إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وأما شعره فقد كان رجل الشعر حسنه ليس بالسبط ولا الجعد القطط وكان إذا مشطه بالمشط يأتي كأنه حبك الرمل .

وقيل : كان شعره يضرب منكبيه وأكثر الرواية أنه كان إلى شحمة أذنيه ربما جعله غدائر أربعا تخرج ، كل أذن من بين غديرتين .

وربما جعل شعره على أذنيه فتبدو سوالفه تتلألأ .

وكان شيبه في الرأس واللحية ، سبع عشرة شعرة ما زاد على ذلك .


(وأما شعره فقد كان) صلى الله عليه وسلم (رجل الشعرة حسنها) بسكون الجيم وكسرها ، (ليس بالسبط) بسكون الباء وكسرها ، (ولا الجعد القطط) بفتح الطاء الأولى وكسرهما [ ص: 148 ] أي شعره صلى الله عليه وسلم ، ليس بنهاية في الجعودة ، وهو تكسره الشديد ، ولا في السبوطة ، وهي عدم انكساره أصلا ، بل كان وسطا بينهما ، رواه مسلم والبيهقي في الدلائل ، من طريق علي بن حجر ، عن إسماعيل بن جعفر ، عن ربيعة ، عن أنس ، ورواه البخاري ، ومسلم أيضا من طريق مالك ، وغيره عن ربيعة ، وروى البخاري عن مسلم بن إبراهيم ، وعمرو بن علي ، كلاهما عن وهب بن جرير ، عن أبيه ، عن أنس ، قال : "شعره بين الشعرين ، لا سبط ، ولا جعد ، بين أذنيه وعاتقه " ، وروى البيهقي في الدلائل من طريق مسلم بن إبراهيم .

وفي رواية لمسلم من طريق قتادة عن أنس : "كان شعرا رجلا ليس بالجعد ، ولا بالسبط بين أذنه وعاتقه " ، روى الترمذي في الشمائل من حديث أبي هريرة : "كان أبيض كأنما صيغ من فضة رجل الشعر " .

(وكان) صلى الله عليه وسلم (إذا مشط بالمشط) أي سرحه به (يأتي كأنه حبك الرمل) بضم الحاء المهملة ، والباء الموحدة ، هي طرائق الرمل ، وهذا يؤيد من فسر الرجل بالمتكسر قليلا ، ولا ينافي ذلك ما تقدم من الروايات ؛ لأن الرجولة أمر نسبي ، فحيث أثبتت أريد بها الأمر الوسط بين السبوطة والجعودة ، وحيث نفيت أريد بها السبوطة .

(وقيل : كان شعره) صلى الله عليه وسلم (يضرب منكبيه) مثنى منكب ، كمجلس ، وهو مجتمع رأس العضو ، والكتف ، روى الشيخان من حديث أنس : "كان شعره يضرب منكبيه " أخرجاه من طريق حبان ، عن همام ، عن أنس ، رواه البخاري من طريق أبي غثان ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، بلفظ " إن جمته تضرب قريبا من منكبيه " ، ورواه كذلك البيهقي في الدلائل ، ورواه مسلم من طريق أبي كريب ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بلفظ : "له شعر يضرب منكبيه " ، الحديث .

(وأكثر الرواية أنه كان إلى شحمة أذنيه) ، روى الشيخان من حديث البراء : "يبلغ شعره شحمة أذنيه " ، أخرجاه من طريق شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، وروى البيهقي في الدلائل من طريق عبد الرزاق عن معمر ، عن ثابت ، عن أنس ، "كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم - إلى شحمة أذنيه " أي تكاثفها ، ينتهي إلى شحمة أذنيه ، وتقدم عن الصحيحين في حديث أنس ، "أنه كان بين أذنيه وعاتقه " ، وفي أخرى عند الترمذي وغيره فوق الجمة ، ودون الوفرة ، وفي رواية : إن انفرقت عقيقته فرق ، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه ، إذا هو وفره ، وفي أخرى ، كان إلى أذنيه ، وفي أخرى إلى كتفيه ، والجمع بين هذه الروايات : أن مما يلي الأذن هو الذي يبلغ شحمتها ، وما خلفها هو الذي يضرب منكبيه ، أو بأن ذلك لاختلاف الأوقات ، فكان إذا ترك تقصيرها بلغ المنكب ، وإذا قصرها كانت إلى الأذن ، أو شحمتها ، أو نصفها ، فكانت تطول وتقصر بحسب ذلك .

(وربما جعله غدائر أربعا ، يخرج كل أذن بين غديرتين) ، قال العراقي : روى أبو داود والترمذي ، وحسنه وابن ماجه من حديث أم هانئ ، "قدم مكة ، وله أربع غدائر " اهـ .

قلت : ورواه البيهقي في الدلائل من طريق سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قالت أم هانئ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم - مكة قدمة ، وله أربع غدائر تعني ضفائر ، والغديرة والضفيرة هي الذؤابة ، ولفظ الترمذي في الشمائل قدم مكة قدمة ، وشعره إلى أنصاف أذنيه ، وله أربع غدائر ، والظاهر أنها عنيت قدومه مكة عام الفتح ؛ لأنه حينئذ اغتسل وصلى الضحى في بيتها ، وقدماته إلى مكة أربع ، متفق عليها في عمرة القضاء والفتح ، ولما رجع من حنين دخلها حين اعتماره من الجعرانة ، وفي حجة الوداع .

(وربما جعل شعره على أذنيه فتبدو سوالفه تتلألأ) ، أي تضيء وتتنور من وبيص الطيب .

(وكان شيبه) صلى الله عليه وسلم (في الرأس واللحية ، سبع عشرة شعرة ما زاد على ذلك) ، رواه البيهقي في الدلائل من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ، قيل له : هل كان شاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال : ما شانه الله تعالى بالشيب ، ما كان في رأسه إلا سبع عشرة أو ثمان عشرة شعرة ، هكذا هو في نسخة الدلائل عندي ، في لفظ له عنده : ما كان في رأسه ولحيته ولم أره في الدلائل ، وروى البخاري من طريق الليث ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن ربيعة ، عن أنس ، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم - وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء ، ورواه [ ص: 149 ] هو ومسلم أيضا من طريق مالك ، عن ربيعة ، وروى الترمذي في الشمائل ، من حديث ابن عمر ، "إنما كان شيبه صلى الله عليه وسلم نحوا من عشرين شعرة بيضاء " ، ولا منافاة بين الروايتين ؛ لأن الأربع عشرة دون العشرين ؛ لأنها أكثر من نصفها ، ومن زعم أنه دلالة لنحو الشيء على القرب منه ، فقد وهم ، ويجمع بين هذه الأخبار ، وبين ما قال المصنف بأنه اختلف لاختلاف الأوقات ، أو بأن الأول إخبار عن عده ، والثاني : إخبار عن الواقع ، فهو لم يعد إلا أربع عشرة ، وأما في الواقع فكان سبع عشرة أو ثمان عشرة ، ونفي الشيب في رواية أنس المراد به نفي كثرته لا أصله ، وسبب قلة شيبه أن النساء يكرهنه غالبا ، ومن كره من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا كفر .

وأما خبر "أن الشيب وقار ونور " فيجاب عنه بأنه وإن كان كذلك لكنه شين عند النساء غالبا ، أو أن المراد بالشيب المنفي فيما من الشين عند من كرهنه لا مطلقا لتجتمع الروايتان ، وأما أمره صلى الله عليه وسلم لهم لما رأوا أبا قحافة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا بتغييره ، وكرهه ، ولذلك قال غيروا الشيب فلا يدل على أنه شين مطلقا ، بل بالنسبة لمن مر. وفي تغييره مصلحة بالنسبة إلى الجهاد ، وإرهاب الكفار .

وبالنسبة لوقوع الألفة بين الزوجين والجمع بين الأحاديث ما أمكن أسهل من دعوى النسخ ، وإن أيدها منع الأكثرين للتغيير والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية