إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومنها قراءة القرآن باللحن يجب النهي عنه ، ويجب تلقين الصحيح .

فإن كان المعتكف في المسجد يضيع أكثر أوقاته في أمثال ذلك ويشتغل به عن التطوع والذكر ، فليشتغل به، فإن هذا أفضل له من ذكره وتطوعه لأن هذا فرض وهي قربة تتعدى فائدتها فهي أفضل من نافلة تقتصر عليه فائدتها .

وإن كان ذلك يمنعه عن الوراقة مثلا أو عن الكسب الذي هو طعمته ، فإن كان معه مقدار كفايته لزمه الاشتغال بذلك ، ولم يجز له ترك الحسبة لطلب زيادة الدنيا وإن احتاج إلى الكسب لقوت يومه فهو عذر له فيسقط الوجوب عنه لعجزه والذي يكثر اللحن في القرآن إن كان قادرا على التعلم، فليمتنع من القراءة قبل التعلم فإنه عاص به ، وإن كان لا يطاوعه اللسان فإن كان أكثر ما يقرؤه لحنا فليتركه ، وليجتهد في تعلم الفاتحة وتصحيحها وإن كان الأكثر صحيحا ، وليس يقدر على التسوية فلا بأس له أن يقرأ ، ولكن ينبغي أن يخفض به الصوت حتى لا يسمع غيره .

ولمنعه سرا منه أيضا وجه ، ولكن إذا كان ذلك منتهى قدرته وكان له أنس بالقراءة وحرص عليها ، فلست أرى به بأسا ، والله أعلم .

ومنها تراسل المؤذنين في الأذان وتطويلهم بمد كلماته وانحرافهم عن صوب القبلة بجميع الصدر في الحيعلتين أو انفراد كل واحد منهم بأذان ، ولكن من غير توقف إلى انقطاع أذان الآخر بحيث يضطرب على الحاضرين جواب الأذان لتداخل الأصوات .

فكل ذلك منكرات مكروهة يجب تعريفها، فإن صدرت عن معرفة فيستحب المنع منها والحسبة فيها .

وكذلك إذا كان للمسجد مؤذن واحد وهو يؤذن قبل الصبح ، فينبغي أن يمنع من الأذان بعد الصبح فذلك مشوش للصوم والصلاة على الناس إلا إذا عرف أنه يؤذن قبل الصبح حتى لا يعول على أذانه في صلاة وترك سحور أو كان معه مؤذن آخر معروف الصوت يؤذن مع الصبح .


(ومنها قراءة القرآن باللحن) أي بالخطأ (يجب النهي عنه، ويجب تلقين الصحيح) وتكراره له حتى يعرفه (فإن كان المعتكف في المساجد) في أكثر الأحوال (يضيع أكثر أوقاته في أمثال ذلك) من النهي عن التلحين في القراءة وتلقين الصحيح، (ويشتغل به عن التطوع والذكر، فليشتغل به، فإن هذا أفضل من ذكره وتطوعه لأن هذا فرض) إذ لا يتم الفرض إلا به، (وهي) مع ذلك (قربة تتعدى فائدتها) للغير، (فهي أفضل من نافلة تقتصر عليها فائدتها) ، ولا تتعدى (وإن كان ذلك بمنعه من الوراقة) مثلا، (و) عن (الكسب الذي هو طعمته، فإن كان معه مقدار كفايته لزم الاشتغال بذلك، ولم يجز له ترك الحسبة لطلب زيادة الدنيا وإن احتاج إليه) أي إلى الكسب (لقوت يومه فهو عذر له فيسقط الوجوب عنه لعجزه) وكذا إذا كان دخله لا يفي بخرجه، ولو اشتغل بالحسبة لفاته دخل يومه يسقط الوجوب عنه، (والذي يكثر اللحن في القرآن كان قادرا على التعلم، فليمتنع عن القراءة قبل التعلم فهو عاص به، وإن كان لا يطاوعه اللسان فإن كان أكثر ما يقرؤه لحنا فليتركه، وليجتهد في تعلم الفاتحة وتصحيحها) بالشدات والمدات، (وإن كان الأكثر صحيحا، وليس يقدر على التسوية فلا بأس به أن يقرأ، ولكن ينبغي أن يخفض به الصوت حتى لا يسمع غيره) ممن في طرف المسجد (ولمنعه سرا منه أيضا وجه، ولكن إذا كان ذلك منتهى قدرته) وغاية جهده، (وكان له أنس بالقراءة وحرص عليها، فلست أرى بذلك بأسا، والله أعلم) وذلك لأنه قد بذل مجهوده، وأنسه بالقراءة وشرفه عليها كاف في المقام فلا يمنع منها، (ومنها تراسل المؤذنين في الأذان وتطويلهم في كلماته) ، ومنه قولهم: لا تراسل في الأذان إذ لا متابعة فيه، والمعنى لا اجتماع فيه، وهو أن يجتمعوا على الأذان يبتدئ هذا، ويمد صوته، فيقبض ويسكت ويأخذ غيره في مد الصوت، ويرجع الأول وهكذا إلى أن ينتهي، وهو منهي عنه (وانحرافهم عن صوب القبلة بجميع الصدر في الحيعلتين أو انفراد واحد بأذان، ولكن من غير توقف عن انقطاع أذان الآخر بحيث يضطرب على الحاضرين جواب الأذان لتداخل الأصوات، فكل ذلك منكرات مكروهة يجب تعريفها) إياهم وإرشادهم إلى ما يسن في الأذان وآدابه، (وإن صدرت عن معرفة) أي بعدها (فيستحب المنع منها والحسبة فيها وكذلك إذا كان للمسجد مؤذن واحد وهو يؤذن [ ص: 54 ] قبل الصبح، فينبغي أن يمنع منه فذلك مشوش للصوم والصلاة على الناس إلا إذا عرف أنه يؤذن قبل الصبح حتى لا يعول على أذانه في صلاة وترك سحور) للصائم، (أو كان معه مؤذن آخر معروف الصوت يؤذن مع الصبح) كما يعمل ذلك في شهر رمضان، وقد كان له صلى الله عليه وسلم مؤذنان أحدهما يؤذن قبل الصبح لينبه النائم، ويرجع القائم، وهو بلال، والثاني لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت أصبحت وهو ابن أم مكتوم.

التالي السابق


الخدمات العلمية