إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الثامن : أن يحتاط بالنهار فلا يمشي منفردا خارج القافلة لأنه ربما يغتال أو ينقطع ويكون بالليل متحفظا عند النوم .

كان صلى الله عليه وسلم إذا نام في ابتداء الليل في السفر افترش ذراعيه وإن نام في آخر الليل نصب ذراعيه نصبا وجعل رأسه في كفه .

والغرض من ذلك أن لا يستثقل في النوم فتطلع الشمس وهو نائم لا يدري فيكون ما يفوته من الصلاة أفضل مما يطلبه بسفره .

والمستحب بالليل أن يتناوب الرفقاء في الحراسة فإذا نام واحد حرس آخر .

فهذه السنة .

ومهما قصده عدو أو سبع في ليل أو نهار فليقرأ آية الكرسي وشهد الله وسور الإخلاص والمعوذتين .

وليقل بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، حسبي الله توكلت على الله ما شاء الله ، لا يأتي بالخيرات إلا الله ، ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله حسبي الله وكفى ، سمع الله لمن دعا ليس وراء الله منتهى ، ولا دون الله ملجأ ، كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ، إن الله قوي عزيز ، تحصنت بالله العظيم ، واستعنت بالحي القيوم الذي لا يموت اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام ، واكنفنا بركنك الذي لا يرام ، اللهم ارحمنا بقدرتك علينا فلا نهلك وأنت ثقتنا ورجاؤنا اللهم اعطف علينا قلوب عبادك وإمائك برأفة ورحمة إنك أنت أرحم الراحمين .


(الثامن: أن يحتاط) لنفسه (بالنهار فلا يمشي منفردا خارج القافلة لأنه ربما يغتال) أي: يؤخذ غيلة (أو ينقطع) عن الرفقة (ويكون بالليل متحفظا عن النوم كان -صلى الله عليه وسلم- إذا نام في ابتداء الليل في السفر افترش ذراعه وإن نام في آخر الليل نصب ذراعه نصبا وجعل رأسه في كفه) تقدم في كتاب الحج، (والغرض من ذلك أن لا يستثقل في النوم) أي: لا يستغرقه لأنه إذا نصب الذراع لم يزل متهيئا لليقظة والافتراش يوجب [ ص: 409 ] الاستغراق (فتطلع الشمس) عليه (وهو نائم لا يدري) الوقت (فيكون ما يفوته في الصلاة أفضل مما يطلبه بسفره) من غزو أو حج أو تجارة .

(والمستحب بالليل أن يتناوب الرفقاء في الحراسة فإذا نام واحد حرس آخر) ، كل واحد بنوبته، (فهو السنة) تقدم في الباب الثاني من كتاب الحج (ومهما قصده عدو) من الآدميين (أو سبع في ليل أو نهار فليقرأ آية الكرسي) إلى: خالدون، (وسورة الإخلاص والمعوذتين، وشهد الله) إلى الإسلام، فقد وردت في كل ذلك أخبار، (وليقل بسم الله ما شاء الله ولا قوة إلا بالله، حسبي الله توكلت على الله ما شاء الله، لا يأتي بالخير إلا الله، ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله) . قال المحب الطبري في المناسك عن ابن عباس: ولا أحسبه إلا مرفوعا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يلتقي الخضر وإلياس في كل عام في الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه، ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات: بسم الله ما شاء الله، ما كان من نعمة فمن الله، ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال ابن عباس: من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات آمنه الله من الحرق والغرق والسرق.

قال عطاء: وأحسبه من الشيطان والسلطان والحية والعقرب. وتقدم ذلك في كتاب الحج، وأخرج الترمذي والبيهقي من حديث أنس: من قال حين خرج من بيته: بسم الله توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كفيت ووقيت ونحي عنه الشيطان. قال الترمذي: حسن غريب .

(حسبي الله وكفى، سمع الله لمن دعا) أي: أجاب (ليس وراء الله منتهى، ولا دون الله ملتجى، كتب الله لأغلبن أنا ورسلي، إن الله قوي عزيز، تحصنت بالله العظيم، واستعنت بالحي القيوم الذي لا يموت) . وقال أبو نعيم في الحلية: حدثنا أبي وأبو محمد بن حبان ومحمد بن عبد الرحمن قالوا: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، حدثنا محمد بن يزيد، حدثنا عبيد بن جبار عن عطاء بن مسلم قال: سمعت رجلا من أصحاب إبراهيم بن أدهم يقول: خرجنا إلى الجبل فاكترانا قوم نقطع الخشب يهيئون منه القصاع والأقداح فبينما أنا وإبراهيم نصلي إذ أقبل السبع فانصدع الناس فدنوت منه فقلت: ألا ترى ما الناس فيه؟ قال: ما لهم؟ قلت: هذا السبع خلف ظهرك فالتفت إليه وقال: يا خبيث وراءك. ثم قال: ألا قلتم حين نزلتم (اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واكنفنا بكنفك الذي لا يرام، اللهم ارحمنا) ، وفي لفظ الحلية: وارحمنا (بقدرتك علينا ولا نهلك) ولفظ الحلية: ولا تهلكنا (وأنت ثقتنا ورجاؤنا) قال: وحدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا أحمد بن محمد ابن سلامة الطحاوي، حدثنا عبد الرحمن بن الجارود البغدادي، حدثنا خلف بن تميم قال: كنا مع إبراهيم بن أدهم في سفرنا فأتاه الناس فقالوا له: إن الأسد قد وقف على طريقنا قال: فأتاه فقال: يا أبا الحارث إن كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به، وإن لم تكن أمرت فينا بشيء فتنح عن طريقنا، قال فمضى وهو يهمهم، فقال لنا إبراهيم بن أدهم: وما على أحدكم إذا أصبح وإذا أمسى أن يقول: اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت الرجاء .

قال إبراهيم: إني لأقولها على ثيابي ونفقتي فما فقدت منها شيئا .

حدثنا محمد بن حبان، حدثنا أحمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا خلف بن تميم حدثني عبد الجبار بن كثير قال: قيل لإبراهيم بن أدهم: هو ذا السبع قد ظهر فقال أرونيه فلما نظر إليه ناداه: يا قسورة إن كنت أمرت فينا بشيء فامض لما أمرت به وإلا فعودتك على ذلك، فضرب بذنبه وولى ذاهبا، قال: فعجبنا منه حين فقه كلامه، ثم أقبل علينا إبراهيم فقال: قولوا: اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، اللهم واكنفنا بركنك الذي لا يرام، اللهم ارحمنا بقدرتك علينا ولا نهلك وأنت الرجاء، قال خلف: فأنا أسافر منذ نيف وخمسين سنة فأقولها لم يأت لص قط ولم أر إلا خيرا .

(اللهم اعطف علينا قلوب عبادك وإمائك برأفة ورحمة) أي: أملها إلينا بأن يرأفوا بنا ويرحمونا، فإن قلوبهم بقبضتك تصرفها كيف شئت ونواصيهم بيدك، (إنك أرحم الراحمين) قيل: هو اسم الله الأعظم، ولذلك حسن ختم الدعوات به .

التالي السابق


الخدمات العلمية