراط مثل) جبل (أحد) .

قال العراقي: رواه مسلم من حديث ثوبان وأبي هريرة، وأصله متفق عليه اهـ .

قلت: روى في الباب عن أبي هريرة وأبي سعيد وعبد الله ابن مغفل وثوبان وابن عمر وأبي بن كعب وابن مسعود بلفظ حديث أبي هريرة: "من تبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط من الأجر". وهكذا رواه البخاري والنسائي وابن حبان، ويروى: "من صلى على جنازة فله قيراط، ومن انتظرها حتى توضع في اللحد فله قيراطان، والقيراطان مثل الجبلين العظيمين" وهكذا رواه أحمد والنسائي وابن ماجه ورواه النسائي أيضا بلفظ: "من تبع جنازة فصلى عليها ثم انصرفت فله قيراط من الأجر، ومن تبعها فصلى عليها ثم قعد حتى فرغ من دفنها فله قيراطان من الأجر، كل واحد منهما أعظم من أحد" ويروى "من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط، فإن تبعها فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: أصغرهما مثل أحد".

وهكذا رواه مسلم والترمذي، وأما حديث أبي سعيد فلفظه مثل لفظ أبي هريرة، هكذا رواه أحمد والضياء في المختارة، وأما حديث عبد الله بن مغفل فلفظه: "من تبع جنازة حتى يفرغ منها فله قيراطان، فإن رجع قبل أن يفرغ منها فله قيراط" هكذا رواه النسائي والطبراني في الكبير، ويروى: "من شيع جنازة حتى تدفن فله قيراطان، ومن رجع قبل أن تدفن فله قيراط مثل أحد" وهكذا رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، ويروى "من صلى على جنازة فله قيراط فإن انتظرها حتى يفرغ منها فله قيراطان" وهكذا رواه أحمد، وأما حديث ثوبان فلفظه: "من تبع جنازة حتى يصلى عليها كان له من الأجر قيراط، ومن مشى مع الجنازة حتى تدفن كان له من الأجر قيراطان، فإن شهد دفنها فله قيراطان القيراط مثل أحد" وهكذا رواه الطبراني وأحمد ومسلم وابن ماجه وأبو عوانة.

ويروى: "من صلى على جنازة فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان القيراط مثل أحد" كذا رواه مسلم وابن ماجه، وأما حديث البراء فلفظه مثل لفظ ثوبان عند الطيالسي، هكذا رواه أحمد والنسائي والروياني والضياء، ويروى: من صلى على جنازة فله قيراط، ومن شهد دفنها فله قيراطان أحدهما مثل أحد" [ ص: 300 ] هكذا رواه ابن النجار، وأما حديث ابن عمر فلفظه: "من تبع جنازة حتى يصلى عليها ثم رجع فله قيراط، ومن صلى عليها ثم مشى معها حتى يدفنها فله قيراطان، القيراط مثل أحد". هكذا رواه الطبراني في الكبير، وأما حديث أبي بن كعب فلفظه "من تبع جنازة حتى يصلى عليها ويفرغ منها فله قيراطان، ومن تبعها حتى يصلى عليها فله قيراط، والذي نفسي بيده لهو أثقل في ميزانه من أحد" هكذا رواه أحمد وابن ماجه وأبو عوانة والدارقطني في الأفراد والطبراني في الأوسط والضياء في المختارة، وأما حديث ابن مسعود فلفظه كلفظ حديث ثوبان وهي الرواية الثانية التي تقدم ذكرها .

(ولما روى أبو هريرة) -رضي الله عنه- (هذا الحديث وسمعه ابن عمر) -رضي الله عنه- (قال) مصدقا: (لقد فرطنا) إذا (في قراريط كثيرة) هكذا هو في صحيح البخاري، (والقصد) الأعظم (من التشييع) أي: من اتباع الجنازة (أداء حق المسملين) ؛ إذ هو من جملة الحقوق المذكورة في الحديث المتقدم في أول الباب، (والاعتبار) والتفكر بما يئول إليه الحال .

(كان مكحول الدمشقي) هو أبو عبد الله بن أبي مسلم شهراب بن شادك بن سند بن شروان بن يزدك بن يعقوب بن كسرى، وكان جده من أهل هراة، فتزوج امرأة من ملوك كابل ثم هلك عنها، فانصرفت إلى أهلها فولدت شهراب، فلم يزل في أخواله بكابل حتى ولد مكحول وسبي من ثمة، فرفع إلى سعيد بن العاص فوهبه امرأة من هذيل فأعتقته، تابعي ثقة، روى عن عدة من الصحابة، وهو فقيه أهل الشام، صدوق، مات سنة اثنتي عشرة ومائة، وقيل: غير ذلك (إذا رأى جنازة قال: اغدوا فإنا رائحون) ، الغدو: السير في أول النهار والرواح في آخره (موعظة بليغة وغفلة سريعة يذهب الأول) فالأول (والآخر لا عقل له) فإنه لو كان له عقل لاتعظ بها، فالسعيد من وعظ بغيره .

(وخرج) أبو يحيى (مالك بن دينار) البصري (خلف جنازة أخيه وهو يبكي ويقول: لا تقرعيني حتى أعلم إلى ما صرت، ولا والله لا أعلمه ما دمت حيا، وقال) سليمان بن مهران (الأعمش) الكوفي: (كنا نشهد الجنازة فلا ندري من نعزي لحزن القوم كلهم) فلا يدرى من المعزى فيهم، وهذا لكثرة اعتبارهم بالموت .

(ونظر إبراهيم الزيات) أحد العارفين بالله (إلى أناس يترحمون على ميت فقال: لو ترحمون أنفسكم لكان أولى، إنه) أي: الميت (قد نجا من أهوال ثلاثة: وجه ملك الموت وقد رأى) وذلك عند قبض روحه (ومرارة الموت قد ذاق، وخوف الخاتمة قد أمن) فهذه ثلاث عقبات، فما من ميت إلا وقد عاين هذه الثلاثة واستراح .

و (قال -صلى الله عليه وسلم-: يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى) معه (عمله) .

قال العراقي: رواه مسلم من حديث أنس. اهـ .

قلت: وكذلك رواه ابن المبارك وأحمد والبخاري والترمذي، وقال: حسن صحيح، والنسائي.

التالي السابق


الخدمات العلمية