إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وإنما أدبه القرآن بمثل قوله تعالى : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وقوله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي وقوله : واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور وقوله : ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور وقوله : فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين وقوله : وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، وقوله : ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وقوله : والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين وقوله : اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ولما كسرت رباعيته وشج يوم أحد فجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسح الدم ويقول : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم ، فأنزل الله تعالى : ليس لك من الأمر شيء تأديبا له على ذلك .

وأمثال هذه التأديبات في القرآن لا تحصر وهو صلى الله عليه وسلم المقصود الأول بالتأديب والتهذيب ، ثم منه يشرق النور على كافة الخلق ، فإنه أدب بالقرآن ، وأدب الخلق به ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .


(وإنما أدبه القرآن بمثل قوله تعالى: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين وقوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي وقوله تعالى: واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور وقوله تعالى: ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور وقوله تعالى: فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين وقوله تعالى: وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، وقوله تعالى: ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وقوله تعالى: والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين وقوله تعالى: اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ) وأمثال ذلك وهي كثيرة، وفي أدب الإملاء لابن السمعاني من حديث ابن مسعود رفعه: أدبني ربي فأحسن تأديبي ثم أمرني بمكارم الأخلاق فقال: خذ العفو وأمر بالعرف الآية، وأخرج القشيري نحوه في التحبير، (ولما كسرت رباعيته) وهو على وزن ثمانية السن التي بين الثنية والناب والجمع رباعيات بالتخفيف أيضا (وشج) وجهه (يوم أحد فجعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسحه) ، ولفظ أنس : وجعل يمسح وجهه (ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم، فأنزل الله تعالى: ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) .

قال العراقي : رواه مسلم من حديث، وذكر البخاري تعليقا اهـ .

قلت: وكذلك رواه ابن إسحاق في سيرته من طريق حميد عن [ ص: 93 ] أنس ورواه أحمد والترمذي والنسائي من طرق عن حميد به، وعند ابن عائذ من طريق الأوزاعي قال: بلغنا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما جرح يوم أحد أخذ شيئا فجعل ينشف دمه وقال: لو وقع منه شيء على الأرض لنزل عليهم العذاب من السماء، ثم قال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، وفي المواهب اللدنية: جرح وجهه عبد الله بن قميئة وعتبة بن أبي وقاص أخو سعد ، وهو الذي كسر رباعيته .

وروى ابن هشام من حديث أبي سعيد الخدري أن عتبة بن أبي وقاص هو الذي كسر رباعيته اليمنى السفلى، وجرح شفته السفلى وأن عبد الله بن شهاب الزهري شجه في جبهته وأن ابن قميئة جرح وجنته فدخلت حلقتان من المغفر في وجنته، وفي رواية: وهشموا البيضة على رأسه .

وعند الطبراني من حديث أبي أمامة قال: رمى عبد الله بن قميئة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فشج وجهه وكسر رباعيته فقال: خذها وأنا ابن قميئة، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يمسح الدم عن وجهه: أقمأك الله فسلط عليه تيس جبل فلم يزل يقطمه حتى قطعة قطعة .

وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: ضرب وجه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يومئذ بالسيف سبعين ضربة وقاه الله تعالى شرها كلها .

قال في فتح الباري: وهذا مرسل قوي ويحتمل أن يكون أراد بالسبعين حقيقتها أو المبالغة .

(تأديبا له على ذلك وأمثال هذه التأديبات في القرآن لا تنحصر وهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ المقصود الأول بالتأديب والتهذيب، ثم منه يشرق النور على كافة الخلق، فإنه أدب بالقرآن، فتأدب به وأدب الخلق به، ولذلك قال) صلى الله عليه وسلم: (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) .

قال العراقي : رواه أحمد والحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة، قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم، وقد تقدم في آداب الصحبة .

قلت: رواه مالك في الموطأ بلاغا عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بلفظ: إنما بعثت، وقال ابن عبد البر : هو متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة مرفوعا .

منها ما أخرجه أحمد في مسنده والخرائطي في أول مكارم الأخلاق من طريق محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: صالح الأخلاق. ورجاله رجال الصحيح، وللطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن جابر مرفوعا بلفظ: إن الله بعثني بتمام مكارم الأخلاق وكمال محاسن الأفعال.

التالي السابق


الخدمات العلمية