إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأن يؤمن بالحوض المورود حوض محمد صلى الله عليه وسلم يشرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة ، وبعد جواز الصراط من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ، عرضه مسيرة شهر ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، حوله أباريق عددها بعدد نجوم السماء فيه ميزابان يصبان من الكوثر .


(وأن يؤمن بالحوض المورود) وهو (حوض) نبينا (محمد صلى الله عليه وسلم) الذي يعطاه في الآخرة، وهو جسم مخصوص متسع الجوانب ترده هذه الأمة، وعند مسلم في حديث أنس في نزول: إنا أعطيناك الكوثر ، "هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة"، وعندهم في حديث ابن مسعود وعقبة بن عامر وجندب وسهل بن سعد: "أنا فرطكم على الحوض"، ومن حديث ابن عمر: "أمامكم حوض كما بين جرباء وأذرح"، وقال الطبراني: "كما بينكم وبين جرباء وأذرح"، وهو ذكر الحوض في الصحيح من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو وحذيفة وأبي ذر وجابر بن سمرة وحارث بن وهب وثوبان وعائشة وأم سلمة وأسماء، وقد خرج أحاديثه الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في جزء استوعب فيه ظواهر الأحاديث أنه بجانب الجنة كما قاله الحافظ ابن حجر.

(ويشرب منه المؤمنون) الذين وفوا بعهد الله وميثاقه، وماتوا على ذلك لم يغيروا ولم يبدلوا، وهذا الوصف إن شمل جميع مؤمني الأمم السابقة لكنه خلاف ظواهر الأحاديث أنه لا يرده إلا مؤمنو هذه الأمة; لأن كل أمة إنما ترد حوض نبيها، وتخصيص حوض نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بالذكر لوروده بالأحاديث البالغة مبلغ التواتر، بخلاف غيره بوروده بالآحاد (قبل دخول الجنة، وبعد جواز الصراط) على الصحيح، ولكن جهل تقدمه على الصراط أو تأخره عنه لا يضر اعتقاده، وإنما الواجب اعتقاد ثبوته .

(ومن شرب منه شربة لم يظمأ) أي: لم يعطش (بعدها) أي: بعد تلك الشربة (أبدا، عرضه مسيرة شهر، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، حوله أباريق عدد نجوم السماء) ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- رفعه: "حوضي مسيرة شهر، زواياه سواء، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه أكثر من نجوم السماء، من شرب منه لا يظمأ أبدا"، ولهما في حديث [ ص: 40 ] أنس: "فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء"، وفي رواية لمسلم: "أكثر من عدد نجوم السماء"، وفي رواية أخرى: "له عدد النجوم"، وفيما أوحى الله تعالى إلى عيسى -عليه السلام- من صفة نبينا -عليه الصلاة والسلام- "له حوض أبعد من مكة إلى مطلع الشمس، فيه آنية مثل عدد نجوم السماء، وله لون كل شراب الجنة، وطعم كل ثمار الجنة".

(فيه ميزابان يصبان من الكوثر) وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان: "يصب فيه ميزابان يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من ورق"، ويروى أن الصحابة قالوا: يا رسول الله، أين نطلبك يوم الحشر؟ فقال: "على الصراط، فإن لم تجدوني فعلى الميزان، فإن لم تجدوني فعلى الحوض"، وفي هذا تنبيه على ترتيب الصراط والميزان والحوض، وهي مسألة توقف فيها أكثر أهل العلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية