إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فهذه هي أقسام الأسفار ويخرج من هذه القسمة أقسام .

القسم الأول السفر : في طلب العلم وهو إما واجب وإما نفل ، وذلك بحسب كون العلم واجبا أو نفلا .

وذلك العلم إما علم بأمور دينه أو بأخلاقه في نفسه أو بآيات الله في أرضه .

وقد قال صلى الله عليه وسلم : من خرج من بيته في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع .

وفي خبر آخر : من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة .

وكان سعيد بن المسيب يسافر الأيام في طلب الحديث الواحد .

وقال الشعبي لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى ما كان سفره ضائعا .

ورحل جابر بن عبد الله من المدينة إلى مصر مع عشرة من الصحابة فساروا شهرا في حديث بلغهم عن عبد الله أنيس الأنصاري يحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعوه .


( فهذه هي أقسام الأسفار وتخرج عن هذه القسمة أقسام) أربعة:

(القسم الأول: في طلب العلم وهو إما واجب وإما نفل، وذلك بحسب كون العلم واجبا أو نفلا، وذلك العلم إما علم بأمور دينية أو بأخلاقه في نفسه أو بآيات الله في أرضه وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: من خرج من بيته في طلب العلم) الشرعي النافع الذي أريد به وجه الله (فهو في سبيل الله) أي: حكمه حكم من هو في الجهاد (حتى يرجع) لما في طلبه من إحياء الدين وإذلال الشيطان وإتعاب النفس، وفي قوله حتى يرجع إشارة إلى أنه بعد الرجوع وإنذار القوم له درجة أعلى من تلك الدرجة لأنه حينئذ ورث الأنبياء في تكميل الناقصين. قال العراقي: رواه الترمذي من حديث أنس وقال حسن غريب . اهـ .

قلت: وكذلك رواه أبو يعلى والطبراني والضياء في المختارة وفي خالد بن يزيد اللؤلؤي قال العقيلي: لا يتابع على كثير من حديثه، وذكر له هذا الخبر قال الذهبي: وهو مقارب الحديث وفي رواية لأبي نعيم في الحلية بلفظ: من طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع، (وفي خبر آخر: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة) رواه الترمذي وقال حسن: من حديث أبي هريرة ويروى: من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع. الحديث بطوله رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي من حديث أبي الدرداء، وقد تقدم ذلك في كتاب العلم .

(وكان سعيد بن المسيب) -رحمه الله تعالى- وهو من كبار التابعين (يسافر أياما في طلب الحديث الواحد) كذا في القوت (وقال) عامر بن شراحيل (الشعبي) -رحمه الله تعالى- (لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في كلمة) أي: لأجل تحصيل كلمة (تدله على الهدى أو ترده عن ردى ما كان سفره ضائعا) نقله صاحب القوت (ورحل جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنه- [ ص: 385 ] عنه (من المدينة إلى مصر مع غيره من الصحابة فسافروا شهرا في حديث بلغهم عن عبد الله بن أنيس) بن أسد الجهني ثم (الأنصاري) حليفهم يكنى أبا يحيى روى عنه أولاده وعمر وحمزة وعبد الله وبسر بن سعيد، روى له الجماعة إلا البخاري مات بالشام سنة ثمانين (يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى سمعوه) . وقال ابن إسحاق، وهو من قضاعة حليف لبني سلمة وهو أنه بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى خالد بن نبيح الغزي فقتله وهو الذي سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ليلة القدر، وهو الذي رحل إليه جابر بن عبد الله فسمع منه حديث القصاص، وهذا الذي ساقه المصنف هو بعينه لفظ القوت .

وقال العراقي: رواه الخطيب في كتاب الرحلة بإسناد حسن ولم يسم الصحابي. وقال البخاري في صحيحه: رحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد ورواه أحمد إلا أنه قال: إلى الشام، وإسناده حسن، ولأحمد: إن أبا أيوب ركب إلى عقبة بن عامر إلى مصر في حديث وله أن عقبة بن عامر أتى سلمة بن مخلد وهو أول أمير بمصر في حديث آخر وكلاهما منقطع . اهـ .

قلت: ويقال: هو عبد الله بن أبي أنيسة، قال الوليد بن مسلم، حدثنا داود بن عبد الرحمن المكي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت حديثنا في القصاص لم يبق أحد يحفظه إلا رجل بمصر يقال: له عبد الله ابن أبي أنيسة، فساقه، ولكن الصحيح ما قاله البخاري.

وقرأت في تاريخ مصر لمحمد بن الربيع الجيزي ما نصه: قدم جابر بن عبد الله الأنصاري مصر بعد الفتح على عقبة بن عامر الجهني ويقال: على عبد الله بن أنيس الجهيني وكان قدومه في أيام مسلمة بن مخلد ولأهل مصر عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو من عشرة أحاديث ثم ساقها ثم قال: ومما يبين قدوم جابر مصر ما حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال: حدثنا عمر حدثني محمد بن مسلم عن القاسم بن عبد الواحد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: كان عبد الله بن أنيس الجهيني وكان عداده في الأنصار يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا في القصاص، قال جابر: فخرجت إلى السوق فاشتريت بعيرا ثم شددت عليه رحلا ثم سرت إليه شهرا، فلما قدمت مصر سألت عنه حتى وقفت على بابه فخرج إلي غليم أسود فقال: من أنت؟ قال: قلت: جابر بن عبد الله، فدخل عليه فذكر ذلك له فقال له أصاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فخرج الغلام فقال ذلك لي فقلت: نعم، فخرج إلي فالتزمني والتزمته وذكر الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية