إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : لا يدخل الجنة خب ولا متكبر ولا خائن ولا سيئ الملكة .

وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، كم نعفو عن الخادم ؟ فصمت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : اعف عنه في كل يوم سبعين مرة .

وكان عمر رضي الله عنه يذهب إلى العوالي كل يوم سبت ، فإذا وجد عبدا في عمل لا يطيقه وضع عنه .

منه ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه : أنه رأى رجلا على دابته وغلامه يسعى خلفه ، فقال له : يا عبد الله خلفك احمله فإنما هو أخوك ، روحه مثل روحك ؛ فحمله ثم قال لا يزال العبد يزداد من الله بعدا ما مشى .

خلفه وقالت جارية لأبي الدرداء إني سممتك منذ فما عمل فيك شيئا فقال : لم فعلت ذلك؟ فقالت : أردت الراحة منك ، فقال اذهبي فأنت حرة لوجه تعالى .

وقال الزهري متى قلت للمملوك : أخزاك الله ؛ فهو .

حر وقيل للأحنف بن قيس ممن تعلمت الحلم ؟ قال : من قيس بن عاصم له : فما بلغ من حلمه ؟ قال : بينما هو جالس في داره إذا إذ أتته خادمة له بسفود عليه شواء فسقط السفود من يدها على ابن له فعقره فمات فدهشت الجارية فقال ليس يسكن روع هذه الجارية إلا العتق فقال لها : أنت حرة لا بأس عليك .

وكان عون بن عبد الله إذا عصاه غلامه قال ما أشبهك بمولاك مولاك يعصي مولاه وأنت تعصي مولاك فأغضبه يوما فقال : إنما تريد أن أضربك ، اذهب فأنت حر .

وكان عند ميمون بن مهران ضيف فاستعجل على جاريته بالعشاء فجاءت مسرعة ومعها قصعة مملوءة فعثرت وأراقتها على رأس سيدها ميمون ، فقال : يا جارية أحرقتني، قالت : يا معلم الخير ومؤدب الناس ارجع إلى ما قال الله تعالى قال: وما قال الله تعالى ؟ قالت : قال : والكاظمين الغيظ قال : قد كظمت غيظي قالت : والعافين عن الناس قال: قد عفوت عنك ، قالت : زد ، فإن الله تعالى يقول : والله يحب المحسنين قال : أنت حرة لوجه الله تعالى .

، وقال ابن المنكدر أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عبدا له فجعل العبد يقول : أسألك بالله أسألك بوجه الله فلم يعفه فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صياح العبد فانطلق إليه ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك يده فقال رسول الله : سألك بوجه الله فلم تعفه فلما رأيتني أمسكت يدك ! قال : فإنه حر لوجه الله يا رسول الله ، فقال : لو لم تفعل لسفعت وجهك النار .

وقال صلى الله عليه وسلم العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين .


(وقال -صلى الله عليه وسلم-: لا يدخل الجنة خب) الخب بالكسر: الخداع، ورجل خب بالفتح تسمية بالمصدر (ولا مكر) ككتف أي: صاحب مكر، ويحتمل أن يكون بفتح فسكون تسمية بالمصدر كما في خب (ولا خائن) أي: صاحب خيانة (ولا سيئ الملكة) الذي يسيء السيرة مع من يملكه .

قال العراقي: رواه أحمد مجموعا والترمذي مفرقا وابن ماجه مقتصرا على: سيئ الملكة. من حديث أبي بكر، وليس عند أحد منهم: مكر. وزاد أحمد والترمذي: البخيل والمنان. وهو ضعيف، وحسن الترمذي أحد طرقه اهـ .

قلت: لفظ أحمد: لا يدخل الجنة بخيل ولا خب ولا خائن ولا سيئ الملكة، وأول من يقرع باب الجنة المملوكون إذا أحسنوا فيما بينهم وبين الله وفيما بينهم وبين مواليهم. وفي رواية له: لا يدخل الجنة بخيل ولا خب ولا منان ولا سيئ الملكة، وأول من يدخل الجنة المملوك إذا أطاع الله وأطاع [ ص: 324 ] سيده. وهذا اللفظ رواه الخرائطي في مساوئ الأخلاق من حديث أنس وعند الخطيب في كتاب البخلاء وابن عساكر من حديث أبي بكر: لا يدخل الجنة خب ولا بخيل ولا منان ولا منافق ولا سيئ الملكة، وإن أول من يقرع باب الجنة المملوك والمملوكة، فاتقوا الله وأحسنوا فيما بينكم وبين الله وفيما بينكم وبين مواليكم.

وروى الطيالسي من حديث أبي بكر: لا يدخل الجنة خب ولا خائن. ولفظ ابن ماجه: لا يدخل الجنة سيئ الملكة. قد رواه كذلك الطيالسي والترمذي، وقال: حسن غريب، والدارقطني في الأفراد .

(وقال عبد الله بن عمر) -رضي الله عنه- (جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، كم نعفو عن الخادم؟ فصمت) أي: سكت (عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: اعف عنه كل يوم سبعين مرة) .

قال العراقي: رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن غريب، (وكان عمر) بن الخطاب (- رضي الله عنه- يذهب إلى العوالي) موضع قرب المدينة به نخيل وزراعة كأنه جمع عالية (كل يوم سبت، فإذا وجد عبدا في عمل لا يطيقه وضع عنه منه) أي: خففه عليه بأن يعينه بنفسه في عمله، وقد بقيت هذه السنة إلى الآن عند أهل المدينة فإنهم يذهبون إلى العوالي في كل سبت .

(ويروى عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أنه رأى رجلا على دابة وغلامه يسعى خلفه، فقال له: يا عبد الله احمله) أي: أركبه خلفك (فإنما هو أخوك، روحه مثل روحك؛ فحمله) خلفه (ثم قال) أبو هريرة: (لا يزال العبد يزداد من الله -عز وجل- بعدا ما مشى خلفه) وقد روى نحوه في المرفوع، وقال أبو نعيم في الحلية: بسنده إلى سليمان بن عنز قال: لقينا كريب بن أبراهة راكبا ووراءه غلام له فقال: سمعت أبا الدرداء يقول: لا يزال العبد يزيد من الله بعدا كلما مشى خلفه .

(وقالت جارية لأبي الدرداء) -رضي الله عنه- (إني سممتك منذ سنة) إما في طعام أو شراب (وما فعل فيك شيئا) أي: لم يؤثر فيك (فقال: لم فعلت ذلك؟ قالت: أردت الراحة منك، فقال) لها: (اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى وقال) أبو بكر محمد بن مسلم بن شهاب (الزهري) -رحمه الله تعالى-: (متى قلت للمملوك: أخزاك الله؛ فهو حر) أي: مكافأته أن يعتقه في سبيل الله تعالى .

(وقيل للأحنف بن قيس) التميمي -رضي الله عنه- وكان أحلم الناس حتى ضرب المثل بحلمه (ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم) بن سنان بن خالد المنقري، صحابي مشهور بالحلم، نزل البصرة -رضي الله عنه- روى له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي والنسائي (قيل له: فما بلغ من حلمه؟ قال: بينما هو جالس في داره إذ أتته خادم له) أي: جارية (بسفود) كتنور جمعه سفافيد (عليه شواء) أي: لحم مشوي (فسقط السفود من يدها على ابن له) صغير (فعقره) أي: قتله (فمات فدهشت الجارية) أي: أصابها الدهش؛ أي: الحيرة (فقال) قيس في نفسه: (ليس يسكن فزع هذه الجارية إلا العتق) فقال لها: (أنت حرة) لوجه الله (لا بأس عليك .

وكان عون بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي أبو عبد الله الكوفي الزاهد قال أحمد وابن معين والعجلي والنسائي ثقة وكان ملازما لعمر بن عبد العزيز وهو خليفة روى له الجماعة إلا البخاري (إذا عصاه غلامه قال) له: (ما أشبهك بمولاك مولاك يعصي مولاه) يعني به نفسه يعصي الله تعالى (وأنت تعصي مولاك) ولا يزيد على هذا (فأغضبه يوما) بمخالفته أمرا من أوامره (فقال: إنما تريد أن أضربك، اذهب فأنت حر) ولم يضربه فهذا وأمثاله من الرفق بالمماليك .

(وكان عند ميمون بن مهران) أبي أيوب الجزري كاتب عمر بن عبد العزيز تقدم ذكره مرارا (ضيف فاستعجل جاريته بالعشاء) تقدمه للضيف (فجاءت مسرعة ومعها قصعة مملوءة) من الثريد (فعثرت) في ذيلها (وأراقتها على رأس سيدها ميمون، فقال: يا جارية أحرقتيني فقالت: يا معلم الخير ويا مؤدب الناس ارجع إلى ما قال الله تعالى قال) لها: (وما قال الله تعالى؟ قالت: قال: والكاظمين الغيظ قال: قد كظمت غيظي) أي: كففته (قالت: والعافين عن الناس قال: [ ص: 325 ] قد عفوت عنك، قالت: زد، فإن الله -عز وجل- يقول: والله يحب المحسنين قال: أنت حرة لوجه الله، وقال) محمد (ابن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير التيمي أبو عبد الله، ويقال أبو بكر القرشي المدني تابعي ثقة روى له الجماعة، مات سنة ثلاثين ومائة (إن رجلا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ضرب عبدا له فجعل العبد يقول: أسألك بالله أسألك بالله) مرتين (أسألك بوجه الله) قال: (فسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صياح العبد فانطلق إليه، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمسك يده) عن ضربه (فقال -صلى الله عليه وسلم-: سألك بوجه الله تعالى فلم تعفه فلما رأيتني أمسكت يدك! قال: فإنه حر لوجه الله تعالى يا رسول الله، فقال: لو لم تفعل لسفعت وجهك النار) .

قال العراقي: رواه ابن المبارك في الزهد هكذا مرسلا وفي رواية لمسلم في حديث أبي مسعود الآتي ذكره فجعل يقول: أعوذ بالله، قال: فجعل يضربه فقال: أعوذ برسول الله فتركه. وفي رواية له فقلت: هو حر لوجه الله، فقال: أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار. اهـ .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-) : إن (العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله تعالى فله أجره مرتين) .

قال العراقي: متفق عليه من حديث ابن عمر اهـ .

قلت: أخرجاه من طريق مالك عن الزهري عن نافع عنه وأخرجه أبو داود أيضا من هذا الوجه .

وأخرجاه أيضا من طريق عبيد الله بن عمر ومسلم وحده من طريق أسامة بن زيد ثلاثتهم عن نافع عنه .

وروى مسلم من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ: إذا أدى العبد حق الله وحق مواليه كان له أجران، فقال: فحدثتها كعبا، فقال كعب: ليس عليه حساب ولا على مؤمن مزهد .. .

وروى الشيخان من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا: للعبد المملوك الصالح أجران .

قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك.
هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: المصلح. وعند البخاري من رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا: نعما لأحدهم يحسن عبادة الله وينصح لسيده.

إن قلت: قوله: فله أجره مرتين، يفهم أنه يؤجر على العمل الواحد مرتين مع أنه لا يؤجر على كل عمل إلا مرة واحدة؛ لأنه يأتي بعملين مختلفين: عبادة الله ونصح سيده، فيؤجر على كل من العملين مرة، وكذا كل آت بطاعتين يؤجر على كل واحدة أجرها ولا خصوصية للعبد بذلك، قلت: يحتمل وجهين: أحدهما: لما كان جنس العمل مختلفا؛ لأن أحدهما طاعة الله والآخر طاعة مخلوق خصه بحصول أجره مرتين؛ لأنه يحصل له الثواب على عمل لا يأتي فيه حق غيره، بخلاف من لا يتأتى في حقه إلا طاعة الله خاصة؛ فإنه يحصل أجره مرة واحدة؛ أي: على كل عمل أجر، وأعماله من جنس واحد، لكن يظهر مشاركة المطيع لأميره والمرأة لزوجها والولد لوالده له في ذلك. ثانيهما: ما يمكن أن يكون في العمل الواحد طاعة الله وطاعة سيده فيتحصل له على العمل الواحد الأجر مرتين لامتثاله بذلك أمر الله وأمر سيده المأمور بطاعته، وقال ابن عبد البر: معنى الحديث عندي، والله أعلم: أن العبد لما اجتمع عليه أمران واجبان، طاعة سيده في المعروف وطاعة ربه، فقام بهما جميعا كان له ضعفا أجر الحر المطيع لربه مثل طاعته؛ لأنه قد أطاع الله فيما أمر به من طاعة سيده ونصحه وأطاعه أيضا فيما افترض عليه، ومن هذا المعنى عندي أنه من اجتمع عليه فرضان فأداهما كان أفضل ممن ليس عليه إلا فرض واحد فأداه، فمن وجبت عليه زكاة وصلاة فقام بهما فله أجران ومن لم تجب عليه زكاة وأدى صلاته فله أجر واحد. وعلى هذا يعصي من اجتمعت عليه فروض فلم يؤد شيئا منها، وعصيانه أكثر من عصيان من لم تجب عليه إلا بعض تلك الفروض. والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية