إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان شجاعته صلى الله عليه وسلم .

كان صلى الله عليه وسلم أنجد الناس وأشجعهم قال علي رضي الله عنه لقد رأيتني يوم بدر ، ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا وقال أيضا : كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه قيل : وكان صلى الله عليه وسلم قليل الكلام قليل الحديث ، فإذا أمر الناس بالقتال تشمر وكان من أشد الناس بأسا وكان الشجاع هو الذي يقرب منه في الحرب ، لقربه من العدو وقال عمران بن حصين ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم كتيبة إلا كان أول من يضرب وقالوا: كان : قوي البطش ولما غشيه المشركون نزل عن بغلته فجعل يقول: .


أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

.

فما رؤي يومئذ أحد كان أشد منه .


* (بيان شجاعته صلى الله عليه وسلم ) *

(كان صلى الله عليه وسلم أنجد الناس وأشجعهم) قال العراقي : رواه الدارمي من حديث ابن عمر بسند صحيح ، "ما رأيت أجلد ولا أجود ولا أشجع ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم - وللشيخين من حديث أنس : "كان أحسن الناس ، وأجود الناس ، وأشجع الناس " ، (قال علي رضي الله عنه - لقد رأيتني يوم بدر ، ونحن نلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم - وهو أقرب إلى العدو ، وكان أشد الناس بأسا يومئذ ) ، قال العراقي : رواه أبو الشيخ في الأخلاق بإسناد جيد .

(وقال) رضي الله عنه (أيضا : كنا إذا احمر البأس) أي اشتد الكرب في الحرب ، (ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما يكون أحد أقرب إلى العدو [ ص: 141 ] منه) قال العراقي : رواه النسائي بإسناد صحيح ، ولمسلم نحوه من حديث البراء .

(وقيل : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - قليل الكلام قليل الحديث ، فإذا أمر الناس بالقتال تشمر ) قال العراقي : رواه أبو الشيخ من حديث سعد بن عياض الثمالي مرسلا اهـ .

قلت : وروى أحمد من طريق سماك قال : قلت لجابر بن سمرة : "أكنت تجالس النبي صلى الله عليه وسلم - قال : نعم ، وكان طويل الصمت ، قليل الضحك " رجاله رجال الصحيح ، غير شريك ، وهو ثقة وسعد بن عياض المذكور تابعي ، يروي عن ابن مسعود ، وعنه أبو إسحاق السبيعي وثق ، روى له أبو داود ، والنسائي ، كذا في الكاشف .

(وكان الشجاع هو الذي يقرب منه في الحرب ، لقربه من العدو) ، قال العراقي : رواه مسلم ، من حديث البراء : "كنا والله إذا حمي البأس نتقي به ، وإن الشجاع منا الذي يحاذى به " .

(وقال عمران بن حصين ) رضي الله عنه : (ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم - كتيبة) طائفة من الجيش مجتمعة (إلا كان أول من يضرب) ، قال العراقي : رواه أبو الشيخ ، وفيه من لم أعرفه .

(قالوا : وكان) صلى الله عليه وسلم (قوي البطش) قال العراقي : رواه أبو الشيخ من رواية أبي جعفر معضلا اهـ .

قلت : ورواه ابن سعد ، عن محمد بن علي مرسلا ، بلفظ : "كان شديد البطش " ، قال الشارح : ومع ذلك فلم تكن الرحمة منزوعة عن بطشه لتخلقه بأخلاق الله تعالى ، وهو سبحانه ليس له وعيد وبطش شديد ليس فيه شيء من الرحمة واللطف ، وقال العراقي : وللطبراني من حديث عبد الله بن عمرو ، وأعطيت قوة أربعين في البطش والجماع ، وسنده ضعيف .

(ولما غشيته المشركون) يوم حنين (نزل) عن بغلته (فجعل يقول) :


(أنا النبي لا كذب)


(أنا ابن عبد المطلب)

قال العراقي : متفق عليه من حديث البراء اهـ .

قلت : ومعنى قوله :

أنا النبي لا كذب

، أي حقا فلا أفرق ، ولا أزول أي صفة النبوة يستحيل معها الكذب ، فكأنه قال : أنا النبي ، والنبي لا يكذب ، لست بكاذب فيما أقول ، حتى أنهزم ، بل أنا متيقن أن ما وعدني الله تعالى من النصر حق ، فلا يجوز علي الفرار ،

أنا ابن عبد المطلب

، فيه دليل لجواز قول الإنسان في الحرب : أنا فلان بن فلان ، ومنه قول علي رضي الله عنه .


أنا الذي سمتني أمي حيدره



وقول سلمة : أنا ابن الأكوع ، والمنهي عنه قول ذلك على وجه الافتخار ، كما كانت الجاهلية تفعله ، وانتسب لجده عبد المطلب ، دون أبيه عبد الله ؛ لأنه توفي شابا في حياة أبيه عبد المطلب ، فلم يشتهر كاشتهار أبيه ، وكان عبد المطلب سيد قريش ، وسيد أهل مكة ، ومن ثم نسب إليه صلى الله عليه وسلم ، في نحو قول ضمام : أيكم ابن عبد المطلب .

(فما رئي يومئذ أحد أشد منه صلى الله عليه وسلم) ؛ لأنه لما استقبلهم من هوازن ما لم يروا مثله قط من السواد ، والكثرة ، وذلك في غبش الصبح ، خرجت الكتائب من مضيق الوادي ، فحملوا حملة واحدة ، فانكشف خيل بني سليم مولية ، وتبعهم أهل مكة ، والناس ، ولم يثبت معه صلى الله عليه وسلم إلا عمه العباس ، وأبو سفيان بن الحارث ، وأبو بكر ، وعمر ، وأسامة في أناس من أهل بيته ، وأصحابه ، قال العباس : وأنا آخذ بلجام بغلته ، أكفها مخافة أن تصل إلى العدو ؛ لأنه كان يتقدم في نحوهم ، وأبو سفيان آخذ بركابه .

ومما يدل على شجاعته صلى الله عليه وسلم ، وكونه أشدهم بأسا ركوبه يومئذ على بغلته البيضاء ، وهي دلدل ، كما في رواية مسلم مع عدم صلاحيتها للحرب ، كرا وفرا ، ومن ثم لم يسهم لها ، ومع العادة ، إنما هي من مراكب الطمأنينة ، ومع أن الملائكة الذين قاتلوا معه في ذلك اليوم لم يكونوا إلا على الخيل ، لا غير ، ومع أنه كانت له أفراس متعددة في مواطن الحرب ، وهذا هو النهاية القصوى في الشجاعة ، والثبات .

وفيه إعلام بأن سبب نصرته مدده السماوي ، والتأييد الإلهي الخارق للعادة ، وبأنه ظاهر المكانة ، والمكان ليرجع إليه المسلمون ، وتطمئن قلوبهم بمشاهدة جميل ذاته وجليل آياته ، كركضه بها في نحو العدو مع فرار الناس عنه ، ولم يبق معه إلا أكابر أصحابه ، وكنزوله عنها إلى الأرض مبالغة في الثبات ، والشجاعة ، ومساواة في مثل هذا المقام للماشين من أصحابه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية