إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وكان أحب الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب وكان يأكل البطيخ بالخبز وبالسكر وربما أكله .

بالرطب ويستعين باليدين جميعا وأكل يوما الرطب في يمينه ، وكان يحفظ النوى في يساره ، فمرت شاة فأشار إليها بالنوى ، فجعلت تأكل من كفه اليسرى وهو يأكل بيمينه حتى فرغ وانصرفت الشاة وكان ربما أكل العنب خرطا يرى رؤاله على لحيته كخرز اللؤلؤ .


(وكان) -صلى الله عليه وسلم- (أحب الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب) البطيخ معروف ، وبتقديم الطاء على الباء لغة فيه، وهل المراد به الأصفر أو الأخضر مختلف فيه ، كان يأكل هذا بهذا رفعا لضرر كل منهما بالآخر .

قال العراقي : روى أبو نعيم في الطب النبوي من رواية أمية بن زيد العبسي " أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب من الفاكهة العنب والبطيخ " وروى ابن عدي من حديث عائشة : " فإن خير الفاكهة العنب "، وسنده ضعيف اهـ .

قلت: وقد روى ابن عدي هذا الحديث الذي ساقه المصنف بهذا اللفظ في ترجمة عباد بن كثير الثقفي ، وهو ضعيف ، وساقه أيضا الذهبي في ميزانه في ترجمته ، ونقل تضعيفه عن جماعة ، وكذلك أبو عمر النوقاني في كتاب البطيخ من حديث أبي هريرة .

(وكان) -صلى الله عليه وسلم- (يأكل البطيخ بالخبز) قال العراقي : لم أره وإنما وجدت أكله العنب بالخبز في حديث عائشة عند ابن عدي بسند ضعيف .

(و) يأكل تارة (بالسكر) قال العراقي : إن أريد بالسكر نوع من التمر والرطب مشهور فهو الحديث الآتي بعده ، وإن أريد بالسكر الذي هو بطبرزد فلم أر له أصلا إلا في حديث منكر معضل ، رواه أبو عمر النوقاني في كتاب البطيخ ، من رواية محمد بن علي بن الحسين "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل بطيخا بسكر"، وفيه موسى بن إبراهيم المروزي ، كذبه يحيى بن معين اهـ .

قلت: قال في المصباح: السكر نوع من الرطب شديد الحلاوة ، قال أبو حاتم في كتاب النخلة : نخل السكر الواحدة سكرة، وقال الأزهري: التمر نخل السكر ، وهو معروف عند أهل البحرين ، فإن كان المراد بالسكر هنا هو الطبرزدي فيتعين أن يكون المراد بالبطيخ هو الأصفر ، فإنه الذي يؤكل به مع احتمال إرادة الأخضر إلا أن ابن حجر ذكر في شرح الشمائل "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير السكر"، وما ورد بأنه حضر [إملاك] بعض الأنصار ، فنثر على العروس بالسكر واللوز فلا أصل له (وربما أكله بالرطب) .

قال العراقي : رواه الترمذي والنسائي من حديث عائشة ، وحسنه الترمذي، ولابن ماجه من حديث سهل بن سعد [ ص: 119 ] كان يأكل الرطب بالبطيخ وهو عند الدارمي بلفظ البطيخ بالرطب ، وروى أبو الشيخ ، وابن عدي في الكامل ، والطبراني في الأوسط ، والبيهقي في الشعب من حديث أنس : "كان يأخذ الرطب بيمينه ، والبطيخ بيساره ، ويأكل الرطب بالبطيخ ، وكانا أحب الفاكهة إليه "، فيه يوسف بن عطية الصفار ، مجمع على ضعفه .

وروى ابن عدي من حديث عائشة : " كان أحب الفاكهة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرطب والبطيخ "، وهو ضعيف أيضا اهـ .

قلت: ورواه الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن جعفر بلفظ: " كان يأكل البطيخ بالرطب "، وروى الطيالسي من حديث جابر بسند حسن : "كان يأكل الخبز بالرطب ويقول: هما الأطيبان"، وهذا يؤيد قول من قال: إن المراد بالبطيخ هو الأصفر ، وروى أبو داود ، والبيهقي من حديث عائشة :" كان يأكل البطيخ بالرطب ، ويقول: يكسر حر هذا ببرد هذا ، وبرد هذا بحر هذا "، قال ابن القيم : في البطيخ عدة أحاديث ، لا يصح منها شيء غير هذا الحديث الواحد .

(ويستعين باليدين جميعا) قال العراقي : رواه أحمد من حديث عبد الله بن جعفر ، قال آخر ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إحدى يديه رطبات ، وفي الأخرى قثاء يأكل من هذه ، ويعض من هذه ، وتقدم حديث أنس في أكله بيديه قبل هذا بثلاثة أحاديث اهـ .

قلت: وتقدم أيضا أكله القثاء بالرطب بيديه من رواية الطبراني في الأوسط بنحوه ، قال العراقي : ولا يلزم من هذا لو ثبت أكله بشماله ، فلعله كان يأخذ بيده اليمنى من الشمال رطبة فيأكلها مع ما في يمينه فلا مانع من ذلك .

(وأكل) -صلى الله عليه وسلم- (يوما رطبا كان في يمينه ، وكان يحفظ النوى في يساره ، فمرت به شاة فأشار إليها بالنوى ، فجعلت تأكل من كفه اليسرى وهو يأكل بيمينه حتى فرغ وانصرفت الشاة) قال العراقي : هذه القصة رويناها في فوائد أبي بكر الشافعي من حديث أنس بإسناد ضعيف اهـ .

قلت: وروى الحاكم في الأطعمة من حديث أنس "كان يأكل الرطب ، ويلقي النوى على الطبق" وقال صحيح على شرطهما ، وأقره الذهبي ، (وربما أكل العنب خرطا) يقال: خرط العنقود وأخرطه إذا وضعه في فمه ، وأخذ حبه ، وخرج عرجونه عاريا .

وفي رواية ذكرها ابن الأثير خرصا بالصاد بدل الطاء ، أي من غير عدد (يرى رؤاله على لحيته كخرز اللؤلؤ) وهو ، أي الرؤال بالضم (الماء الذي يتقطر منه) .

قال العراقي : رواه ابن عدي في الكامل من حديث العباس والعقيلي في الضعفاء من حديث ابن عباس هكذا مختصرا وكلاهما ضعيف اهـ

قلت: وكذا رواه الطبراني في الكبير هو والعقيلي من طريق داود بن عبد الجبار ، عن ابن الجارود ، عن حبيب بن يسار ، عن ابن عباس رفعه: "كان يأكل العنب خرطا" قال العقيلي : داود ليس بثقة ولا يتابع عليه ، وأخرجه البيهقي في الشعب من طريقين ، ثم قال: ليس فيه إسناد قوي، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ، ولم يصب بل هو ضعيف .

التالي السابق


الخدمات العلمية