إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
حقوق المملوك .

اعلم أن ملك النكاح قد سبقت حقوقه في آداب النكاح ، فأما ملك اليمين فهو أيضا يقتضي حقوقا في المعاشرة لا بد من مراعاتها ، فقد كان من آخر ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال : اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم ، أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون ، فما أحببتم فأمسكوا وما كرهتم فبيعوا ، ولا تعذبوا خلق الله ؛ فإن الله ملككم إياهم ولو شاء لملكهم إياكم .

وقال صلى الله عليه وسلم : للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق .


(حق المملوك)

بملك اليمين (اعلم أن ملك النكاح قد سبقت حقوقه في آداب النكاح، فأما ملك اليمين فهو أيضا يقتضي [ ص: 323 ] حقوقا في المعاشرة لا بد من مراعاتها، فقد كان آخر ما أوصى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن قال: اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، فما أحببتم فأمسكوا وما كرهتم فبيعوا، ولا تعذبوا خلق الله؛ فإن الله تعالى ملككم إياهم ولو شاء لملكهم إياكم) .

قال العراقي: هو مفرق في عدة أحاديث، فروى أبو داود من حديث علي كان آخر كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم. وفي الصحيحين من حديث أنس: كان آخر وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين حضره الموت: الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم. ولهما من حديث أبي ذر: أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم. لفظ رواية لمسلم وفي رواية لأبي داود: من يمكم من مملوكيكم فأطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون ومن لم يلايمكم منهم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله تعالى. وإسناده صحيح اهـ .

قلت: حديث علي أخرجه كذلك ابن ماجه، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد بلفظ: اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم.

وروى الخطيب من حديث أم سلمة: اتقوا الله في الصلاة وما ملكت إيمانكم. ورواه البيهقي في الشعب من حديث أنس: اتقوا الله في الصلاة ثلاث مرات، وذكر في الرابعة: اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم. وأما حديث أبي ذر في المتفق عليه، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة عن واصل الأحدب عن المعرور قال: لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: يا أبا ذر أعيرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم.

هكذا أخرجه البخاري في كتاب الإيمان وفي العتق عن آدم عن شعبة عن واصل، وفي الأدب عن عمرو بن حفص بن غياث عن أبيه، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان والنذور عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن أحمد بن يونس عن زهير، وعن أبي بكر عن أبي معاوية عن إسحاق بن يونس عن عيسى بن يونس، كلهم عن الأعمش، وعن أبي موسى وبندار عن غندر عن شعبة عن واصل كلاهما عن المعرور. ولفظ أبي داود: رأيت أبا ذر بالربذة وعليه برد غليظ وعلى غلامه مثله قال: فقال القوم: يا أبا ذر. فساق الحديث وفيه إنهم إخوانكم فضلكم الله عليهم، فمن لم يلائمكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله. وفي رواية له: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إخوانكم جعلهم الله في أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه وليلبسه من لباسه ولا يكلفه ما يغلبه؛ فإن كلفه ما يغلبه فليعنه. وفي رواية له: من يمكم. إلخ. كما ساقه العراقي، وهذه قد أخرجها أيضا أحمد والبيهقي وروى ابن ماجه من حديث أبي بكر -رضي الله عنه-: مملوكك يكفيك، فإذا صلى فهو أخوك، فأكرموهم كرامة أولادكم وأطعموهم مما تأكلون.

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق) وفي رواية: إلا ما يطيق .

قال العراقي: رواه مسلم من حديث أبي هريرة اهـ .

قلت: رواه أيضا عبد الرزاق وأحمد بدون قوله: بالمعروف، وكذا ابن حبان بزيادة: فإن كلفتموهم فأعينوهم ولا تعذبوا عباد الله خلقا أمثالكم. وقد رواه البيهقي في الشعب بلفظ المصنف .

التالي السابق


الخدمات العلمية