إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وكان أكثر طعامه الماء والتمر وكان اللبن بالتمر ويسميهما الأطيبين وكان أحب الطعام إليه اللحم ويقول : هو يزيد في السمع وهو سيد الطعام في الدنيا والآخرة ، ولو سألت ربي أن يطعمنيه كل يوم لفعل وكان يأكل الثريد باللحم والقرع وكان يحب القرع ويقول : إنها شجرة أخي يونس عليه السلام قالت عائشة رضي الله عنها وكان : يقول : يا عائشة إذا ، طبختم قدرا فأكثروا فيها من الدباء فإنه يشد قلب الحزين وكان يأكل لحم الطير الذي يصاد وكان لا يتبعه ولا يصيده ويحب أن يصاد له ويؤتى به فيأكله وكان إذا أكل اللحم لم يطأطئ رأسه إليه ويرفعه ، إلى فيه رفعا ، ثم ينتهشه انتهاشا وكان يأكل الخبز والسمن وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ومن القدر الدباء ومن الصباغ الخل ومن التمر العجوة ودعا في العجوة بالبركة وقال : هي من الجنة وشفاء من السم والسحر .


(وكان أكثر طعامه) -صلى الله عليه وسلم- (التمر والماء) قال العراقي : روى البخاري من حديث عائشة : "توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد شبعنا من الأسودين التمر والماء (وكان) -صلى الله عليه وسلم- (يتمجع اللبن بالتمر ويسميهما الأطيبين) قال العراقي: روى أحمد من رواية إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبيه قال: دخلت على رجل وهو يتمجع لبنا بتمر ، وقال: ادن فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سماهما الأطيبين ، ورجاله ثقات وإبهام الصحابي لا يضر اهـ .

قلت: المجيع كأمير: تمر يعجن بلبن ، وقد جاء ذكره في فقه اللغة للثعالبي ، وأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يحبه ، وتقدم من حديث جابر : "كان يأكل الخربز بالرطب ويقول هما الأطيبان " .

(وكان أحب لطعام إليه) -صلى الله عليه وسلم- (اللحم ويقول: هو يزيد في السمع وهو سيد الطعام في الدنيا والآخرة، ولو سألت ربي أن يطعمنه كل يوم لفعل) .

قال العراقي : رواه أبو الشيخ من رواية ابن سمعان قال: سمعت علماءنا يقولون: "كان أحب الطعام إلى رسول -صلى الله عليه وسلم- اللحم"، الحديث، وللترمذي في الشمائل من حديث جابر : "أتانا النبي -صلى الله عليه وسلم- في منزلنا فذبحنا له شاة ، فقال: كأنهم علموا أنا نحب اللحم"، وإسناده صحيح ، ولابن ماجه من حديث أبي الدرداء بإسناد ضعيف : "سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة اللحم" اهـ .

قلت: قصة جابر وقعت في غزوة الخندق وسيأتي ذكرهما عند ذكر المعجزات وهي طويلة ، أشار إليها الترمذي في الشمائل [ ص: 120 ] بقوله: وفي الحديث قصة ، وقال الزهري : أكل اللحم يزيد سبعين قوة ، وقال الشافعي : أكله يزيد في العقل ، وعن علي -رضي الله عنه- "يصفي اللون ، ويحسن الخلق ، ومن تركه أربعين صباحا ساء خلقه".

وروى أبو نعيم في الطب من حديث علي : "سيد طعام الدنيا والآخرة اللحم"، ورواه البيهقي من حديث بريرة بزيادة "وسيد الشراب" الحديث بطوله ، وروى الحاكم في تاريخه من حديث صهيب بزيادة ثم الأرز .

(وكان) -صلى الله عليه وسلم- (يأكل الثريد باللحم والقرع) رواه مسلم من حديث أنس ، وروى أبو داود ، والحاكم من حديث ابن عباس :"كان أحب الطعام إليه الثريد من الخبز في الحيس".

(وكان) -صلى الله عليه وسلم- (يحب القرع) وهو الدباء (ويقول: إنها شجرة أخي يونس عليه السلام) قال العراقي : روى النسائي وابن ماجه من حديث أنس : "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب القرع"، وقال النسائي : الدباء ، وهو عند مسلم بلفظ: يعجبه ، وروى ابن مروديه في تفسيره من حديث أبي هريرة في قصة يونس ، فلفظته في أصل شجرة ، وهي الدباء اهـ .

قلت: وروى الترمذي في الشمائل من حديث أنس : "كان يتتبع الدباء من حوالي القصعة"، وعند أحمد كما عند مسلم : "كان يعجبه القرع" وقوله تعالى: وأنبتنا عليه شجرة من يقطين ، قالوا: هي الدباء .

(قالت عائشة ـ رضي الله عنهاـ: كان) -صلى الله عليه وسلم- (يقول: يا عائشة، إذا طبختم قدرا فأكثروا فيها من الدباء فإنه يشد قلب الحزين) .

قال العراقي : رويناه في فوائد أبي بكر الشافعي من حديثها ، ولا يصح (وكان) -صلى الله عليه وسلم- (يأكل لحم الطير يصاد) .

قال العراقي : روى الترمذي من حديث الحسن قال: "كان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- طير ، فقال: اللهم آتني بأحب الخلق إليك يأكل معي هذا الطير ، فجاء علي فأكل معه" قال: الحديث غريب .

قلت: وله طرق كلها ضعيفة، وروى أبو داود والترمذي واستغربه من حديث سفينة ، قال: "أكلت مع النبي - صلى الله عليه وسلم- لحم حبارى"، (وكان لا يتبعه ولا يصيده ويحب أن يصاد له فيؤتى به فيأكله) .

قال العراقي : هذا هو الظاهر من أحواله ، فقد قال: "من تبع الصيد غفل" رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن عباس ، وقال الترمذي : حسن غريب .

وأما حديث صفوان بن أمية عند الطبراني قد كانت قبلي لله رسل ، كلهم يصطاد أو يطلب الصيد وهو ضعيف جدا .

(وكان) -صلى الله عليه وسلم- (إذا أكل اللحم لم يطأطئ رأسه إليه ، ورفعه إلى فيه رفعا ، ثم ينتهسه انتهاسا) روى أبو داود من حديث صفوان بن أمية ، قال: "كنت آكل مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فآخذ اللحم من العظم ، فقال: أدن العظم من فيك فإنه أهنأ وأمرأ" .

وللترمذي من حديثه: انهس اللحم نهسا ; فإنه أهنأ وأمرأ"، وهو والذي قبله منقطع ، وللشيخين من حديث أبي هريرة : " فتناول الذراع فنهس منها نهسة"، الحديث قاله العراقي : والنهس والانتهاس من الأخذ بمقدم الأسنان .

(وكان) - صلى الله عليه وسلم- (يأكل الخبز والسمن) متفق عليه من حديث أنس في قصة طويلة فيها "فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففت وعصرت أم سليم عكة فآدمته" الحديث ، وفيه ثم أكل النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وفي رواية ابن ماجه وضعت فيها شيئا من سمن ، ولا يصح ، ولأبي داود ، وابن ماجه من حديث ابن عمر : "وددت أن غدى خبزة بيضاء من برة سمراء مبلغة بسمن"، قال أبو داود : منكر .

(وكان) -صلى الله عليه وسلم- (يحب من الشاة الذراع والكتف) روى الشيخان من حديث أبي هريرة قال: "وضعت بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قصعة من ثريد ولحم ، فتناول الذراع ، وكانت أحب الشاة إليه"، الحديث .

وروى أبو الشيخ من حديث ابن عباس : "كان أحب اللحم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتف"، وإسناده ضعيف ، ومن حديث أبي هريرة ،لم يكن يعجبه من الشاة إلا الكتف. وتقدم ، قاله العراقي .

قلت: وروى أحمد ، وأبو داود ، وابن السني، وأبو نعيم ، كلاهما في الطب من حديث ابن مسعود "كان أحب العراق إليه ذراعي الشاة"، وحديث ابن عباس المذكور رواه أيضا أبو نعيم في الطب، وروى أبو داود أيضا من حديث ابن مسعود، بلفظ: "كان يعجبه الذراع"، ولابن السني ، وأبي نعيم في الطب من حديث أبي هريرة "كان يعجبه الذراعان والكتف"، (ومن القدير) ، أي المطبوخ في القدر (الدباء) تقدم حديث أنس قبل هذا بستة أحاديث كان يحب الدباء ، ولأبي الشيخ من حديث أنس كان أعجب الطعام [ ص: 121 ] إليه الدباء ، (ومن الصباغ الخل) روى أبو الشيخ من حديث ابن عباس "كان أحب الصباغ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخل" وإسناده ضعيف قاله العراقي .

قلت: ورواه كذلك أبو نعيم في الطب ، والمراد به ما يصبغ الخبز فيكون إداما له وقد ورد: "نعم الإدام الخل"، (ومن التمر العجوة) روى أبو الشيخ من حديث ابن عباس بسند ضعيف "كان أحب التمر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العجوة . قاله العراقي .

قلت: وكذا رواه أبو نعيم في الطب ، والمراد بالعجوة عجوة المدينة ، وهي أجود التمر وألينه وألذه .

(ودعا) -صلى الله عليه وسلم- (في العجوة بالبركة وقال: هي من الجنة) يريد المبالغة في الاختصاص بالمنفعة والبركة فكأنها منها ، (وشفاء من السم والسحر) .

قال العراقي : روى البزار والطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن الأسود ، قال: كنا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وفد سدوس فأهدينا له تمرا، وفيه حتى ذكرنا له تمرا فقلنا: هذا الجذامي ، فقال بارك الله في الجذامي ، وفي حديقة خرج هذا منها الحديث .

قال أبو موسى المدني قيل: هو تمر أحمر، وللترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه من حديث أبي هريرة "العجوة من الجنة وهي شفاء من السم"، وفي الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص : "من تصبح بسبع تمرات من عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر" .

قلت: وروى أبو نعيم في الطب بسند ضعيف من حديث بريدة : "العجوة من فاكهة الجنة"، وروى أحمد وابن ماجه والحاكم والديلمي من حديث رافع بن عمر ، والمزني : "العجوة والصخرة والشجرة من الجنة"، ولابن النجار من حديث ابن عباس : "العجوة من الجنة وفيها شفاء من السم"، الحديث .

وأما حديث أبي هريرة الذي أورده العراقي فقد رواه أيضا أحمد ، ويروى عن أبي سعيد الخدري وجابر ، رواه كذلك أحمد والنسائي وابن ماجه وابن منيع والديلمي ، وعندهم كلهم زيادة "والكماة من المن ، وماؤها شفاء للعين".

قال الزمخشري : العجوة تمر بالمدينة من غرس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال الحليمي: معنى كونها من الجنة أن فيها شبها من ثمار الجنة في الطبع ; فلذلك صارت شفاء من السم .

وقال السمهودي لم يزل أطباق الناس على التبرك بالعجوة ، وهو النوع المعروف الذي يأثره الخلف عن السلف بالمدينة ، ولا يرتابون في ذلك ، وأما حديث : "من تصبح كل يوم" إلخ فقد رواه كذلك أحمد ، وأبو داود ، كلهم من طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية