إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الباب الثاني : فيما لا بد للمسافر من تعلمه من رخص السفر وأدلة القبلة .

والأوقات .

اعلم أن المسافر يحتاج في أول سفره إلى أن يتزود لدنياه ولآخرته .

، أما زاد الدنيا فالطعام والشراب وما يحتاج إليه من نفقة .

فإن خرج متوكلا من غير زاد فلا بأس به إذا كان سفره في قافلة أو بين قرى متصلة .

وإن ركب البادية وحده أو مع قوم لا طعام معهم ولا شراب فإن كان ممن يصبر على الجوع أسبوعا أو عشرا مثلا أو يقدر على أن يكتفي بالحشيش فله ذلك .

وإن لم يكن له قوة الصبر على الجوع ولا القدرة على الاجتزاء بالحشيش فخروجه من غير زاد معصية ، فإنه ألقى نفسه بيده إلى التهلكة ولهذا سر سيأتي في كتاب التوكل .

وليس معنى التوكل التباعد عن الأسباب بالكلية ولو كان كذلك لبطل التوكل بطلب الدلو والحبل ونزع الماء من البئر ولوجب أن يصبر حتى يسخر الله له ملكا أو شخصا آخر حتى يصب الماء في فيه .

فإن كان حفظ الدلو والحبل لا يقدح في التوكل وهو آلة الوصول إلى المشروب فحمل عين المطعوم والمشروب حيث لا ينتظر له وجود أولى بأن لا يقدح فيه .

وستأتي حقيقة التوكل في موضعها فإنه يلتبس إلا على المحققين من علماء الدين .


(الباب الثاني: فيما لا بد للمسافر من تعلمه من رخص السفر)

أي: التي رخص الله فيها العبادة (وأدلة القبلة والأوقات) مما تتأكد معرفته لكل مسلم، (اعلم أن المسافر) من بقعة إلى بقعة (يحتاج في أول سفره أن يتزود لدنياه وآخرته، أما زاد الدنيا فالطعام والشراب وما يحتاج إليه من نفقة فإن خرج متوكلا) على الله (من غير زاد) ولا نفقة (فلا بأس به إذا كان سفره في قافلة) ، وهي الرفقة وعليه اقتصر الفارابي وقال في مجمع البحرين: ومن قال القافلة الراجعة من السفر فقط غلط بل يقال: للمبتدئة بالسفر قافلة أيضا تفاؤلا لها بالرجوع، وقال الأزهري مثله قال: والعرب تسمى الناهضين للغزو قافلة تفاؤلا بقفولها وهو شائع (أو بين قرى متصلة) كبلاد الريف .

(وإن ركب البادية وحده أو مع قوم لا طعام معهم ولا شراب) بل كلهم على قدم التجريد، (فإن كان ممن يصبر على الجوع) والعطش (أسبوعا) أي: سبعة أيام (أو عشرا) أي: عشرة أيام (مثلا أو يقدر على أن يجتزي) أي: يكتفي (بالحشيش) الرطب وأصول النبات (فله ذلك، وإن لم يكن له قوة الصبر على الجوع ولا القدرة على الاجتراء فخروجه من غير زاد معصية، فإنه ألقى نفسه بيده إلى التهلكة) وهو منهي عنه .

قال القشيري في الرسالة: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت محمد بن علي العلوي يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت أحنف الهمداني يقول: كنت في البادية وحدي فعييت فرفعت يدي وقلت: يا رب ضعيف زمن وقد جئت إلى ضيافتك فوقع في قلبي أن يقال لي: من دعاك؟ فقلت: يا رب هي مملكتك تحتمل الطفيلي، فإذا أنا بهاتف من ورائي، فالتفت فإذا أنا بأعرابي على راحلة قال: يا أعجمي إلى أين؟ فقلت: إلى مكة، قال: أودعاك؟ فقلت: لا أدري فقال: أوليس قال الله تعالى: من استطاع إليه سبيلا فقلت: المملكة واسعة تحتمل الطفيلي فقال: نعم الطفيلي أنت يمكنك أن تخدم الجمل، فقلت: نعم، فنزل عن راحلته وأعطانيها وقال: سر عليها .

قال الشارح: في ذلك دلالة على أن المسافر لا يسافر في البادية بلا زاد ولا راحلة إلا إذا عوده الله القوي على ذلك وقد يعوده إياها لكن يطرأ له في أثناء سفره ما يوجب له العجز عن ذلك فلا يضره. والأحنف كان الغالب عليه بحسب ما خطر له من السفر بلا زاد ولا راحلة أن الله يقويه على ذلك، فلما طرأ عليه العجز في السفر استغاث بالله تعالى فأغاثه، (ولهذا سر سيأتي في كتاب التوكل) إن شاء الله تعالى .

(وليس معنى التوكل التباعد عن الأسباب) الظاهرية (بالكلية ولو كان ذلك لبطل التوكل بطلب الدلو) الحبل لأجل (ونزع الماء من البئر) كما وقع لبعضهم لما قيل له ألا تشرب من زمزم؟ قال: لو كان لي حبل ودلو (ولوجب) عليه (أن يصبر حتى يسخر الله) له (ملكا) في صورة إنسان (أو شخصا آخر حتى يصب الماء في فيه فإن كان حفظ الدلو والحبل لا يقدح في التوكل وهو) أي: الدلو مع الحبل (آلة الوصول إلى المشروب فحمل عين المطعوم والمشروب حتى لا ينتظر له وجود أولى بأن لا يقدح فيه) أي: في التوكل إذ لا فرق بين حمل الشيء وما هو آلة الوصول إليه (وسيأتي حقيقة التوكل) ما هي (فإنه ملتبس) أمره (إلا على المحققين [ ص: 416 ] من علماء الدين) فإنهم يدركون حقيقة ويميزون بين ما يقدح فيه وما لا يقدح فيه ولهم فيه مشارب .

التالي السابق


الخدمات العلمية